النيجر تلغي اتفاقاً عسكرياً مع الولايات المتحدة.. ماذا تخسر واشنطن؟
النيجر وصفت اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأميركية الموقّع بين الطرفين في العام 2012 بأنّه "مُجحف"، كيف يضرّ إلغاء الاتفاق بمصالح واشنطن في غرب أفريقيا؟
"بمفعولٍ فوريّ" ألغت النيجر، مساء أمس السبت، اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأميركية، والذي يعود إلى العام 2012.
وجاء القرار غداة قيام مسؤولين أميركيين كبار بزيارةٍ إلى نيامي، على رأسهم مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، مولي في، وقائد القيادة الأميركية في أفريقيا، مايكل لانجلي، بطريقةٍ غير دبلوماسية، إذ لم يُبلّغ النيجر بتشكيلة الوفد أو موعد وصوله أو جدول أعماله، وفق المتحدّث باسم الحكومة النيجيرية، أمادو عبد الرحمن.
وأثناء قراءة إعلان إلغاء الاتفاق، قال عبد الرحمن إنّ "حكومة النيجر، آخذةً طموحات الشعب ومصالحه في الحسبان، لذلك، تُقرّر بكلّ مسؤولية أن تلغي بمفعولٍ فوريّ الاتفاق المتعلّق بوضع الطاقم العسكري للولايات المتحدة، والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأميركية على أراضي النيجر".
وهذا الاتّفاق "مُجحف" وفق نيامي، كونه ينتهك "القواعد الدستورية والديمقراطية" لسيادة الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، وقد فرضته واشنطن بشكلٍ أحادي عبر "مذكّرة شفويّة بسيطة"، في 6 تموز/يوليو 2012.
وقال محلل الميادين للشؤون الأفريقية والدولية، محمد حسب الرسول للميادين نت إنّ إلغاء الاتفاق جاء في إطار مجموعة من الأحداث السياسية التي شهدتها أكثر من دولة أفريقية رفعت شعارات تُناهض التدخّل الخارجي في سياسات دولها، ففي النيجر رفعت السلطات التي أطاحت الرئيس محمد بازوم، في تموز/يوليو 2023 شعاراتٍ ترفض التدخّل الخارجي، وتُطالب بإنهاء عقود من الاستعمار واستغلال الثروات الوطنية.
كما لفت حسب الرسول إلى أنّ "السلطات النيجرية الجديدة لديها توجّهات استقلالية، بينما الاتفاق فُرض فرضاً على النيجر من قبل الولايات المتحدة الأميركية في العام 2012"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة الجديدة، تسعى للمحافظة على الاستقلال وصون السيادة النيجرية، لذلك ألغت الاتفاق مع واشنطن، كونه لا يرتّب أيّ مصالح للنيجر".
ما هي تفاصيل الاتفاق؟
على الرغم من أنّ اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأميركية، جاء على شكل "مُذكّرة شفويّة بسيطة" إلا أنّه لدى الولايات المتحدة نحو ألف جندي، كما أنّها تملك استثمارات كبيرة، تواجه، وفق مُراقبين مُطلعين، معضلةً تتعلّق بتحالفها الأمني المستقبلي مع النيجر.
وخصصت الولايات المتحدة أكثر من 500 مليون دولار بين عامي 2012 و2021 للمساعدة العسكرية والمعدات للنيجر، وهو ما تعتبره واشنطن أحد أكبر برامج المساعدة الأمنية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.
وتقوم القوات المسلحة الأميركية، بإطلاق طائرات استطلاع وطائرات مُسلّحة من دون طيار من قاعدة أغاديز (شمال البلاد) على بعد نحو 920 كيلومتراً من العاصمة نيامي، وكذلك تستخدم واشنطن أغاديز لرحلات المراقبة المأهولة وغير المأهولة.
إضافة إلى ذلك، يُنظّم الجيش الأميركي مناوراتٍ عسكرية سنوية تسمى "فلينتلوك" مع مختلف الجيوش الأفريقية.
وقبل إطاحة الرئيس محمد بازوم، كانت النيجر شريكاً أمنياً رئيسياً لفرنسا والولايات المتحدة، التي استخدمتها كقاعدةٍ للمساعدة بدعوى محاربة التنظيمات المسلحة في أنحاء منطقة الساحل الأفريقي وخارجها.
وبعد الانقلاب، طالب المجلس العسكري الحاكم في النيجر برحيل الجنود الفرنسيين، الذين كان يُقدّر عددهم بنحو 1500 جندي، كما ألغى العديد من الاتفاقيات العسكرية المبرمة مع باريس.
وبعدها، علّقت واشنطن تعاونها مع النيجر، قبل أن تعاود الاتصال مع المجلس العسكري الحالي. وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، صنّفت واشنطن رسمياً التحرّك العسكري انقلاباً، ما أدّى إلى سنّ قوانين أميركية تُقيّد الدعم العسكري والمساعدات التي يُمكن أن تقدّمها للنيجر.
