انتخابات رئاسية قادمة في فنزويلا.. الداخل والمعارضة والتدخلات الأميركية
لم يعد يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في فنزويلا سوى شهرين. وعلى الرغم من أن الحكومة نفذت ما هو مطلوب منها بموجب الاتفاق مع المعارضة، فإن الأخيرة تصر على الإشارة إلى نقاط سلبية.
تجري الانتخابات الرئاسية في فنزويلا في 28 تموز/يوليو المقبل، وهي الانتخابات الـحادية والثلاثين منذ بداية عهد الثورة البوليفارية، وسوف تجري كسابقاتها من العمليات الانتخابية في سياق معقد ومليء بالاستقطاب السياسي.
هذا ليس جديداً في عملية التحول الشامل التي بدأت منذ وصول الرئيس الراحل هوغو شافيز (1954-2013) إلى السلطة عام 1999، إذ يتواجه في هذا البلد مفهومان أيديولوجيان متعارضان، أحدهما، وهو الطرف المعارض القريب من واشنطن، لم يتوقف عن اللجوء إلى أساليب عنيفة وغير دستورية.
لا يزال هذا الجناح اليميني المحلي يستجيب لمصالح الولايات المتحدة التي تدخلت على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية بطريقة استفزازية واستعمارية في الشؤون الداخلية لهذا البلد.
وكما قال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مؤخراً، فإن انتخابات تموز/يوليو تبدو كأنها "حملة رئاسية عالمية"، كأن ما يجري هو "انتخاب لرئيس العالم".
ما يقوله مادورو يعود بشكل أساسي إلى الحملة الإعلامية والسياسية الدولية التي تقوم بها المعارضة الفنزويلية بالتعاون مع واشنطن والقوى الإقليمية والعالمية التي تدور بفلكها ضد فنزويلا، وهي حملة مدعومة من الصحافة الغربية وشبكات التواصل الاجتماعي.
لا شك في أن هذا الهجوم الدائم ضد فنزويلا يسعى إلى نزع الأهلية عن الدولة البوليفارية ودستوريتها. كل ذلك من أجل الاستيلاء على ثرواتها الطبيعية والعودة بالبلاد إلى الوراء في منعطف اجتماعي سياسي ترفض الأغلبية العودة إليه، كما كان واضحاً في الاستحقاقات المتعددة التي شهدتها فنزويلا في السنوات الماضية.
اتفاقات حددت مسار الانتخابات القادمة
يُذكر أنّ هذه الانتخابات تقررت نتيجة المحادثات التي جرت بين الحكومة والمعارضة في آب/أغسطس 2021، والتي كان نتيجتها توقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة والمنصة "المنصة الديمقراطية الموحدة" (PUD)، إضافة إلى اتفاق "بربادوس" الذي وقع في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي تضمن أن يكون الموعد الرسمي للانتخابات الرئاسية في النصف الثاني من عام 2024، وأن من حق كل طرف سياسي اختيار مرشحه بحرية، ووفقاً للآليات الداخلية والدستور والقانون.
وتضمنت أيضاً مجموعة من الضمانات للجميع أمام المجلس الوطني الانتخابي، ومنها أيضاً دعوة بعثات فنية من مجموعة الدول الكاريبية، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، وفريق خبراء الأمم المتحدة، واتحاد البلدان الأميركية للحقوق الانتخابية، ومركز كارتر، من بين جهات أخرى، لمراقبة الانتخابات.
وقد زارت وفود استكشافية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومركز كارتر (الولايات المتحدة الأميركية) ومجلس خبراء الانتخابات في أميركا اللاتينية والمرصد البرلماني للتكامل الإقليمي كاراكاس بالفعل من أجل التحضير لمراقبة الانتخابات.
يشار في هذا السياق إلى أن السلطة الانتخابية الفنزويلية قررت العودة عن الدعوة التي كانت قد وجهتها للاتحاد الأوروبي للقيام بمهة مراقبة الانتخابات، وذلك "تطبيقاً لسيادة الدولة الفنزويلية ومصالح الشعب، بسبب العقوبات التي لم يتراجع عنها الاتحاد الأوروبي"، ضد فنزويلا.
وفي شهر شباط/فبراير من هذا العام، تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق شامل في مقر الجمعية الوطنية الفنزويلية، سُمي "ميثاق كاراكاس"، الذي شمل، وفقاً لما أشار إليه مادورو، "أفضل ما تم التوصل إليه في المكسيك وباربادوس".
