"ذي انترسبت": كيف خسر جاريد كوشنر في "مونديال قطر"
كان واضحاً التأييد الواسع لاستمرار مقاطعة "إسرائيل" خلال المونديال في قطر، إذ امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بفيديوهات لمشجعين من جميع أنحاء العالم العربي يرفضون التطبيع.
كتب روبرت ماكي في موقع "ذي انترسبت" الأميركي أن إيفانكا ترامب، نجلة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التي زارت مع عائلتها قطر لمدة ثلاثة أيام لحضور بطولة كأس العالم، لعلها سمعت هي أو زوجها جاريد كوشنر بعض الهتافات والأغاني الداعمة للفلسطينيين التي يصدرها المشجعون العرب في أماكن متعددة خلال المباريات.
وأشار الكاتب إلى أن تدفق الدعم - الذي تم التعبير عنه كذلك في لافتات ضخمة "فلسطين حرة" معروضة في المدرجات، ومن قبل المشجعين الذين اقتحموا المقابلات التلفزيونية الإسرائيلية للتلويح بالأعلام الفلسطينية وتوبيخ المراسلين الإسرائيليين - أوضح مدى سوء تقدير مبعوث السلام في الشرق الأوسط كوشنر، عندما أقنع حفنة من المستبدين العرب بتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي مع "إسرائيل" لا تحترم حقوق الفلسطينيين.
في مذكراته في البيت الأبيض، "اختراق التاريخ"، يدعي كوشنر أنه أجرى "نقطة تحول حقيقية في التاريخ" عندما وقعت "خمس دول ذات أغلبية مسلمة - الإمارات العربية المتحدة والبحرين وكوسوفو والمغرب والسودان - اتفاقيات سلام مع إسرائيل".
وفقاً لكوشنر، الذي بدا أن جدول أعماله قد تم تحديده منذ البداية من قبل صديق عائلته القديم، بنيامين نتنياهو، فإن الاتفاقات التي توسط فيها مع دول لم تكن أبداً مركزية في الصراع "لديها القدرة على تحقيق نهاية كاملة للصراع العربي الإسرائيلي. الصراع القائم منذ تأسيس دولة إسرائيل"، تابع الكاتب.
وأضاف الكاتب أنه على الرغم من ادعاءات كوشنر المبالغ فيها، كان من الواضح منذ البداية أنه لم يكن هناك دعم شعبي كبير في العالم العربي لأي دولة في توقيعها اتفاق سلام مع "إسرائيل" بينما لا يزال ملايين الفلسطينيين يعيشون تحت الحكم العسكري الإسرائيلي.
فقد أظهرت بيانات المسح من عام 2020، عندما وافق المغرب على التوقيع على اتفاق سلام مع "إسرائيل"، في مقابل اعتراف إدارة ترامب بسيادة المملكة على المستعمرة الإسبانية السابقة، الصحراء الغربية، أن 88 بالمائة من المغاربة رفضوا الاعتراف الدبلوماسي بـ"إسرائيل". وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت في العام نفسه أن 89 بالمائة من التونسيين و88 بالمائة من القطريين يوافقون على أن "القضية الفلسطينية تهم كل العرب". وقال 6 في المائة فقط من السعوديين الذين شملهم الاستطلاع إنهم سيدعمون الاعتراف بـ"إسرائيل".
وأشار الكاتب إلى أن التأييد الواسع لاستمرار مقاطعة "إسرائيل" كان واضحاً عندما انطلقت بطولة كأس العالم في قطر، إذ امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بفيديوهات لمشجعين من جميع أنحاء العالم العربي يرفضون خطوة إمارة قطر المبدئية نحو تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، الخطوة المتمثلة بقرارها بالسماح للصحافيين الإسرائيليين بتغطية البطولة.
وأضاف الكاتب أن حقيقة أن حتى مشجعي فريق المغرب، إحدى الدول الخمس التي وقعت على "اتفاقات أبراهام" التي توسط فيها كوشنر، لم يكونوا مستعدين للظهور على التلفزيون الإسرائيلي، بدت وكأنها تحيّر مراسلاً إسرائيلياً. "ولكن لدينا سلام، أليس كذلك؟" صاح الصحافي الإسرائيلي، بينما خرج المشجّعون المغاربة وهتفوا بدعم فلسطين.
وأظهر أحد المقاطع الأكثر مشاهدة التي خرجت من الجولة الافتتاحية لكأس العالم مشجعاً سعودياً يخبر مراسل الإذاعة العامة الإسرائيلية باللغة الإنجليزية، "هناك فلسطين فقط، لا توجد إسرائيل".
