قدامى المحاربين الأميركيين: ألم نقاتل "القاعدة" لسبب ما؟
يرى البعض أن ما يحدث في سوريا يشكل سبباً للاحتفال، لكن ليس الجميع على استعداد لاحتضان رفاقنا الجدد الغريبين.
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب والباحث براندان ب. باك، يتحدث فيه عن السياسة الأميركية تجاه "هيئة تحرير الشام".
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
يثير سقوط نظام الأسد السريع بعد حرب أهلية طويلة، ردود أفعال متنوّعة منها لأمل في أن تتمّ عملية انتقال السلطة بما يتماشى مع تطلّعات الشعب السوري، ويمهّد الطريق لإقامة دولة مستقلّة وحكومة جامعة. بينما، ينظر آخرون إلى سقوط نظام استبدادي كحدث نادر يدعو للاحتفال به والإشادة بالذين نفّذوه. هذا ما قاله بيل كريستول الجمهوري المحافظ، الذي يتجاهل أنّ السلطة الحاكمة الجديدة في سوريا ما بعد الأسد هي "هيئة تحرير الشام"، فرع تنظيم "القاعدة" العدوّ الرئيسي في "الحرب العالمية على الإرهاب" بقيادة الولايات المتّحدة.
لكنّ هذه المفارقة لم تغِب عن معارضي السياسة الخارجية، الذين حذّر معظمهم لسنوات من أنّ الولايات المتّحدة في محاولتها إطاحة نظام الأسد، كانت تنخرط إلى جانب أعدائها الإرهابيين في شراكة لتحقيق هدف واحد. ولذلك، كانت الردود المحلّية الأميركية، متشعّبة حول إطاحة النظام في سوريا والتطوّرات اللاحقة، وهو مثال قوي على الانقسام بين النخبة والجمهور حول الرؤى المتنافسة للسياسة الخارجية للولايات المتّحدة في دورها العالمي.
كذلك، تبرّر هذه السياسات الخارجية المعتمدة غضّ النظر عن الأبعاد والتعقيدات الأخلاقية للحرب الأهلية السورية، وتقدّم سردية حول التطورات الأخيرة يغلب عليها الغموض والتجاهل. الأمر الذي يدفع بمنتقدي هذه السياسات وخصوصاً قدامى المحاربين، إلى القلق والتشكّك من التطوّرات في الحدث السوري. ومن بينهم نائب الرئيس المنتخب و"المحارب القديم في حرب العراق" السناتور جي دي فانس، الذي أشار إلى أنّ كلّ الجماعات المتمرّدة المسلحة في سوريا "هم فرع حرفي من داعش، ولا يمكن لأحد أن يأمل أن يكونوا قد اعتدلوا، والوقت سيخبرنا بذلك".
تهدّد هذه الفجوة في فهم سردية الأحداث، بتقويض المزيد من ثقة الشعب الأميركي في السياسة الخارجية الأميركية والمؤسّسات التي تنفّذها. وقد تركّزت ردود الفعل الحكومية الرسمية والنخب مثل بيل كريستول، في التلاعب بالنتيجة لإطاحة النظام في سوريا، وهو يقلّل من شأن "الزملاء الغريبين" الذين قاموا بذلك، وكيف ساهمت التناقضات الجيوسياسية في الوصول إلى هذه اللحظة. ووفقاً للمحافظين الجدد من بينهم كريستول، تقدّم هذه الأحداث بشكل غير موثّق وبلا تسلسل تاريخي والمواربة خلف مقولة مارتن لوثر كينغ عن الحقوق المدنية، على أنّ "قوس الكون الأخلاقي طويل، لكنّه ينحني نحو العدالة".
لا يذكر كريستول الفصائل الجهادية داخل التحالف المناهض للأسد، ويثني على الأوكرانيين والإسرائيليين، لأنّهم حسب سرديته ثنوا "القوس" على مدى العامين الماضيين، وجعلوا ما حدث في سوريا ممكناً. وعوضاً عن النظر إلى الواقع السياسي الجديد في سوريا على أنّه واقع محفوف بالمخاطر، يؤكّد كريستول أنّ "مصالحنا الوطنية على المحكّ في سوريا، من بينها مصالح إقليمية يمكن تعزيزها من خلال وجود حكومة سلمية غير صديقة للإرهاب، ما يفضي إلى المزيد من إضعاف إيران وحزب الله". ولا يقدّم كريستول تفسيراً للجمهور عن كيفية توافق المصالح الإقليمية مع المصالح الأميركية، وينتقد تعهّد الرئيس المنتخب دونالد ترامب بعدم التدخّل باعتباره "حماقة".
