"ذا هيل": أميركا قوة اقتصادية عظمى تتراجع، متى سيدرك صانعو القرار؟
يُتوقع أن يتقلص عدد سكان الصين بحلول نهاية القرن بمقدار 400 مليون شخص. أما الهند، فيتوقع أن يزيد عدد سكانها بنحو 400 مليون نسمة.
كتب سيث بنزال ولورانس كوتليكوف مقالة مشتركة في موقع "ذا هيل" الأميركي قالا فيه إن الولايات المتحدة هي قوة اقتصادية تنحسر، لكن قلة قليلة من الأميركيين، بمن فيهم السياسيون، يدركون ذلك. فالطفل الجديد والكبير في نهاية المطاف سيكون، في ظل جميع السيناريوهات باستثناء تلك المتطرفة، الصين، وبعد الصين، ستكون الهند. بحلول عام 2100، ستكون الولايات المتحدة في المركز الثالث، عند تصنيفها بحسب الناتج المحلي الإجمالي – حيث ستنتج 12 في المائة فقط من الناتج العالمي مقارنة بـ27 في المائة هي حصة الصين و16 في المائة حصة الهند.
وأوضح الكاتبان أن هذه هي رسالة الدراسة الجديدة الشاملة التي أجرياها مع مؤلفين مشاركين. الدراسة، التي أصدرها حديثاً المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، تقسّم دول العالم إلى 17 منطقة ويتم معايرتها بعناية بناء للتوقعات الديموغرافية للأمم المتحدة وكذلك البيانات المالية لصندوق النقد الدولي.
وأضافا أن العاملان الرئيسيان اللذان يحددان المستقبل الاقتصادي للمنطقة هما نمو إنتاجية العمل والتركيبة السكانية. فاستناداً إلى البيانات التاريخية، ستصل إنتاجية العمالة في الصين والهند، على التتالي، إلى 30 في المائة و13 في المائة من مستوى الولايات المتحدة بحلول عام 2050. وفي عام 2100، ستكون الصين منتجة مثل الولايات المتحدة والهند، بنسبة 30 في المائة. من جهة أخرى، يُتوقع أن يتقلص عدد سكان الصين بحلول نهاية القرن بمقدار 400 مليون شخص (أي بأكثر من عدد سكان الولايات المتحدة الحاليين). أما الهند، فهي بعكس الصين، من المقرر أن يزيد عدد سكانها بنحو 400 مليون نسمة. في عام 2100، سيتجاوز عدد سكانها الصين بنسبة 50 في المائة. وفي الوقت نفسه، سينمو عدد سكان الولايات المتحدة بنحو 30 في المائة، ليضيف إليهم نحو 120 مليون شخص (أكثر من عدد سكان الفلبين الحاليين).
وأشار الكاتبان إلى أن هذه التغييرات هائلة ومذهلة. لكنها تتضاءل أمام تلك التغييرات القادمة إلى إفريقيا والشرق الأوسط. بحلول نهاية القرن، سيكون عدد سكان منطقة أفريقيا-جنوب الصحراء 2.4 مليار شخص إضافي. هذا قريب من إضافة ضعف سكان الصين الحالية. كما من المتوقع أن يرتفع عدد سكان الشرق الأوسط بالإضافة إلى شمال إفريقيا بنحو 800 مليون - نحو 2.5 ضعف عدد سكان الولايات المتحدة اليوم.
كما سيتقلص عدد السكان الآخرين خلال عام 2100: اليابان بنسبة 40 في المائة، وأوروبا الغربية بنسبة 10 في المائة، وروسيا بنسبة 14 في المائة، وأوروبا الشرقية بنسبة 36 في المائة. ومن المثير للاهتمام، سواء ارتفع أو انخفض عدد السكان في منطقة معينة، فإن جميع المناطق ستشهد شيخوخة سكانية كبيرة. فالصين على سبيل المثال، يشكل فيها أولئك الذين تبلغ أعمارهم 70 عاماً أو أكثر 6 في المائة من السكان حالياً. بحلول عام 2100، سيشكلون 26 في المائة.
