"ذا لانست": الشرطة الأميركية قتلت أكثر من 30 ألف شخص منذ عام 1980
أصبح الفقر والجوع والتشرد والموت أموراً شائعة بين الطبقة العاملة. وارتفاع عمليات القتل على أيدي الشرطة في الولايات المتحدة هو مظهر من مظاهر عدم المساواة الاجتماعية التي تسود المجتمع الأميركي.
وجدت دراسة جديدة نُشرت في مجلة "ذا لانست" الطبية، أن سلطات إنفاذ القانون الأميركية قتلت ما لا يقل عن 30800 شخص في العقود الأربعة الأخيرة.
ووجدت الدراسة، التي أجريت في "معهد القياسات الصحية والتقييم" في جامعة واشنطن، زيادة حادة في عمليات القتل على أيدي الشرطة خلال الفترة التي تغطي ما يقرب من 40 عاماً. ففي ثمانينيات القرن المنصرم، كان معدل الوفيات المرتبطة بعنف الشرطة يقدّر بنسبة 0.25 لكل 100.000. وبحلول عام 2010 قفز المعدل إلى 0.34 لكل 100000، أي بزيادة قدرها 38.4%.
علاوة على ذلك، اكتشف الباحثون أن أكثر من نصف عمليات القتل للشرطة الأميركية لم يتم الإبلاغ عنها وقت وقوعها. وقدرت الدراسة أن 55% من الوفيات الناجمة عن عنف الشرطة لم يتم الإبلاغ عنها أو تم تصنيفها بشكل خاطئ في قواعد البيانات الحكومية الرسمية بين عامي 1980 و 2018. وتمثل عمليات القتل غير المبلغ عنها أكثر من 17000 حالة، تم إبعادها عن الرأي العام على مدى فترة تغطي ما يقرب من 40عاماً.
هذه الإحصائية المقلقة، خففت على الأرجح من الأثر الحقيقي لوحشية الشرطة في الولايات المتحدة، ولا شك في أن الدراسة تقدم صورة أوضح لقضية عنف الشرطة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنه لا يأخذ في الحسبان بشكل كامل الخسائر الاجتماعية الحقيقية. وما نقص من الدراسة هو عدد لا يحصى من الضحايا الذين تمت معاملتهم بوحشية من قبل الشرطة، ولكنهم نجوا من الموت، لكن الندوب الجسدية والمعنوية التي تحملها الضحايا لا حدّ لها، لهم ولعائلاتهم وللمجتمع عموماً، ولفهم مدى نقص الإبلاغ عن جرائم الشرطة.
وجاء في الدراسة، أيضاً، أن العبء العالمي للأمراض والإصابات وعوامل الخطر وجدت أن عمليات القتل على أيدي الشرطة تسبّبت في 293000 حالة وفاة عالمية من 1980 إلى 2019. وفي في عام 2019، شكلت الولايات المتحدة 13.2% من 8770 حالة وفاة عالمية على أيدي الشرطة، بينما الشعب الأميركي يمثّل 4% من سكان العالم.
ولايات أوكلاهوما ووايومنغ وألاباما ولويزيانا ونبراسكا تحتل المراتب الخمس الأولى
الولايات التي سجلت أعلى معدلات عدم الإبلاغ عن جرائم ترتكبها الشرطة، كانت الولايات التي سجلت أعلى معدل وفيات بوحشية الشرطة، وهي أوكلاهوما وواشنطن العاصمة وأريزونا وألاسكا ونيفادا، إضافة إلى أن عدد الرجال الذين قتلوا على أيدي الشرطة أعلى بكثير من النساء، حيث تم تسجيل 30600 حالة وفاة بين الرجال و1420 بين النساء، بين عامي 1980 و2019، أي بفارق يزيد على 2000%.
واقترحت الدراسة "عدة عوامل" وراء عدم الإبلاغ، بما في ذلك الأخطاء الكتابية، حيث قد يفشل الطبيب الشرعي أو الفاحص الطبي في الإشارة إلى تورط الشرطة في قسم سبب الوفاة في شهادة الوفاة. ومع ذلك، الحقيقة المروعة هي أن التستر على جرائم القتل على أيدي الشرطة هو سياسة واعية للطبقة الحاكمة الأميركية والدولة البوليسية.
لاحظت الدراسة حقيقة أن الأطباء الشرعيين، غالباً ما يكونون جزءاً من أقسام الشرطة، وقد يضغط عليهم "التضارب الكبير في المصالح"، ما يثنيهم عن الإشارة إلى تورط رجال الشرطة في الجرائم، ما يفضي الى الحقيقة المروّعة، وهي أن التستر على جرائم القتل على أيدي الشرطة هو سياسة واعية للطبقة الحاكمة الأميركية والدولة البوليسية.
