انتخابات الرئاسة الأولى في فرنسا.. ماذا في تطورات المشهد السياسي؟
انتخابات الرئاسة الأولى في فرنسا لا تزال بعيدة المنال، ومع ذلك هناك شخصيات تتقدم على غيرها في هذا الاستحقاق. هذا ما تعكسه استطلاعات الرأي.
يحق للطامحين إلى منصب رئاسة الجمهورية في فرنسا أن يقلقوا من مارين لوبان. فزعيمة حزب التجمّع الوطني، الذي يصنَّف في خانة أقصى اليمين، تواصل تحليقها في أوساط الناخبين.
وتنجح لوبان في ذلك على رغم محاولات شيطنتها وشيطنة حزبها في أعين الفرنسيين، من جانب خصومها، وخصوصاً من المعسكر الرئاسي، وصولاً إلى الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون نفسه.
ويبدو أن كل ذلك لا يؤتي ثماره. هذا ما تقوله استطلاعات الرأي بشأن نيات التصويت للمرشح الأفضل لرئاسة الجمهورية الفرنسية لو أن الانتخابات جرت في وقت قريب.
38 في المئة من الفرنسيين يمحضون لوبان ثقتهم في مواجهة أبرز شخصيتين لا تُخفيان نياتهما، ويرنوان، كما آخرون، إلى قصر الإليزيه لخلافة ماكرون فيه. 36 في المئة لمارين لوبان في مقابل 25 في المئة لرئيس الوزراء الأسبق، إدوارد فيليب. والنسبة ترتفع نقطتين في مواجهة محتملة مع غبريال أتال، رئيس الوزراء الأسبق، والذي لم ينل سوى 20 في المئة بينما حافظت لوبان على تقدمها، ونالت 38 في المئة.
لأيام خلت، كان البعض يبشّر بنهاية لوبان بعد قرارها حجب الثقة عن حكومة ميشيل بارنييه، في تقاطع غير معهود مع خصومها في تحالف اليسار. هذه الأرقام غير المسبوقة تعزّز ثبات حزب لوبان في أوساط الناخبين الفرنسيين، وتُحرج خصومها، الذين ما عادوا يعرفون كيف يحدّون اندفاعها المتصاعد في المشهد السياسي. حتى اتهامات الفساد والوظائف الوهمية في البرلمان الأوروبي، قبل نحو عقدين، والتي تُحاكَم بشأنها مع مسؤولين في حزبها، لم تغيّر قناعات مؤيديها، بل إنهم في ارتفاع. وهذا ما تعكسه الأرقام في الدورة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية، بحيث حصل حزب التجمع الوطني على ما نسبته 33 في المئة من الأصوات، وتخطت الأرقام 11 مليون صوت.
واليوم، مع 5 في المئة إضافية، يمكن أن نتخيَّل رجحان الكفة، مع أكثر من مليون وستمئة ألف صوت إضافي، في وقت يزداد استياء الفرنسيين من انعدام الاستقرار السياسي، وتراجع القدرات الشرائية والمزايا والتقديمات الاجتماعية، في حين تلوح في الأفق نذُرُ رفعٍ جديد للضرائب كخطوة لا بد منها للحد من تدهور المالية العامة، مع تجاوز العجز ضعف ما يسمح به الاتحاد الأوروبي، وتزايد أعباء خدمة الدين العام، الذي وصل إلى مستوى قياسي جديد، بلغ 3228 مليار يورو نهاية الربع الثاني من عام 2024، وهو ما يمثل 112% من الناتج المحلي الإجمالي.
يأتي كل هذا في وقت يجهد رئيس الجمهورية لاحتواء الأزمة السياسية الراهنة، والتي تفاقمت مع إطاحة حكومة بارنييه. والتصويب عليه، من أجل دفعه إلى الاستقالة، يتزايد لإجراء انتخابات رئاسية مبكّرة. لكّن ماكرون يرفض الفكرة قطعياً، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى شلل سياسي أكبر، قد يرتد عليه وعلى معسكره لاحقاً.
ما سبق يوحي أنّ لوبان باتت تُعَدّ لكثير من مواطنيها الملاذ الحقيقي للخروج من عنق الزجاجة. لكن السيف المصلت على رقبتها قد يطيح كل ذلك، إذا أصدر القضاء الفرنسي حكمه بداية، الربيع المقبل، بعدم أهلية لوبان، في القضايا المرفوعة ضدها. وهذا قد يجعل كثيرين يتنفّسون الصعداء لكن ليس لوقت طويل. فزعيم حزبها، جوردان بارديلا، الشاب الطموح، ذو شعبية أيضاً، ويمكن أن يخلفها في سلوك الطريق إلى الرئاسة الأولى.