بالنسبة لأميركا اللاتينية وآسيا الوسطى وجنوب آسيا، فإن الشيخوخة المتوقعة مذهلة بالقدر نفسه. تنذر الشيخوخة بضغوط مالية هائلة، لا سيما دفع المعاشات التقاعدية لكبار السن. ستحتاج العديد من المناطق، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، إلى رفع معدلات ضرائب الرواتب بشكل كبير، وكلما كان ذلك أقرب، كلما كان ذلك أفضل، لتمويل استحقاقات المتقاعدين.
واعتبرت الدراسة أن التغيرات الديموغرافية - في حجم السكان والتوزيع العمري - مهمة بشكل كبير. لكن نمو الإنتاجية أمر أساسي. في عام 2100، سيكون عدد سكان منطقة أفريقيا-جنوب الصحراء بنسبة 30 في المائة أكثر من سكان الصين والهند مجتمعين. لكن النمو البطيء للإنتاجية في تلك المنطقة يعني أن حصتها من الناتج العالمي لن تتزحزح - من 2 إلى 4 في المائة. ماذا عن الأتمتة؟ يوجد في الغرب حالياً عدد أكبر من العمال ذوي المهارات العالية لإنتاج واستخدام التكنولوجيا المتقدمة. ولكن، كما هو موضح في دراسة مصاحبة، يجب أن تسير الأتمتة بسرعة أكبر بكثير حتى تصبح مهمة.
وقال الكاتبان إن هذه الرؤية للمستقبل قد تبدو غير قابلة للتصور. لكن عام 1945، عندما كان الاقتصاد الأميركي يشكل نصف إجمالي الاقتصاد العالمي، كانت حصة الصين من الناتج العالمي أنذاك ضئيلة. واليوم، تبلغ حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 16 في المائة فقط، على قدم المساواة تقريباً مع حصة الصين. بحلول نهاية القرن، سيكون اقتصاد الصين، كما هو مبيّن في الدراسة، أكثر من ضعف حجم اقتصاد الولايات المتحدة. أما بالنسبة لروسيا، فإن حصتها من الناتج العالمي سوف تتضاءل إلى 1 في المائة، من 3 في المائة اليوم.
وأوضح الكاتبان أن التوقعات مدفوعة بافتراضات غير مؤكدة. ومع ذلك، باستثناء الانخفاض الفوري والدائم في نمو الإنتاجية الصينية، فإن القرن الحادي والعشرين ينتمي إلى الصين. لكن، كيف سيكون رد فعل أميركا؟
يجيب الكاتبان قائلين إنه على الأرجح من خلال الوقوع في فخ ثيوسيديدس - ميل القوى المهيمنة المتضائلة (أسبرطة في يوم المؤرخ اليوناني ثيوسيديدس) لمواجهة القوى الصاعدة (أثينا) بشكل استباقي للاحتفاظ بالهيمنة. "شاهدوا، في هذا الصدد، سياساتنا الجديدة التي تحد من وصول الصين إلى الرقائق وتلزمنا بالدفاع عن تايوان".
وأضافا أن محاولة كبح جماح الصين اقتصادياً وعسكرياً ستأتي بتكلفة عالية جداً مع نجاح غير متوقع. إذ أخضعت أسبرطة أثينا، وسرها كان المساعدة الخارجية من بلاد فارس. من هنا، يمكن لتحالف من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وجنوب شرق آسيا والهند التغلب على النمر الصيني. لكن القيام بذلك يتطلب الحفاظ على تحالف وثيق لعقود - وهو الشيء الذي نجح في أثينا وأسبرطة خلال الحروب الفارسية ولكن ليس بعد ذلك.
وخلص الكاتبان إلى القول إنه باختصار، الولايات المتحدة والصين تتداولان أماكن اقتصادية. لكن العملية تضع بلدينا على طريق محتمل للحرب. وهذا من شأنه أن يلحق ضرراً رهيباً وطويل الأمد بالاقتصاديين، ويترك الآخرين، مثل الهند، يلتقطون القطع.
*سيث بنزيل أستاذ مساعد في كلية أرغيروس للأعمال والاقتصاد في جامعة شابمان الأميركية ولورانس كوتليكوف هي باحثة اقتصادية في جامعة بوسطن.