"هآرتس": التشريع القضائي يسبّب تآكلاً غير مسبوق في "الجيش"

بسبب التعديلات القضائية .. أزمة الثقة بين المستوطنين والحكومة تتزايد، وسلاح الجو يواجه عدّة صعوبات.

  • "هآرتس": الحكومة الإسرائيلية المسؤولة الوحيدة عن التآكل الداخلي

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقالاً كتبه محلل الشؤون العسكرية عاموس هرئِل، تحدّث فيه عن التعديلات القضائية وما أحدثته من أزمة داخل كيان الاحتلال.

وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

جزء ملحوظ من تداعيات الأزمة يبقى تحت السطح، لكن في الأركان العامة تسود أجواء كآبة. تغلغل الضرر مُستشعر جيداً داخل الجهاز الدائم و"الجيش" الإلزامي، وسلاح الجو يواجه من الآن صعوبةً في توقيع عناصر فرق جوية لفترات دائمة إضافية. 

لا يزال من الصعب إيصال كامل شدة الأزمة التي يعيشها الآن "الجيش" الإسرائيلي، وخصوصاً سلاح الجو، إلى الجمهور، على خلفية التشريع القضائي والخطوات الاحتجاجية لعناصر الاحتياط ضده. جزء لا بأس به من تداعيات الأزمة يبقى تحت السطح. رسمياً، "الجيش" الإسرائيلي يقول إنّه لن ينشر بالتفصيل أعداد من يوقفون التطوع في وحداته، لأنه لا يريد تقديم معلومات استخبارية يستفيد منها العدو. لكن توجد هنا أيضاً أسباب إضافية، بدءاً من الخشية من ضرر أخطر في معنويات الوحدات، وصولاً إلى الرغبة في عدم توسيع الشرخ مع المستوى السياسي. 

في الأركان العامة تسود أجواء كآبة. محلل الشؤون العسكرية في "القناة 13"، ألون بن دافيد، شبّهها، وبحق، في مقالة في "معاريف"، بما حدث هناك في أيام "حرب لبنان الثانية". رئيس الأركان والألوية مدركون للضرر المتزايد في كفاءة الوحدات ومقار القيادة العملياتية، والتوتر داخل جهاز الاحتياط، وحتى التوترات الداخلية في الوحدات، التي تغلغل إليها الخلاف السياسي بشأن التعديل القضائي بقوة كبيرة، لكنهم يشعرون أنّ أيديهم مكبّلة. الكلام العلني من "الجيش" يدعو عناصر الاحتياط إلى عدم إلحاق ضرر بخدمتهم، لكن في غضون ذلك، لم يُتّخَذ إجراء مهم، أو أمر ضد من قرروا عدم الالتحاق. 

في المقابل، كل كلام واضح عن مسألة وقوف "الجيش" الإسرائيلي إلى جانب سلطة القانون – وهي أزمة يمكن أن تتطوّر حول جلسة المحكمة العليا بشأن "حجة المعقولية" في الشهر القادم – وحتى عن خطورة المس بالكفاءة لحرب، سيكلّف "الجيش" انقضاضاً همجياً عليه من وزراء وأعضاء "كنيست" من اليمين. تلميحات أولى لما هو متوقّع صدرت في الهجمات على مسؤولي "الجيش" الإسرائيلي و"الشاباك"، على خلفية الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية. 

في نيسان/أبريل الماضي، بعد أن اضطر إلى التراجع عن إقالة وزير الأمن، يوآف غالانت، تحت ضغط الاحتجاج، هاجم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، كلاً من رئيس الأركان والألوية، وزعم أنّ "الجيش" الإسرائيلي يحصل من الدولة على 70 مليار شيكل في السنة، ويقابل ذلك بإضراب. التوتر مع نتنياهو ومع وزرائه ملحوظ من حينها في كل اجتماع. بعض الوزراء لا يُخفون عداءهم للألوية، وفي الحقيقة لكل مسؤولي المؤسسة الأمنية والعسكرية. مزاعم "اليمين" عن انقلاب عسكري نُفِّذ هنا بحسب الظاهر ليس مجرد تنفيس ضغط. إنّه تهديد واضح حيال المعارك القادمة في الدراما. 

