الإصلاحيون يتّحدون خلف بزشكيان في انتخابات الرئاسة.. هل ينتهزون "فرصتهم الأخيرة"؟
بُعيد الإعلان عن المرشحين المؤهلين لخوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية، برز اسم مسعود بزشكيان كالمرشّح الذي تمكّن من توحيد كل تيارات الإصلاحيين، مستعيناً بمحمد جواد ظريف فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية. هل يغيّر الإصلاحيون قواعد اللعبة؟
بُعيد الإعلان عن المرشحين المؤهلين لخوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية، برز اسم مسعود بزشكيان، المرشّح الذي تمكّن من توحيد كل تيارات الإصلاحيين، الذين حشدوا دعمهم للرجل، أملاً في حثّ الناخبين أيضاً على الإدلاء بأصواتهم لصالحه، في الـ28 من الشهر الحالي.
وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، كان أول الداعمين، مغرداً بوسم "من أجل إيران" الذي أطلقه بزشكيان في حملته الانتخابية، وأول من رافق المرشّح في إطلالاته التلفزيونية، واتّجه معه إلى أصفهان ضمن جولاته الانتخابية.
وفي دلالة أخرى على دعم الإصلاحيين له، انتشرت صورة تم تداولها على نطاق واسع في إيران، لبزشكيان، وهو يصلي بين كل من ظريف ومندوب إيران السابق لدى منظمة الأمم المتحدة، مجيد تخت روندي، بينما يتقدّمهم أمين المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي.
إسحاق جهانغيري أيضاً، الذي كان نائباً أول للرئيس السابق حسن روحاني، ورفض مجلس الدستور طلبه للترشح إلى الانتخابات، أعلن دعمه بزشكيان في الـ10 من الشهر الحالي.
لكن الدعم الأبرز الذي حظي به بزشكيان كان من زعيم الإصلاحيين والرئيس الإيراني الأسبق في إيران، محمد خاتمي، الذي أكد للمرشّح أنّ جميع إمكانات جبهة الإصلاح "ستكون تحت تصرفه في هذه المنافسة"، وهو ما لفتت إليه صحيفة "آرمان ملى" على اعتباره "نقطة تحوّل" سيكون لها أثر كبير في دعم الناس والإصلاحيين له.
وبالنظر إلى ذلك، يبدو أنّ الإصلاحيين يقفون في هذه الانتخابات، على عكس الأخيرة، موحّدين خلف رجل واحد، آملين بإعادة فترة خاتمي، التي صنعت حينها انطلاقةً جديدةً في مسار التيار الإصلاحي.
الإصلاحيون متّحدون بعد انقسام
في العام 1997، فاز الإصلاحي محمد خاتمي بمنصب رئاسة الجمهورية الإسلامية بعدما صوّت له 20 مليون إيراني، في نسبة اقتراع بلغت 90%. تبعت هذا الفوز سلسلة نجاحات إصلاحية أخرى، فربحت هذه الجبهة في انتخابات المجالس المحلية في عام 1998، فالانتخابات البرلمانية عام 1999، ثم الانتخابات الرئاسية مرةً أخرى عام 2001.
بريق النجاح الذي حققه الإصلاحيون أخذ يخبو خلال الفترة اللاحقة مع وصول محمود أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة عام 2005. لكن التأثير القاسي على الجبهة بأكملها، كان بعد وفاة هاشمي رفسنجاني عام 2017.
الاتحاد الجبهوي، حلّ محله التخبط والانقسام على نحو عمّق أزمات الإصلاحيين وخلافاتهم الداخلية، الأمر الذي انعكس تضاؤلاً في قدراتهم، وعجزاً عن تقديم قيادات جديدة للشعب الإيراني، تتيح إمكانية المضي قدماً في التوجهات السياسية والاقتصادية التي تتبنّاها جبهة الإصلاح، أو تفعيلها أو تطويرها.