في واشنطن، يشير صانعو السياسة من الرئيس جو بايدن إلى أعضاء الكونغرس، مثل السناتور تيم كين، إلى استعدادهم للعمل مع الحكومة الجديدة في سوريا، لكنّ هذا يجب أن "يستند إلى أداء هذه المجموعة". في حين أنّ مسؤولين آخرين أقلّ تفاؤلاً ظاهريّاً من المعلّقين مثل بيل كريستول، إلّا أنّهم لا يبدون أيّ رغبة في إخراج القوّات الأميركية المتمركزة حاليّاً في شرق سوريا، بينما هناك تدافع كبير لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم شطب "هيئة تحرير الشام" من لائحة الجماعات الإرهابية.
على العكس من ذلك، يحذّر منتقدو السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، كما فعلوا باستمرار طوال الحرب الأهلية السورية، من أنّ المزيد من التورّط في الأزمة يضع الولايات المتّحدة طبيعيّاً في تحالف مع أعدائها، وهذا يشكّل خطراً كبيراً بإغراق الأميركيّين في مستنقع جديد.
لا شكّ في أنّ مراكز الفكر والساسة في واشنطن، غير مهتمّين بتكاليف سياساتهم، ولا يحرصون إلّا على طيّ الصفحة لأجل تغيير روايتهم، فهم غير أولئك الذين تحمّلوا العبء الأكبر من هذه السياسات ولديهم ذكريات طويلة منها. فالاختلاف في تأطير السرد صارخ كما يتّضح من بيان قدامى المحاربين الأميركيين المهتمّين بالتطورات في سوريا، ولا ينظرون إلى إطاحة النظام بشكل منفصل عن سياقه التاريخي، ويؤكّدون أنّ "الأميركيين يعرفون جيّداً كيف يمكن أن يؤدّي تغيير النظام إلى حروب لا نهاية لها". وقالوا إنّ تعليقات الرئيس بايدن بشأن سقوط الأسد تشير إلى أنه يخاطر "بتكرار أخطاء الماضي".
وبالمثل، نظر المحلّل السابق في وكالة المخابرات المركزية ورئيس أركان مجلس الأمن القومي فريد فلايتز إلى التطوّرات في سوريا من خلال عدسة الماضي مستشهداً بالثقل الأيديولوجي لجماعة "هيئة تحرير الشام" والجغرافيا السياسية المتشابكة في المنطقة وأنّه "من غير المسؤول للغاية أن تبدأ إدارة بايدن في التدخّل في هذه الأزمة". كذلك، لاحظ مستشار السياسة العامّة لأولويّات الدفاع دان كالدويل، أنّه من الغريب، ولكنه كاشف عن أنّ "هناك مراكز أبحاث أميركية تهتف للسلفيّين المرتبطين بتنظيم القاعدة".
يكشف هذا الأمر أنّ مؤسّسة السياسة الخارجية الأميركية لم تتعلّم شيئاً من العديد من التجارب الفاشلة لتغيير الأنظمة في الدول. ولقد انتقلت بسخافة من هدف هزيمة "الجهاد" العالمي إلى التركيز على هدف جيوسياسي جديد، كأنّ، هزيمة الإرهاب قد انتهت بمقابل السعي لهزيمة طموحات إيران الإقليمية. أو أنّ حرصهم على التحوّل إلى أولويّات جديدة بالتحالف مع الأعداء القدامى هو أحدث مثال على انفصالهم عن الجمهور ومصالحه.
مع ذلك، هذه ليست المرّة الأولى التي تتعاون فيها الولايات المتّحدة مع الجهات الفاعلة البغيضة من الأعداء السابقين لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. فخلال الحرب العالمية الثانية، قاتلت الولايات المتّحدة سويا مع الاتّحاد السوفياتي الذي حاولت إطاحته قبل ذلك بعقدين من الزمن.
وهذه المقارنة لا تصمد، لأنّ حكومة الولايات المتّحدة لم تضطر إلى الشراكة مع "الجهاديّين" في سوريا لأسباب واقعية جيوسياسية فعلية. كذلك، لم يشكّل نظام الأسد، تهديداً للولايات المتّحِدة أو مصالحها الأمنية، ولم تتسلّل المدرّعات السورية نحو الطريق إلى أوروبا الغربية، ولم تقصف أيّ حاملة طائرات سورية قاعدة بيرل هاربور الأميركية. وكلّ ما يتعلق بالسياسة الأميركية تجاه سوريا، لم يتطلب أيّ قلق أمني أميركي وجودي مثل هذه الصفقة.
وإذا كان لحكومة الولايات المتحدة أن تصيغ سياسة خارجية للمستقبل، فلا بد أن تمتنع عن تجاهل إرث السياسات الخارجية السابقة. وهذا ينطبق بشكل خاص على تاريخ أميركا الحديث في الشرق الأوسط، حيث يعارض الأميركيون، الذين لم ينسوا بعد إرث الحرب العالمية ضد الإرهاب، المزيد من التورط في مثل هذه الصراعات.
نقله إلى العربية: حسين قطايا