لكن في كانون الأول/ديسمبر، قالت المبعوثة الأميركية إلى أفريقيا، مولي في، إنّ "الولايات المتحدة مُستعدّة لإعادة المساعدات والعلاقات الأمنية إذا استوفت ميامي شروطاً مُعيّنة".
وباتت النيجر ومالي وبوركينا فاسو أقرب اقتصادياً وعسكرياً إلى شركاء جدد، أبرزهم روسيا، وغادر آخر الجنود الفرنسيين النيجر في 22 كانون الأول/ديسمبر 2023.
ما هي الخسائر الأميركية بعد إلغاء الاتفاق؟
وفي الواقع، توجد في النيجر واحدة من أكبر قواعد الطائرات من دون طيار وهي قاعدة "أغاديز"، التي يديرها الجيش الأميركي، وأكثرها تكلفة. وقد تمّ بناء القاعدة الجوية "201" في مدينة أغاديز الشمالية، بسعر يزيد عن 110 ملايين دولار، وتمّت صيانتها بكلفة تتراوح بين 20 و30 مليون دولار بشكلٍ سنويّ، وهي مركز مراقبة وعمود أساسي لأرخبيل من المستوطنات الأميركية غربي أفريقيا.
وتعدّ القاعدة موطناً لأفراد القوّة الفضائية، ومفرزة جوية للعمليات الخاصة المشتركة، وتحوي أسطولاً من الطائرات من دون طيار - بما في ذلك طائرات "أم كيو ريبر"، كما تُعدّ كذلك نموذجاً للجهود العسكرية الأميركية في هذا البلد، وفي المنطقة الأوسع.
ويقول المسؤولون العسكريون الأميركيون إنّ قاعدة "أغاديز"، كانت حيوية لمراقبة الجماعات المسلّحة، والتي جعلت من أفريقيا، بدلاً من الشرق الأوسط، مركزاً لها بشكلٍ مُتزايد.
وفي مقابلةٍ سابقة، حذّر قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، مايكل لانغلي من إغلاق الولايات المتحدة قاعدة الطائرات من دون طيار، فإنّ هذه الخطوة ستكون "مُؤثّرة" في النيجر والمنطقة، وعلى استراتيجية الولايات المتحدة الأوسع لمكافحة الإرهاب.
ولفت إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية إذا فقدت بصمتها في منطقة الساحل، فإنّ ذلك سيُقلّل من قُدرتها على القيام بالمراقبة والتحذير النشط، بما في ذلك الدفاع عن الولايات المتحدة".
بدوره، أشار محلل الميادين للشؤون الأفريقية والدولية، محمد حسب الرسول للميادين نت إنّ الولايات المتحدة الأميركية تخسر موقعاً استراتيجياً بخسارتها قاعدة "أغاديز" المتقدّمة للدفاع عن الأمن القومي الأميركي، فالموقع كان يؤمّن لها إطلالةً على منطقتي غرب ووسط أفريقيا.
كذلك، رأى حسب الرسول أنّ هناك إمكانية لتفشّي الظاهرة الاستقلالية في الإقليم (غرب أفريقيا)، وهذا الأمر ييسّر تمدّد الصين وروسيا ويُعزّز مكانتهما، وأيضاً، فإنّ إلغاء الاتفاق يُفقد الولايات المتحدة مصالحها الاستراتيجية مُتعددة الأبعاد.
وعلى مدار العقد الماضي، قفز عدد الأفراد العسكريين الأميركيين المنتشرين في النيجر أكثر من 900%، من 100 إلى 1001 عنصر، وشهدت النيجر، كذلك انتشاراً للبؤر الاستيطانية الأميركية، والتي لم تعد تشمل فقط قاعدة الطائرات في "أغاديز"، ولكن أيضاً قاعدة أخرى في العاصمة، في المطار التجاري الرئيسي.
وعند تدخّل الولايات المتحدة الأميركية بذريعة مُحاربة الإرهاب في النيجر في العام 2012، بدأت بضخّ أموال لمكافحة الإرهاب في البلاد، عندها وُصف الوضع الغذائي العام بأنه "مُرضٍ" ويخضع لـ "تحسّن تدريجي"، وفقاً لوكالة مراقبة الأمن الغذائي التي أنشأتها الوكالة الأميركية للشؤون الدولية.
ولكن في العام 2022، عانى ما يُقدّر بنحو 4.4 ملايين نيجري من انعدام الأمن الغذائي الشديد، وهو رقم قياسي، وزيادة بنسبة 90% مقارنة بعام 2021، كما تفاقمت الأزمات الأمنية والإرهاب وهجمات التنظيمات المسلحة في النيجر ومنطقة الساحل ككلّ، ما أظهر فشل الجهود الأميركية المعلنة للحفاظ على أمن شعوب هذه البلدان، والدفاع عنها في وجه الإرهاب، وجعل واشنطن تخسر حضورها تدريجياً.