التشتّت الذي عاناه الإصلاحيون سبّب إرباكاً أيضاً على المستوى الشعبي، فبدلاً من الاتفاق على مرشّح واحد في الانتخابات السابقة التي وصل فيها الرئيس الشهيد إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة، وصبّ كل الجهود في صالحه أو الإعلان عن مقاطعة الانتخابات الرئاسية بالكامل، كان أمراً عادياً أن تجد المنتمين إلى المعسكر الواحد، وبتصريحات رسمية، بآراء متعددة. منهم من قاطع، ومنهم من دعم شخصياتٍ مختلفةً، ومنهم من صوّت لصالح جبهة المحافظين.
في غضون ذلك، وبينما استمرت الانقسامات بالتعمّق في صفوف الإصلاحيين، تمكّنت الجبهة المقابلة من الصعود في إيران. وقد لا تكون القوة التي يتمتع بها الأصوليون وحدها، هي التي أتاحت لهم هذا الصعود، بقدر ما كان الأمر مرتبطاً أيضاً بالضعف الذي أصاب خصومهم الإصلاحيين، في ظلّ غياب قياداتٍ تمثّلهم جميعاً.
أما اليوم، فيبدو المشهد مغايراً في جبهة الإصلاح. فبعد أن كان ممكناً أن ترفض هذه الجبهة أي مرشح في الانتخابات الرئاسية، أو أن يتوزّع دعم المنتمين إليها على عدة مرشحين، اشترط الإصلاحيون أن يؤيد مجلس صيانة الدستور أحد مرشحيهم الثلاثة، من أجل المشاركة في الانتخابات.
وبهذا، كانت النتيجة أن تعتمد جبهة الإصلاح، لاعباً أساسياً في الانتخابات الرئاسية المحتدمة المرتقبة في إيران، عبر دعمها مرشحاً واحداً من أصل 3 تم ترشيحهم. قُبل مسعود بزشكيان، ورُفض اثنان من قبل صيانة الدستور.
من هو مسعود بزشكيان؟
مسعود بزشكيان، طبيب إيراني ينحدر من القومية الآذرية، يبلغ من العمر 70 عاماً، وهو بذلك المرشّح الأكبر بين المتنافسين على رئاسة الجمهورية الإسلامية.
درس بزشكيان في كلية الطب في جامعة تبريز، وتدرّب كجرّاح قلب في جامعتي تبريز وطهران. وفي أثناء دراسته الجامعية، شارك في الحرب التي فُرضت على إيران مدة 8 سنوات، بحيث قاد فريقاً يعالج الجرحى في المناطق التي شهدت قتالاً.
تبوّأ بزشكيان عدة مناصب في إيران، فكان عميد جامعة تبريز للعلوم الطبية (1994-2000). ثم انطلقت مسيرته السياسية مع تعيينه نائباً لوزير الصحة بين عامي 2000 و2001. وفي عام 2001، أي في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، عُيِّن وزيراً للصحة، حتى عام 2005، كما كان عضواً في المجلس الأعلى للثورة الثقافية.
وشغل بزشكيان أيضاً منصب عضو في البرلمان منذ عام 2008 حتى الآن، أي لمدة 5 ولايات، كما شغل أيضاً منصب نائب رئيس البرلمان، لولاية واحدة، في عهد علي لاريجاني.
بزشكيان يعود مرشحاً للانتخابات الرئاسية
في عام 2013، سجّل بزشكيان نفسه لخوض الانتخابات الرئاسية، بيد أنّه انسحب من السباق الذي فاز فيه حسن روحاني. أما في عام 2021، فاستبعده مجلس صيانة الدستور من الترشّح للانتخابات الرئاسية.
واليوم، بعد إعطائه شرعية الدخول إلى السباق الانتخابي من قبل الأخير، يتمتع بزشكيان بالقدرة على الحصول على عدد كبير من الأصوات و"تغيير قواعد اللعبة" بحسب مراقبين، على اعتباره الأذربيجاني الوحيد الذي يخوض السباق الرئاسي، والمرشّح الوحيد الذي يحظى بدعم الإصلاحيين، ما يعني أنّ أصوات ناخبي جبهة الإصلاح ستتركّز في صالحه.
وأظهرت استطلاعات الرأي في إيران، التي أُجريت عقب الحوار التلفزيوني الذي تناول فيه بزشكيان، ومعه ظريف، مواضيع داخلية وخارجية، قبل يومين، أنّ نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات ستشهد ارتفاعاً. وإذا استمر الوضع على هذا النحو، فيمكن أن تسجّل الانتخابات مشاركة نحو 60% من الناخبين على الأقل من أجل الاقتراع.