ويشمل الميثاق، الذي يضمن "إجراء انتخابات حرة وديمقراطية وشاملة وشفافة ودستورية"، جميع القطاعات الاجتماعية والعمالية والتجارية والثقافية، إضافةً إلى 43 حزباً سياسياً، بما في ذلك "المنصة الديمقراطية المتحدة" (PUD)، وهي القوى المعترف بها من قبل السلطة الانتخابية، إذ عقدت 150 اجتماعاً، وقدمت أكثر من 500 مقترح يتعلق بالجدول الزمني للانتخابات.
ومع ذلك، هناك العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها في سيناريو معقد اعترفت فيه الحكومة بأنها التزمت بشكل كامل بجميع هذه الاتفاقات، لكن المعارضة المتمثلة بـ"المنصة الديمقراطية المتحدة" والولايات المتحدة لم تلتزم بها.
اقرأ أيضاً: فنزويلا: 12 مرشحاً يتنافسون في الانتخابات الرئاسية في 28 يوليو المقبل
اتهامات متبادلة
لم يعد يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في الجمهورية البوليفارية سوى شهرين. وعلى الرغم من أن الحكومة وضعت جميع أوراقها على الطاولة، وشرحت جميع الخطوات التي اتخذتها لتنفيذ الاتفاق مع المعارضة، فإنَّ المعارضة تصر على الإشارة إلى عدة نقاط سلبية.
رغم أن التوافق الذي تم التوصل إليه من خلال اتفاقيتي بربادوس وكاراكاس حدد الطريق الذي يجب اتباعه لإجراء الانتخابات في 28 تموز/يوليو، فقد ظهرت خلافات بين الموقعين عليها. وفي الوقت الذي تتهم المعارضة، ممثلةً بـ"المنصة الديمقراطية المتحدة" PUD، الحكومة بعدم الالتزام بالاتفاق، تتهمها الحكومة بدورها بانتهاك الاتفاق.
القضية الأهم التي أثارت الجدل هي قيام "المنصة الديمقراطية المتحدة" بإلقاء اللوم على الحكومة في عدم السماح لماريا كورينا ماتشادو بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية، في حين كان من المعروف أنها غير مؤهلة قانونياً للترشح، بحسب الحكومة، وذلك بموجب حكم صادر عن القاعة الإدارية السياسية التابعة لمحكمة العدل العليا، بسبب سلسلة من الجرائم المرتكبة.
ومن بين الاتهامات الموجهة إلى السيدة التي لا تزال تطمح للترشح للرئاسة، ذكرت أعلى هيئة قضائية أن زعيمة حزب "فينتي فنزويلا" أو "هيا يا فنزويلا" مشاركة في "مخطط الفساد الذي خطط له ودبره المغتصب للسلطة خوان غوايدو"، والذي أدى إلى فرض الحصار على فنزويلا، وكذلك "النهب السافر لشركات الشعب وثرواته في الخارج، والتي تبلغ قيمتها نحو 34 مليار دولار".
عدم إمكان ترشح ماتشادو جعل المعارضة تذهب إلى خيار بديل وهو ترشح الدبلوماسي السابق إدموندو غونزاليس أوروتيا، حيث أعلن حزب "المنصة الديمقراطية الوحدوية" أن إدموندو سيكون المرشح الذي سيواجه الرئيس مادورو.
ومنذ تقديم ترشيحه رسمياً، لم يقم السفير السابق بأي حدث انتخابي عام، لكن ماريا كورينا تواصل القيام بجولات وإظهار صورته للناس في محاولة لإظهار أنه بديلها في الانتخابات. وعوضاً عن ذلك لا يتوقف إدموندو عن إجراء المقابلات من منزله المريح مع وسائل الإعلام الدولية، وأحياناً مع الصحافة المحافظة في فنزويلا.
استراتيجية المعارضة للتخلص من مادورو
منذ وصول هوغو تشافيز إلى الرئاسة، بدأت خطط المعارضة الحليفة لحكومة الولايات المتحدة الأميركية لإطاحة "حكومة الشعب". وقد شملت استراتيجية اليمين الفنزويلي المتطرف الاغتيال والانقلاب كجزء من تطلعاته للاستيلاء على السلطة بأي وسيلة كانت.
وقد تم التخطيط لخمسة من هذه الأعمال العنيفة عام 2023، وأربعة أخرى حتى الآن، خلال عام 2024، أي في السنة التي تسبق الانتخابات. وقد شارك مدنيون وعسكريون في كل هذه الخطط، بعضهم متقاعدون وآخرون في الخدمة الفعلية. كما ارتبطوا بشخصيات يمينية فنزويلية في المنفى، وبمسؤولين أميركيين وكولومبيين وفنزويليين.