وفي مسح أجري عام 2011 لأعضاء "الرابطة الوطنية للأطباء الشرعيين"، ظهر أن 22% من المستجيبين أفادوا بأنهم تعرّضوا لضغوط من قبل مسؤول منتخب أو معين لتغيير سبب أو طريقة الوفاة في الشهادة.
تبرر وسائل الإعلام الوطنية والحزب الديمقراطي عنف الشرطة بأنه قضية عنصرية بحتة.
وبعد الحكم على ضابط مينيابوليس، ديريك شوفين، ادّعى الرئيس جو بايدن أن مقتل جورج فلويد "أزاح الستارة للعالم بأسره ليرى العنصرية المنهجية متأصلة في المجتمع الأميركي".
لقد روّج الحزب الديمقراطي وأتباعه السياسيون باستمرار لأساطير "العرق لا الطبقية" المتعلقة بعمليات القتل على أيدي الشرطة. بغض النظر عن لون بشرة الضحية، فإن وباء عنف الشرطة في أميركا يدمر العائلات ويؤثر على مجتمعات بأكملها. ومع ذلك، فهذه ليست الطريقة التي يتم بها تقديم وحشية الشرطة في وسائل الإعلام الوطنية. ومن الصحيح أن العنصرية تلعب دوراً في العديد من جرائم الشرطة الأميركية، لكن حصة عمليات قتل الشرطة التي تطال أبناء الأقليات لا تتناسب مع حصتها من عدد السكان بالاجمال.
وفي تفسير آخر، وجد تحليل أجراه موقع "الاشتراكية العالمي" عام 2018، أن الجرائم التي تطال الأقليات على يد الشرطة، ليست سوى جانب واحد من عهد الإرهاب من قبل الشرطة الأميركية ضد الطبقة العاملة. فعندما تؤخذ التركيبة السكانية الاقتصادية والاجتماعية للمدن والمحافظات التي يقتل فيها أفراد الشرطة في الاعتبار، فإن التباينات العرقية الصارخة التي تركز عليها وسائل الإعلام والحزب الديموقراطي تختفي إلى حد كبير.
يتركز عنف شرطة الولايات المتحدة بشكل كبير على الرجال الفقراء، في المناطق الريفية خارج الجنوب، ومعظمهم من الرجال البيض من ذوي الأصول الإسبانية ب؛ وفي المدن المتوسطة والكبرى، على الرجال الملونين ومن أصل أفريقي بشكل ملحوظ، في المناطق الريفية الجنوبية، حيث السكان مختلطون عرقياً، يُقتل الرجال البيض والسود على أيدي الشرطة بمعدلات متطابقة تقريباً. ما يوحد ضحايا عنف الشرطة هؤلاء ليس عرقهم، بل وضعهم الطبقي (وكذلك، بالطبع، جنسهم).
في عام 2020، قتلت الشرطة 475 من البيض و241 من السود و169 من أصل إسباني، إضافة إلى 126 شخصاً من عرق مجهول. يؤثر عنف الشرطة على جميع قطاعات الطبقة العاملة. إن تقديم عنف الشرطة كقضية عرقية لا يؤدي إلا إلى تقسيم الطبقة العاملة والتعتيم على العمليات الاجتماعية وراء عمليات القتل على أيدي الشرطة. في الحقيقة، فإن وباء عنف الشرطة في أميركا هو انعكاس لمجتمع محدد من خلال عدم المساواة الاجتماعية الهائلة والمتنامية باستمرار.
لعقود من الزمن، وظروف العمال الأميركيين تتفاقم وتتزايد صعوبة، مع تراجع الأجور والقضاء على البرامج الاجتماعية لمصلحة الأهداف العسكرية للرأسمالية الأميركية. كذلك، أدت الأزمة المالية في 2008-2009 إلى تفاقم بؤس الطبقة العاملة مع ارتفاع حاد في عمليات القتل على أيدي الشرطة في هذا الوقت تقريباً، ما يشير إلى وجود صلة بين الأزمة الاجتماعية في أميركا وعمليات القتل على يد الشرطة.
وخلال انتشار جائحة كورونا، أجبر العمال والأطفال على العيش في بيئات غير آمنة، بينما الأثرياء ضاعفوا ثرواتهم من المضاربات المالية في "وول ستريت".
أصبح الفقر والجوع والتشرد والموت أموراً شائعة بين الطبقة العاملة. وارتفاع عمليات القتل على أيدي الشرطة في الولايات المتحدة هو مظهر من مظاهر عدم المساواة الاجتماعية التي تسود المجتمع الأميركي. ورجال الشرطة يقومون بوظيفتهم، في حماية ممتلكات الأثرياء وقمع معارضة الطبقة العاملة للنظام الرأسمالي بعنف.
يتطلب إنهاء عنف الشرطة الأميركية إلغاء النظام الرأسمالي الذي تدافع عنه من دون رحمة، وبقبضة دموية.