ويبدو أنّ ثمة ارتفاعاً في نسب تأييد المرشّح الإصلاحي، الأمر الذي يزيد حظوظه في الفوز خلال الدورة الأولى من الانتخابات، نظراً لكونه إصلاحياً وحيداً، بينما تتوزّع الأصوات الأخرى على المرشحين الأصوليين.
لكن ذلك لا يلغي الخطر الذي يمثّله التوجّه إلى دورة ثانية بالنسبة إليه، حيث ستعود المنافسة إلى الاشتداد بين الجبهتين، مع احتمال أن تتركّز الأصوات الأصولية أيضاً لمرشّح واحد، بدلاً من أن تتشتّت على نحو كبير، ما يعني زيادة حصّة الأصوليين من الأصوات.
بزشكيان و"عاصفة ظريف".. والفرصة الأخيرة للإصلاحيين
تتمحور الشعارات التي أطلقها بزشكيان في حملته الانتخابية حول السياسة الخارجية التي ينوي انتهاجها في حال انتخابه رئيساً، ومكافحة الفساد في إيران.
وإذا ما نظرنا إلى مرافقة ظريف بزشكيان في إطلالته التلفزيونية، وأداء الصلاة، والجولة الانتخابية في أصفهان، لفهمنا أنّ المرشّح الرئاسي يستعين بوزير الخارجية الأسبق، الذي وقّع الاتفاق النووي الإيراني، في المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية والدبلوماسية، بعدما اتُّهم بـ"الضعف في فهمها".
ففي اللقاء التلفزيوني المذكور، تحدّث بزشكيان دقائق معدودةً فقط، مؤكداً "التزامه بسياسات النظام، ومتمايزاً عن الأصوليين، حيث أظهر رغبةً في الانفتاح نحو الخارج" وإحياء الاتفاق النووي، بينما استحوذ ظريف على معظم الحديث.
ووُصف حديث الأخير في هذا اللقاء بأنّه "ذو لهجة أكثر حدة"، علماً بأنّه اشتهر بالتزامه بالدبلوماسية. وهاجم ظريف المرشّح سعيد جليلي، من دون تسميته، فيما يتعلق بصادرات النفط الإيراني، حيث قال إنّ الرئيس الأميركي، جو بايدن، "عمل على تخفيف صادرات النفط الإيراني، في حين يأتي شخص (أي جليلي) ليقول إنّ حكومة الرئيس الراحل رئيسي علّمت كيفية بيعه".
وهاجم ظريف أيضاً الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، وجليلي، الذي كان أمين مجلس الأمن القومي في عهده، متهماً إياهما بأنّهما "لم يجلبا سوى العقوبات للشعب الإيراني"، في حين أثنى على فترة رئاسة خاتمي الإصلاحي، مؤكداً أنّه "تصرّف بمسؤولية، وأحدث تحوّلاً إيجابياً في البلاد حينها"، ودافع بشراسة عن السياسات التي اتّبعتها حكومة روحاني.
الدقائق الست الأخيرة من اللقاء، التي تحدّث خلالها ظريف وحده، أحدثت ضجةً كبيرةً داخل إيران، على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، حيث أطلق عليها "الإعلام الإصلاحي" اسم "عاصفة ظريف" ضدّ الأصوليين و"زلزال 10 درجات بمقياس ريختر ظريف"، في إشارة إلى أنّ وزير الخارجية الأسبق استطاع خلالها أن "يؤثّر بقوة في قناعات الرأي العام بأفكار الأصوليين".
وأمام "العودة القوية" لظريف إلى مسرح السياسة في إيران، بصفته داعماً للمرشّح الإصلاحي الوحيد لرئاسة البلاد، الذي أكد بدوره أنّ حكومته "لن تكون حكومة روحاني الثالثة"، رأت وسائل إعلام إيرانية أنّ هذا الأمر يدلّ على أنّ انتخابات الأسبوع المقبل يمكن أن تمثّل، وفقاً لها، "الفرصة الأخيرة" أمام المشروع الإصلاحي.