في 15 كانون الثاني/يناير الفائت، كشف مادورو أمام الجمعية الوطنية حقائق حول هذه الأعمال، ثم توسع النائب العام طارق وليم صعب في الحديث عنها بإثباتات وأدلة لا حصر لها.
شملت المحاولات الانقلابية ومحاولات الاغتيال، إضافة إلى الرئيس مادورو، وزير الدفاع فلاديمير بادرينو وقادة مدنيين وعسكريين آخرين، مثل حاكم محافظة تاتشيرا فريدي برنال.
اقرأ أيضاً: فنزويلا تواجه مؤامرة أميركية جديدة.. ما الذي تريده واشنطن؟
أكد مادورو حينها أن المؤامرات تم التخطيط لها من ميامي (الولايات المتحدة) وكولومبيا، وشاركت فيها عناصر أجنبية.
في أواخر العام الماضي، كانت آخر المحاولات المعروفة باسم "السوار الأبيض"، إذ تم التخطيط للهجوم على وحدة عسكرية في سان كريستوبال في محافظة تاتشيرا في الساعات الأولى من يوم 1 كانون الثاني/يناير 2024، بمشاركة عدد من الفارين من الخدمة والجنود الذين تم جلبهم من ميامي وبيرو وكولومبيا، وفقاً للاعترافات.
وقد عرض طارق صعب في العديد من الإطلالات العلنية مقاطع فيديو وشهادات وأدلة دامغة حصل عليها من خلال الاعترافات التي قدمت معلومات استثنائية عما سماه "خطة وحشية" ضد الغالبية العظمى من الشعب الفنزويلي.
وفي استمرار للمواجهة المخططات المزعزعة لأمن فنزويلا، ألقي القبض على شخصين في 25 آذار/مارس في ساحة دييغو إيبارا المركزية في كاراكاس. في ذلك اليوم، قدم مادورو ترشيحه للانتخابات الرئاسية إلى المجلس الوطني الانتخابي. وقد تم اعتقال كلا الشخصين بسبب "سلوكهما المريب على بعد 20 متراً فقط من المكان الذي كان من المقرر أن يتحدث فيه مادورو".
ووفقاً لما صرح به النائب العام، كان هذا الحدث "حساساً للغاية"، إذ وقع في لحظة حضور الرئيس لتسجيل ترشيحه، وعُثر مع الشخصين على مسدسين مع مخازن ذخيرتهما.
يذكر أن كلا الشخصين مرتبط بالحزب اليميني "فينتي فنزويلا"؛ أحدهما كمنسق، والآخر تم تحديده كناشط سياسي في المنظمة المعارضة نفسها التي تقودها الناشطة المستبعدة من خوض الانتخابات ماريا كورينا ماتشادو.
وأكد صعب أن المتهمين اعترفا في إطار التحقيقات بالتهم الموجهة إليهما.
المؤسسة العسكرية وحماية الاستقرار
ردَّت القوات المسلحة الوطنية البوليفارية على الفور على محاولات الاغتيال، وأعلنت في بيان لها موقفها بالتأكيد أنها في مواجهة أي محاولة لزعزعة الاستقرار "سترد بقوة في اندماج مدني عسكري مثالي".
وفي وثيقة قرأها وزير الدفاع فلاديمير بادرينو على شاشات التلفزيون، أكد من جديد "مكافحة أي نوع من التنظيمات الإجرامية التي تهدد أمن المواطنين"، معرباً عن أسفه لتجنيد عناصر بالقوات المسلحة، "بعضهم في الخدمة الفعلية، وآخرون في الاحتياط، والذين انخرطوا في نشاطات ارتزاقية علنية في منتهى الخسة والخيانة".
وقد أكد القائد الأعلى للقوات المسلحة: "لن نسمح تحت أي ظرف من الظروف بأن تحاول الإمبريالية وحلفاؤها التابعون لها في الخارج والداخل، في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في 28 تموز/يوليو، تخريب السلم الأهلي والتأثير سلباً في الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي الحاصل".
يذكر أنه ووفقاً لبيانات أولية صادرة عن السلطة الانتخابية أواخر الشهر الفائت، فقد زاد عدد الناخبين المسجلين بنسبة 29% عن انتخابات 2021، وهي ثالث أعلى نسبة تُسجل في الانتخابات الخمس الأخيرة.