التحليق المطوّل للمسيّرات الإسرائيلية.. ودوره في الاغتيالات
في إطار العمليات العسكرية والاستخباراتية التي تنفذها "إسرائيل"، تؤدي المسيرات (الطائرات بدون طيار) دوراً محورياً في رصد الأهداف وتنفيذ الضربات الدقيقة.
في الثامن من آب/أغسطس الحالي، نفذت "إسرائيل" عملية اغتيال دقيقة استهدفت أحد قياديي حركة حماس في منطقة صيدا باستخدام طائرة مسيّرة. هذا الهجوم جاء بعد تحليق مستمر للمسيّرة فوق المدينة وضواحيها لمدة لا تقل عن 3 ساعات متواصلة، ما يشير إلى عملية استخباراتية معقدة تضمنت جمع المعلومات والتحليل الدقيق قبل توجيه الضربة.
هذا المثال يسلط الضوء على التكتيكات التي تعتمدها "إسرائيل" في استخدام المسيّرات كجزء من عملياتها العسكرية والاستخباراتية، إذ تؤدي هذه الطائرات دوراً محورياً في رصد الأهداف وتنفيذ ضربات موجهة بدقة عالية.
يعدّ التحليق المطول لهذه المسيرات فوق المدن جزءاً أساسياً من استراتيجيتها لجمع المعلومات والتحليل الاستخباراتي قبل توجيه أي ضربة. من خلال استخدام تقنيات متقدمة في التصوير والاستشعار، تتيح هذه المسيّرات رصد الأهداف بدقة، حتى في الأماكن المدنية المكتظة. يعكس هذا النهج قدرة "إسرائيل" على تنفيذ عمليات مركزة تعتمد على بيانات استخباراتية موسعة، تستهدف شخصيات أو مواقع محددة تم التعرف إليها مسبقاً.
دور المسيّرات في عمليات الاغتيال
تعتمد "إسرائيل" بشكل كبير على المسيّرات في تنفيذ عمليات الاغتيال ضد قادة المقاومة. توفر هذه الطائرات القدرة على الرصد الدقيق والمستمر للأهداف المحتملة، ما يتيح للقوات الإسرائيلية التخطيط لعمليات الهجوم بناءً على بيانات دقيقة وحديثة. كما تتيح هذه المسيّرات إمكانية تنفيذ الهجمات بشكل مفاجئ ومن دون الحاجة إلى وجود قوات على الأرض، ما يقلل من المخاطر على جنود الاحتلال.
تقنيات الرصد والمراقبة
تعدّ المسيّرات (وخصوصاً الإسرائيلية) من أكثر الأدوات تطوراً في مجال الرصد والمراقبة، إذ يتم تجهيزها بمجموعة من التقنيات المتقدمة التي تمكّنها من أداء مهامها بفعالية عالية. ومن بين هذه التقنيات:
1. الكاميرات الحرارية: تعمل هذه الكاميرات على استشعار الأشعة تحت الحمراء التي تصدر عن الأجسام بسبب حرارتها. تُستخدم الكاميرات الحرارية بشكل أساسي للكشف عن الأهداف في الظروف التي تكون فيها الرؤية صعبة أو مستحيلة، مثل الظلام أو الضباب الكثيف. هذه التقنية تسمح للمسيرات بتعقب تحركات الأفراد والمركبات حتى في الليل أو في بيئات معقدة، إذ قد تكون الأهداف مخفية عن الأنظار العادية.
2. أجهزة الاستشعار المتعددة: تُجهز المسيّرات بمجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار، مثل الرادارات والليدار (مستشعر يستخدم الليزر للكشف عن الأجسام) وأجهزة قياس الطيف. تساهم هذه الأجهزة في جمع معلومات متنوعة حول البيئة المحيطة، بما في ذلك تضاريس الأرض، والأنشطة البشرية، وحتى الاتصالات الإلكترونية. على سبيل المثال، يمكن لأجهزة الاستشعار الرادارية اكتشاف الأجسام المتحركة على الأرض، فيما يمكن لأجهزة الاستشعار الكهروضوئية التقاط الصور والفيديوهات عالية الدقة للأهداف.
3. تقنيات التصوير الليلي: تعتمد المسيّرات على كاميرات مزودة بتقنيات التصوير الليلي التي تستفيد من أي مصدر ضوء موجود، وإن كان ضعيفاً، لتعزيز الرؤية. هذه الكاميرات تستخدم في مهمات المراقبة الليلية، إذ يتم تحسين الصورة الرقمية لتمكين التعرف إلى الأهداف وتحديد هويتها بشكل أفضل، حتى في غياب الضوء الكافي.
4. نظام الملاحة المتطور (GPS/GNSS): يتمتع النظام الملاحي للمسيّرات بدقة عالية بفضل الاعتماد على تقنيات GPS (نظام تحديد المواقع العالمي) وGNSS (نظام الملاحة بالأقمار الصناعية العالمية). هذا النظام يسمح للمسيرات بتحديد موقعها بدقة والتحرك في مسارات محددة مسبقاً أو التكيف مع التغيرات في الميدان وفقاً للأهداف الجديدة. القدرة على تحديد المواقع بدقة كبيرة تُمكّن المسيرات من تنفيذ مهامها من دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر.