في المقابل كبر الإحباط أيضاً لدى عناصر الاحتياط الناشطين في الاحتجاج. من وجهة نظرهم، لقد فعّلوا "سلاح يوم القيامة" قبل أكثر من أسبوعين. ورداً على إمرار قانون إلغاء "حجة المعقولية"، أعلن آلاف عن وقف الخدمة في "الجيش" الإسرائيلي. هذا العدد يضم مئات كثيرة من ضباط وجنود في وظائف حاسمة، بينهم مئات الطيارين والملاحين، وعناصر مركزية أخرى في مقر قيادة سلاح الجو. "إسرائيل" اهتزت ليومين، ومن حينها – صمت. السياسيون ذمّوا قليلاً، والإعلام نسي، والمستوطن ينهض صباحاً، وهو على قناعة بأنّ كل شيء على ما يرام. هنا رئيس الحكومة أصاب: القانون مر ولم يحدث شيء. أمن "إسرائيل" لم يتضرر. 

في الواقع، الصورة بعيدة من ذلك. تغلغل الضرر يُستشعر جيداً في الجهاز الدائم وفي "الجيش" الإلزامي. لاحقاً، يبدو أنّه سيصل أيضاً إلى المجنّدين الجدد. سلاح الجو يواجه من الآن صعوبة في توقيع عناصر فرق جوية، بمستويات متوسطة، لفترات دائمة إضافية. "أزمة النقباء"، التي تُستشعر في كل "الجيش" منذ عدة سنوات، على خلفية عدم رغبة الشباب في الالتزام بخدمة إضافية طويلة، ينضم إليها الآن أثر التعديل القضائي. في المقابل، هناك كثير من الضباط والآمرين غير الضباط في الخدمة الدائمة يدعمون مبادرة التشريع. عندما يذهب هؤلاء إلى البيت في إجازة، بالبزة العسكرية، يسمعون انتقادات من عائلاتهم: لماذا سمحتم "لليساريين" بالسيطرة على السلاح؟ التوترات الداخلية، بين عناصر الاحتياط وعناصر الخدمة الدائمة، تتراكم. إنّها تبرز بوجه خاص بين الجهاز التقني والفرق الجوية. 

أجهزة التصنيف والفرز والتدريب في سلاح الجو وفي الوحدات الخاصة متعلقة إلى حد كبير باحتياطيين قدامى، وقد تضرّرت بشدة، بعد تمرير القانون في 17 تموز/يوليو. هناك وحدات يُعدُّ فيها حالياً ملء صفوف المدربين في الشهر القادم بحد ذاته إنجازاً. التداعيات البعيدة المدى يمكن أن تكون أصعب بكثير: على سبيل المثال، هل ستتأثر سلامة الطيران في سلاح الجو في السنوات القادمة بنوعية التأهيل الذي سيتلقّاه الطيارون والملاحون في الأشهر القريبة؟ 

الصورة الجزئية التي تُقدّم للجمهور تسبّب انفعالاً شديداً وسط عناصر الاحتياط، وحتى شكوكاً تجاه القيادة العليا. "الجيش" الإسرائيلي، بصورة "يمكن تفهّمها"، يسعى إلى تهدئة الجمهور قليلاً، ودعا عدة مراسلين إلى زيارة الأسراب والقواعد. القادة الذين أُجريت معهم مقابلات اعترفوا بمصاعب تتطور في كفاءة وتماسك الوحدات، لكنهم لم يفصّلوا. 

في إحدى المقابلات اقتُبس عن قائد سرب قوله إنّ إلغاء تطوّع لم يُسجَّل عنده. الاحتياطيون ثارت ثائرتهم غضباً: في الواقع، أربعة من عناصر السرب أعلنوا عن عدم التحاقهم بالخدمة. هذه التصريحات تفاقم أزمة الثقة في جهاز الاحتياط. في سلاح الجو، الذي يقدّس على مدى عشرات السنين "التحقيق المهني غير المنحاز وقول الحقيقة"، يمكن أن تثار أسئلة في مسألة مصداقية التقارير التي تصل إلى المستوى الأعلى. الأركان، والقيادة العليا لسلاح الجو، تعملان تحت ضغط هائل من رئيس الحكومة والوزراء. كل كلمة منهما تُفحَص في الإعلام، وأكثر منه من قبل الاحتجاج وعناصر الاحتياط. 

لا يمكن المبالغة في أهمية سلاح الجو لأمن "إسرائيل". ما يمرّ الآن على السلاح، نتيجة إصرار نتنياهو على مواصلة التشريع القضائي، على الرغم من كل إشارات التحذير، هو عملية غير مسبوقة من التآكل الداخلي. الحكومة، المسؤولة المركزية عن ذلك، تشاهد ما يجري وتتثاءب. قد يكون هذا بكاءً "لأجيال".