عودة ترامب تثير الخوف في قلب بروكسل
احتمال فوز ترامب بولاية ثانية سيزيد من خطر الضغوط للتوصل إلى اتفاق مبكر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ويعتقد الكثير من مسؤولي الشؤون التجارية في دول الاتحاد أنّ المفاوضات مع إدارة ترامب ستكون أكثر تعقيداً.
قالت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، إنّ شبح عودة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى سدة الرئاسة الأميركية لولاية ثانية، توقظ الأوروبيين على ذكريات مرعبة من فترة رئاسته السابقة. وحتى الآن يتبوأ ترامب المرتبة الأولى بين مرشحي "الحزب الجمهوري". ويتقدم ترامب بفارق كبير على منافسيه على الرغم من العدد الكبير للتهم الجنائية محاولته قلب هزيمته في انتخابات عام 2020.
وفي حال فوزه في العام المقبل، فمن المتوقع أنّ يقوم ترامب بفرض رسوم جمركية على الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة بمليارات الدولارات، وفي غضون الأسابيع الأولى لدخوله البيت الأبيض.
هذه المخاطر تفرض على الاتحاد الأوروبي أنّ يسرع من انجاز اتفاق تجاري مبكر مع الولايات المتحدة، يمكنه عرقلة توجهات ترامب، الذي يسخر من العجز في التبادل التجاري الحالي مع أوروبا، ويهدد بفرض تعريفة جمركية على الواردات بنسبة 10 بالمئة في الحد الأدنى. ومثل هذه الخطوة ستؤدي إلى إشعال حرب تجارية شاملة، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار التي يدفعها المستهلكون والشركات الأميركية للعديد من البضائع الأوروبية كي ينصرفوا عنها.
في عام 2018، فرض ترامب تعريفات جمركية على الصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي. ثم علقت إدارة الرئيس جو بايدن الرسوم، على أن يتفاوض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على حل وسط. لكن هذه التعريفات ستعود مرة أخرى إذا لم يتم التوصل إلى حل بحلول 31 تشرين أول/أكتوبر العام المقبل، ما يهدد بحرب "تعريفة" متبادلة بين الطرفين والإضرار بالسلع التجارية الأخرى.
في حين يمكن للجانبين الاتفاق على تمديد التعليق ومواصلة التفاوض. لكّن خطر فوز ترامب بولاية ثانية يزيد من الضغوط للتوصل إلى اتفاق مبكر، حتى لو كان ذلك يعني أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي تقديم تنازلات موجعة.
وفق هذا الأمر، ستكون الأشهر المقبلة مهمة للغاية بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معاً. ودعت لويزا سانتوس من منظمة "بيزنس أوروبا"، إلى الاستفادة من الوقت والبدء بايجاد حلول للقضايا العالقة. في حين يعتقد الكثير من مسؤولي الشؤون التجارية في الاتحاد الأوروبي، أنّ المفاوضات مع إدارة ترامب ستكون أكثر تعقيداً، مقارنة بالإدارة التي أمامنا اليوم.
علاوةً على النزاع حول المعادن الصلبة، تتفاوض بروكسل وواشنطن أيضاً على اتفاقية مهمة بشأن العديد من أنواع المعادن. وفي حال تمت هذه الصفقة ستسمح لشركات التعدين والكيماويات في الاتحاد الأوروبي ببيع منتجاتها إلى شركات تصنيع البطاريات الأميركية، دون التعرض لخطر خفض الإعفاءات الضريبية على السيارات الكهربائية المنصوص عليها بموجب قانون خفض التضخم الأميركي.
في رسالة حديثة إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، سخر ترامب من منتقديه، بما في ذلك هيئة تحرير الصحيفة وكتب: "حتى بعد أن ثبت خطأهم بشكل مذهل وكبير في كل توقعاتهم السابقة فيما يتعلق بسياساتي التجارية الناجحة تاريخياً، فإنّ أنصار العولمة المتعصبين لم يتعلموا الدرس بعد".
لا يزال من غير الواضح بالطبع ما إذا كان ترامب سيفوز. ولكن من المرجح أن يغير أي رئيس جمهوري في المستقبل السياسة الأميركية في التعامل مع الاتحاد الأوروبي، ما من شأنه أن يثير المخاوف من التحول الكامل في كل شيء، بدءاً من الدعم العسكري لأوكرانيا،وصولاً إلى تصعيد المواجهة الجيوسياسية المستمرة مع الصين.
التغييرات المحتملة ليست محصورة بالولايات المتحدة لوحدها، فالاتحاد الأوروبي لديه انتخابات برلمانية في حزيران/يونيو العام المقبل، ويترتب على نتائجها تسلم أشخاص جدد في السلطات التنفيذية. ولهذا السبب يأمل المسؤولون الأوروبيون وقادة الصناعة في دفع المحادثات بشأن الصلب والمواد الخام إلى الامام. مع علم بروكسل أنّ مرور الوقت يمكن أن يمنح واشنطن أفضلية في المفاوضات، وهي الساعية إلى استبدال التعريفات الحالية برسوم جديدة من شأنها أن تتزايد على أساس محتوى الكربون من الصلب والألمنيوم المستورد، على الرغم من أنّ منظمة التجارة العالمية وصفت الأمر بأنه غير قانوني.
في الوقت نفسه، قال رئيس رابطة الصلب الأوروبية أكسل إيغيرت، إنّ الاتحاد الأوروبي سيطلق النار على نفسه إذا لم ينجز صفقة الاتفاق، معتبراً أنها تمثل فرصة هائلة لمعالجة تغير المناخ وخلق فرص متكافئة لصناعة الصلب في الوقت نفسه، وأقرّ بأن الخلافات بين بروكسل وواشنطن لا تزال كبيرة للغاية.
من جهتها، تقترح واشنطن على بروكسل إنشاء "نادي الكربون" بينهما، لكن الاتحاد الأوروبي يتخوف منه لأنه ينتهك قواعد التجارة الدولية، ويظهر الأوروبيون بأنّهم يستخدمون حجة المناخ كغطاء لإنشاء كارتل فولاذي عبر المحيط الأطلسي خلسة.
لا يتنبأ جميع خبراء التجارة بهلاك العلاقات التجارية عبر الأطلسي في ظل رئاسة ترامب، أو رئاسة الجمهوريين. ويشير البعض إلى أنّ واشنطن، في عهد بايدن، واصلت اللعب بطريقة ترامب فيما يتعلق بالتجارة، وعرقلة دور منظمة التجارة العالمية في الفصل في النزاعات.
قد لا تختلف الأمور كثيراً بين ضفتي الأطلسي في المستقبل القريب، لكن مجرد التفكير باحتمال عودة ترامب إلى الرئاسة، سيصيب الخوف قلب بروكسل.
نقله إلى العربية حسين قطايا