5. التواصل بالزمن الحقيقي: تستخدم المسيّرات أنظمة اتصالات متقدمة تتيح لها التواصل مع مراكز القيادة والتحكم في الزمن الحقيقي. هذا التواصل المستمر يسمح بنقل الصور والبيانات التي يتم جمعها إلى المراقبين والمحللين على الفور، ما يتيح اتخاذ قرارات مستنيرة وسريعة بناءً على المعلومات المحدثة. إضافة إلى ذلك، يمكن للمسيرة تلقي أوامر جديدة أو تعديل مهمتها بناءً على التطورات الميدانية الفورية.
6. تقنيات تحليل البيانات المدمجة: تعتمد المسيرات على أنظمة ذكاء اصطناعي وتقنيات تحليل بيانات متقدمة لمعالجة المعلومات التي تجمعها بشكل فوري. تساعد هذه الأنظمة في التعرف إلى الأنماط، واكتشاف الأهداف المحتملة، وتقديم توصيات بشأن أفضل الأوقات والأماكن لتنفيذ العمليات. هذه القدرات التحليلية تجعل المسيّرات أداة فعالة في عمليات الرصد، إذ يمكنها القيام بمسح شامل للمناطق الواسعة، وفرز المعلومات لتحديد الأولويات والتهديدات بدقة متناهية.
7. استشعار إشارات الهواتف الذكية: تملك بعض المسيّرات الإسرائيلية قدرات متقدمة تمكنها من استشعار وجود إشارات الهواتف الذكية أو الأجهزة الإلكترونية المحمولة قرب الهدف المحتمل. يمكن لهذه التقنية التعرف إلى الإشارات اللاسلكية التي تصدر عن الهواتف المحمولة، مثل إشارات البلوتوث والواي فاي أو إشارات الاتصالات الخلوية.
عند اكتشاف مثل هذه الإشارات قرب هدف معين، تزداد الشكوك في طبيعة الهدف، وخصوصاً إذا كان الموقع المستهدف معروفاً بأنه موقع مدني عادي أو إذا كان الهدف المطلوب معروفاً باستخدامه هاتفاً ذكياً. هذا النوع من الاستشعار يعزز دقة التحليل الاستخباراتي ويتيح للقوات المهاجمة اتخاذ قرارات مدروسة بشكل أفضل قبل تنفيذ أي عملية.
دلالات التحليق المطول للمسيرات الإسرائيلية فوق المدن
عندما تحلق المسيّرة الإسرائيلية لساعات فوق مدينة معينة، ومن ثم ترصد هدفاً داخل سيارة مدنية، فهذا يعني عدة أمور تتعلق بالعمليات الاستخباراتية والعسكرية:
1. جمع المعلومات والتأكد من الهوية: تحليق المسيرة لساعات يعني أنها تقوم بمهمة جمع معلومات موسعة عن المنطقة. قد تشمل هذه المعلومات مراقبة الأنشطة وتحركات الأشخاص، والتأكد من هوية الهدف المرصود، وتقييم المحيط والموقف العام قبل تنفيذ أي عملية.
2. تحليل البيانات الاستخباراتية: أثناء التحليق، يتم تحليل البيانات التي تجمعها المسيّرة بشكل فوري تقريباً، بما في ذلك التحركات وتحديد الأهداف المحتملة. الهدف هنا هو التأكد من أن الشخص أو الجهة المستهدفة هي بالفعل الهدف الصحيح.
3. الانتظار للحصول على فرصة مناسبة: التحليق لفترة طويلة قد يشير إلى انتظار الفرصة المناسبة لتنفيذ الهجوم، سواء كان ذلك بسبب طبيعة المكان المستهدف أو لأن الهدف كان في وضع يصعب فيه استهدافه من دون إلحاق ضرر جانبي كبير.
4. توجيه الضربة بدقة: بمجرد تحديد الهدف بدقة (مثل سيارة مدنية توجد فيها شخصية معينة)، قد تقوم المسيرة بتنفيذ هجوم باستخدام صواريخ موجهة أو وسائل أخرى لضمان إصابة الهدف بشكل دقيق وتقليل الخسائر الجانبية.
5. الرسالة النفسية والسياسية: التحليق المطول فوق مدينة معينة قد يكون له أيضاً تأثير نفسي في السكان المحليين، إذ يولد شعوراً بالقلق والخوف من وجود المراقبة المستمرة واحتمال تنفيذ هجوم في أي لحظة.
بالتالي، فإن وجود المسيّرة لفترة طويلة، ومن ثم استهداف سيارة مدنية، يشير إلى عملية استخباراتية دقيقة، يتم فيها الرصد والتحليل لفترة قبل اتخاذ قرار بتنفيذ هجوم مركز، بهدف تحقيق أهداف عسكرية محددة مع محاولة تقليل الآثار الجانبية في المدنيين.