"هآرتس": حزب الله أضر بالتفوق الجوي للجيش الإسرائيلي في أجواء لبنان
صحيفة "هآرتس" تقول إن تقليص حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في لبنان يمكن أن يقلل من جمع المعلومات الفعال للاستخبارات عن أنشطة حزب الله.
محلل الشؤون العسكرية في "صحيفة هآرتس" الإسرائيلية، عاموس هرئِل، يتحدث عن قيام حزب الله في السنوات الأخيرة بالإضرار بالتفوق الجوي لجيش الاحتلال الإسرائيلي في أجواء لبنان، ويقول إنّ عناصره يشعرون بثقة زائدة بالنفس فيما تواجه "إسرائيل" أسئلة صعبة ومعضلات.
وفيما يلي النص المنقول إلى العربية:
أجواء مفاجئة من التفاؤل تخيّم في الأيام الأخيرة على المفاوضات الثلاثية بين "إسرائيل" ولبنان والولايات المتحدة، في مسألة ترسيم الحدود البحرية.
بعد أسابيع من المخاوف، بل وحتى بعض تهديدات حرب، يبدو أنّ الأطراف أقرب حالياً إلى اتفاق. هذا ما قدرّه المستوى السياسي في مطلع الأسبوع، وكلام مشابه سُمع من محيط الوسيط الأميركي آموس هوكستين، مع وصوله إلى "إسرائيل" بعد محادثاته في لبنان. فهل أنّ أمين عام حزب الله، الذي ربح أطناناً من التغطية المجانية بفضل تهديداته الأخيرة بضرب المنصة الإسرائيلية "كاريش"، سيكتفي بهذه التفاهمات؟ هل سيسجّل لنفسه إنجازات لبنان في المفاوضات ويعلن عن استمرار صيفٍ هادئ؟
لكن حتى لو حُلّت مشكلة الحدود البحرية وبدأ تنقيب الغاز في "كاريش" الشهر المقبل، من دون عراقيل لا لزوم لها، من الصعب تجاهل الانطباع بأنه حلّ مؤخراً تغييرٌ أساسي نحو الأسوأ في الظروف على الحدود البرية، وفي الوضع في أجواء لبنان. جزء من الأمور ملحوظ في دوريات على الأرض. التطورات الأخيرة يمكن أن نفهمها من تصريحاتٍ رسمية للإعلام، وكذلك من التقرير الدوري لقوة اليونيفيل الذي قُدّم في الشهر الماضي إلى مؤسسات الأمم المتحدة في نيويورك.
القاسم المشترك – في البر والبحر والجو – يتجلى في مقاربة أكثر حربجية وهجومية من جانب حزب الله، ضمن استعدادٍ أكبر من الماضي للمخاطرة بصِدام. يبدو أّن "إسرائيل"، بردّات فعلها، تحترس من السماح لمجريات الأمور بالتصاعد. لكن أيضاً هذا التغيير يمكن أن يكون له تبعات. تقليص حرية عمل سلاح الجو في سماء لبنان يمكن أن يقلل من جمع المعلومات الفعال للاستخبارات عن أنشطة حزب الله، وتقويض الثقة الإسرائيلية بموثوقية المعلومات، التي تعمل من جانبها تحديداً كعامل كبح ضد تصعيد.
في شباط/ فبراير، قال نصر الله إنّه بفضل منظومات الدفاع الجوي التي تسلّحت بها منظمته حُدّ من الأنشطة الإسرائيلية. وقال إنّه في البقاع وفي الجنوب لم تُرَ طائرة إسرائيلية مسيّرة في الأجواء منذ أشهر، وأضاف أنّ الجيش الإسرائيلي لم يعد يستطيع فعل شيء ضد أنشطة حزب الله لصنع قذائف صاروخية دقيقة على الأراضي اللبنانية. قائد سلاح الجو السابق، اللواء عميكام نوركين، اعترف في مقابلة مع قناة "كان"، في نيسان/أبريل الماضي، أنّ حرية العمل تضررت بالفعل في لبنان. وكتب العميد احتياط آساف أوريون، الشهر الماضي، في مقالة نشرها موقع معهد واشنطن، أنّ "الظروف العملانية تغيرت لغير صالح إسرائيل، إنّها تصعّب جهود الاستخبارات وتزيد من إمكانية نزاعٍ أوسع مع حزب الله".
ويشير أوريون إلى أنّه على مدى العقد الأخير، ركّزت "إسرائيل" جزءاً من غاراتها في سوريا في إطار المعركة بين الحروب على بطاريات وصواريخ مضادة للطائرات سعت إيران لتهريبها إلى حزب الله. مع هذا، في السنوات الأخيرة نجح حزب الله في تحسين تشكيلات الدفاع الجوي التي ينشرها في لبنان بصورة مهمة.
في سنة 2019، هدد نصر الله بضرب طائرات مسيرة إسرائيلية في أجواء لبنان، بعد هجوم طائرات مسيرة في الضاحية لبيروت. في السنوات التالية قام حزب الله بعدة محاولات فاشلة لإسقاط طائرات مسيرة. بحسب ما قالت مصادر أمنية، حتى أنه كانت هناك حالة أوصى فيها الجيش الإسرائيلي بهجوم رد في لبنان، لكن رئيس الحكومة حينها، بنيامين نتنياهو، قرر في النهاية الامتناع عن ذلك.