لاحظت إليزابيث تسوركوف، الباحثة في منتدى التفكير الإقليمي، وهو مركز بحثي إسرائيلي مقره القدس المحتلة، على تويتر: "إن إدراك الصحافيين الإسرائيليين أن بلادهم مكروهة من العرب أمر مضحك ومفيد. لقد اعتقدوا في الواقع أنهم إذا طبعوا العلاقات مع الأنظمة الاستبدادية العربية فهذا يعني أن العرب سينسون القمع الإسرائيلي للفلسطينيين".
وأشارت الصحافية الفلسطينية لينا السعافين إلى أن راز شيشنيك من الموقع الإخباري الإسرائيلي "يديعوت أحرونوت" قد شارك مجموعة من المقاطع من مقابلاته الفاشلة مع المشجعين العرب وأن جميع المقابلات تقريباً باللغة الإنجليزية، على الرغم من أن تعليق شيشنيك على تويتر كان باللغة العبرية. وفي سلسلة لاحقة من تجاربه في قطر، كتبت السعفين أن شيشنيك "أظهر وهمه في التفكير في أن العرب على وجه الخصوص سيرحبون به فقط [لأن] بعض حكوماتهم قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل".
وقال الصحافي الفلسطيني داود كتاب: "يقول الصحافيون الإسرائيليون إنهم فوجئوا بمستوى العداء الذي واجهوه في قطر في مونديال قطر. أنا مندهش من دهشتهم لأن ما يفعلونه يومياً في فلسطين ينتشر في جميع أنحاء العالم لوسائل الإعلام (باستثناء إسرائيل ربما) ولكن كل عمل له رد فعل".
وأفاد مراسل وكالة رويترز في قطر أندرو ميلز، أنه في حين سمحت السلطات القطرية بإظهار الدعم للفلسطينيين، فقد اتخذت إجراءات صارمة ضد أشكال أخرى من الاحتجاج - مثل رفض السماح للجماهير بارتداء القبعات والقمصان الملونة بألوان قوس قزح أو حتى أحزمة المشاهدة في المباريات، لمنع إظهار الدعم لحقوق مجتمع الميم في بلد تُجرّم فيه العلاقات المثلية، والتعامل مع واعتقال الإيرانيين الذين يرتدون قمصاناً كتبت عليها عبارة "حرية المرأة" لدعم حقوق المرأة في إيران.
وأشار الكاتب إلى أن من أغرب جوانب تفاخر كوشنر باتفاقات أبراهام بصفتها اتفاقية سلام في الشرق الأوسط حقيقة أن دولة كوسوفو غير العربية كانت موقعة على الاتفاقية. كوسوفو، الواقعة في البلقان وليس في الشرق الأوسط، هي مقاطعة سابقة في صربيا حيث يشكل المسلمون الألبان أغلبية. لم تبرم الجمهورية اتفاق سلام مع "إسرائيل" لسبب وجيه جداً هو أنها لم تخض أبدًا حرباً مع "إسرائيل"، لكنها وافقت على فتح سفارة في القدس كجزء من صفقة اقتصادية مع صربيا بوساطة من البيت الأبيض في عهد ترامب ووقعت في حضور كوشنر. فعلى الرغم من أنه لم يكن هناك سوى إشارة موجزة إلى "إسرائيل" في الاتفاقية التي وقعها رئيس وزراء كوسوفو في واشنطن في أيلول / سبتمبر 2020، وكان التعاون الاقتصادي مع صربيا الذي كرّسه ضئيلاً، فقد وصفها ترامب في حدث حملته في ذلك الشهر بأنه "اختراق كبير" - إلى جانب الاتفاقين بين "إسرائيل" وكل من البحرين والإمارات - وأنها قد تساعده في الفوز بجائزة نوبل للسلام.
وقال ترامب لمؤيديه في ولاية كارولينا الشمالية: "نحن نوقف عمليات القتل الجماعي بين كوسوفو وصربيا. سوف يتوقفون عن القتل"، واصفاً بشكل غير دقيق اتفاقية اقتصادية بين دولتين توقفتا عن القتال قبل أكثر من 20 عاماً.
وفي حين أن كوسوفو لم تتأهل لكأس العالم، فإن التوترات بشأن الصراع المجمد بينها وبين صربيا - التي لا تزال ترفض الاعتراف باستقلالها - كانت واضحة في مباراة بين المنتخب الصربي ومنتخب سويسرا، والتي تضم لاجئين من كوسوفو. قبل المباراة، أظهرت صورة على وسائل التواصل الاجتماعي لغرفة الملابس الصربية علماً معلقاً فوق خزائن اللاعبين مع خريطة قديمة لصربيا، تظهر كوسوفو كجزء من أراضيها، وشعار "لا استسلام".
وخلال المباراة التي فازت بها سويسرا، بهدف من لاعب سويسري كوسوفي الأصل وأداء قوي للاعبين الآخرين، كان من الممكن سماع جماهير الصرب المتطرفين وهم يهتفون بالقتل والتهديدات ضد الألبان.
نقله إلى العربية: الميادين نت