في منصبه الأخير في الجيش الإسرائيلي رئيساً للواء الاستراتيجي في الأركان العامة، نسّق أوريون أيضاً العلاقات مع الأمم المتحدة: فحص التقارير الدورية التي يقدّمها السكرتير إلى مجلس الأمن ثلاث مراتٍ في السنة، وفيها توثيق انتهاك السيادة المتبادل والتجاوزات لقرار مجلس الأمن 1701. في العام الأخير، لاحظ "انخفاضاً دراماتيكياً" في توثيق الأنشطة الجوية الإسرائيلية في سماء لبنان. بحسب التقارير، الأنشطة انخفضت نحو 70 إلى 90% في العام الماضي، مقارنةً بالأعوام السابقة.
وبعد أن فاجأت قوة حزب الله "إسرائيل" في الحرب الأخيرة، الجيش الإسرائيلي ركّز جهداً استخبارياً هائلاً في متابعة الأنشطة العسكرية للمنظمة. لكن الصورة الاستخبارية يجب أن تكون مُحدّثة، ولأجل ذلك يجب أن يكون جهد جمع المعلومات متواصلاً ومستمراً. قدرة حزب الله على الحد من التفوق الجوي الإسرائيلي في لبنان ستفرض على الجيش الإسرائيلي البحث عن بدائل لأساليب الجمع القائمة. ولا يزال، يكتب أوريون، أن "إسرائيل" ستقف أمام معضلة: هل التسليم بضررٍ متدرج بنوعية المعلومات الاستخبارية أم مواصلة مهام التصوير ضمن مخاطرة بإصابة من تشكيلات الدفاع الجوي لحزب الله.
في سوريا، "إسرائيل" ضربت بصورة منهجية أنظمة دفاع جوي إيرانية، بينها تلك التي نصبها حرس الثورة هناك من أجل المساعدة في الدفاع عن مواقع عسكرية سورية. في لبنان، "إسرائيل" تقلل من العمل، فقرار مهاجمة البطاريات هناك يمكن أن تكون له تداعيات واسعة. ويخلص أوريون أن الطرفين يسيران على حبلٍ رفيع بين الردع والتصعيد منذ مدة طويلة، لكن لأن حزب الله يزيد أنشطته ضد ما تعتبره "إسرائيل" أداتها العسكرية والاستخبارية الرئيسية، مبلغ المقامرة يصبح أكبر.
غرور خطير
توصيف أوريون يثير سؤالاً إضافياً قلل من تناوله في مقالته: ما الذي يفيد به الواقع الجديد عن استراتيجية المعركة بين الحروب الإسرائيلية؟ في السنوات الأخيرة أصبحت المعركة بين الحروب هي محط الأنظار، على الأقل بعيون الجيش الإسرائيلي. الأمور بلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة، فيما الحاجة إلى مواصلة الهجمات في سوريا، وعدم التورط مع القوات الروسية المنتشرة هناك، قُدّمت كمبرر إسرائيلي لعدم اتخاذ موقف أخلاقي مطلوب حيال جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا منذ عمليتها في روسيا أوكرانيا.
لكن مثلما حظيت "إسرائيل" بنجاحٍ جزئي فقط في منع "مشروع الدقة" لحزب الله، يبدو أنها واجهت صعوبة أيضاً في إحباط تهريب بطاريات دفاع جوي.
هذا يثير أسئلة صعبة إضافية: هل أن كل الإنجازات التي سجّلتها "إسرائيل" في فضل المعركة بين الحروب تنبع من الهجمات أم أن بعضها يرتبط باعتبارات إيرانية أو روسية؟ هل أن الانهماك اليومي بالمعركة بين الحروب لم يأتِ على حساب الاستعدادات لحرب؟
موضوع آخر يتصل بخروقات حزب الله على الأرض. في نهاية حزيران/يونيو أفادت "هآرتس" بأنّ حزب الله أقام في غضون شهرين ما لا يقل عن 16 نقطة رصد على طول الحدود مع "إسرائيل". حزب الله يُرسي حقائق على الأرض، يتحدّى "إسرائيل" ويجمع معلومات استخبارية تكتيكية، من دون أن ينجح عناصر اليونيفيل في الوفاء بمهمتهم ومنعه من العمل إلى الجنوب من نهر الليطاني.
التقارير الدورية للأمم المتحدة تشير إلى منحى أوسع يعكس هذه المسلكية. عناصر اليونيفيل يوثّقون ارتفاعاً جلياً في انتهاكات حزب الله، إلى جانب عدوانية متزايدة تجاه دوريات الأمم المتحدة. في طلعات مروحيات، نادرة نسبياً، فوق جنوب لبنان، وثّقت الأمم المتحدة نشاطاً حثيثاً لحزب الله في حقول رماية أسلحة خفيفة. حقول الرماية كانت على امتداد القطاع، لمدة زمنية طويلة نسبياً، وفي حالة واحدة شارك فيها 25 عنصراً.
بنظر أوريون، رغم الأمل بحلٍ سريع لأزمة الغاز في البحر الأبيض المتوسط، تتبدى هنا صورة أكثر إقلاقاً من الماضي، وقال لـ "هآرتس": "عناصر حزب الله يتصرفون وكأن أحداً لا يستطيع وقفهم. إنهم يُظهرون ثقة مبالَغ بها بالنفس ولا يعتقدون أنهم سيدفعون ثمناً على ذلك. إنه غرور خطير لا أذكر مثله طوال السنوات الأخيرة".