حرب "الناتو" ضد روسيا في عامها الثاني

الصراع في أوكرانيا يتطور إلى حرب مفتوحة لم يعلن عنها بعد، بين التكتل الغربي الرأسمالي، ضد روسيا، بحجج كاذبة تتمحور حول الدفاع عن "ديمقراطية" أوكرانية غير موجودة في الأصل.

  • من تدريبات حلف الناتو في إستونيا في مايو 2021 (أ ف ب عبر غيتي)
    من تدريبات حلف الناتو في إستونيا في أيار/مايو 2021 (أ ف ب عبر غيتي)

بعد عام على الصراع في أوكرانيا، يستمر حلف "الناتو" بلا هوادة في صب الزيت فوق النار خدمة لمصالح جيوسياسية للإمبريالية الغربية، على حساب مخاطر تهدّد السلم  بحرب عالمية ثالثة مع ما تحمله من عواقب كارثية وغير مسبوقة مطلقاً.

في كل الحروب التي تخوضها المنظومة الغربية، تدّعي الحكومات أنها تتصرّف دفاعاً عن النفس وتركّز انتباه الرأي العام على مسألة من أطلق "الطلقة الأولى". وعادة ما تتبع ذلك دعاية وحشية تهدف إلى شيطنة العدو. مع ذلك، وحين تتراكم الخسائر وتحبط التوقّعات المبدئية لكلا المتصارعين، تتكشّف الحقائق كما هو الحال في الحرب الأوكرانية.

ووفق ما نشره موقع "wsws"، يتطور الصراع  في أوكرانيا إلى حرب مفتوحة لم  يعلن عنها بعد، بين التكتل الغربي الرأسمالي، ضد روسيا، بحجج كاذبة تتمحور حول الدفاع عن "ديمقراطية" أوكرانية غير موجودة في الأصل، وتخفي طموحات قديمة متجددة تهدف إلى هزيمة روسيا وإزالة حكومتها وفرض نظام دمية في الكرملين.، يسهّل وضع الموارد الطبيعية الهائلة لروسيا تحت السيطرة المباشرة للشركات الأميركية والأوروبية، بغية إيجاد منصة جيوسياسية واسعة تمهّد الطريق نحو الحرب مع الصين.

وفي سعيهما لتحقيق هذه الأهداف، تتخطى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كل "خطوطهما الحمر" المعلنة سابقاً. في الشهرين الأولين فقط من عام 2023 ، أعلنت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية عن نشر أو التخطيط لنشر دبابات قتالية وصواريخ بعيدة المدى وطائرات مقاتلة في أوكرانيا.

في رحلته إلى كييف ووارسو هذا الأسبوع، كرّر بايدن أن هدف الحرب هو هزيمة استراتيجية لروسيا. الحكومة الأميركية ليست مهتمة بالتفاوض على وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع بشروط تتنازل فيها عن أي شيء لروسيا. لقد خلقت إدارة بايدن وضعاً لا يمكن أن يكون فيه تراجع، لأن القيام بذلك من شأنه أن يقوّض هيبتها ومصداقيتها بشكل لا يمكن إصلاحه، ويؤدي إلى تفكّك الناتو. أصبح النصر في هذه الحرب مسألة وجودية للإمبريالية الأميركية.

الأوكرانيون، في وضع مأساوي للغاية، على الرغم من كل مزاعم التقدم الذي أحرزته أوكرانيا في ساحة المعركة، فإن سكان الدولة ينزفون، بينما تتباهى وسائل الإعلام الأميركية والغربية، من دون دليل واضح ، بوقوع خسائر روسية هائلة، في مقابل صمت شبه تام للخسائر الأوكرانية المروّعة، حيث تظهر تقاريرموثوقة أن عدد الجنود الأوكرانيين الذين قتلوا يتراوح بين 150,000 و 200,000، من جيل الشباب الأوكراني  يتم التضحية بهم من قبل دعاة الحرب من المحافظين الجدد في إدارة بايدن.

وعلى الرغم من كل الجهود الدعائية لتمجيد النظام الأوكراني، فإن الممثل الكوميدي السابق زيلينسكي ليس سوى واجهة للأوليغارشيين الفاسدين الذين يسيطرون على البلاد والنازيين الجدد الراسخين داخل الجيش. ومن دون الضخ الهائل للأموال والأسلحة، لن يتمكّن النظام من البقاء لمدة أسبوع واحد.

تعكس الدعوات المستمرة لشحن أسلحة أكثر تقدماً المخاوف المتزايدة من أن الهجوم الروسي المتوقع سيؤدي إلى انهيار واسع النطاق للجيش والنظام الأوكراني. إن الحالة التي تواجهها أوكرانيا ليست حالة يمكن حلها بالدبابات والطائرات فحسب. إن نشر قوات الناتو أمر ضروري. كان الهدف من زيارة بايدن هو التغلّب على الانقسامات داخل الناتو وإعداد الرأي العام لهذه الخطوة التالية.

وكما هو الحال دائماً، فإن أفعال الإمبريالية مبرّرة بالأكاذيب والنفاق. وفي خطابه في وارسو،أعلن بايدن أن "حرية الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم على المحك" في هذا الصراع". ألقى هذا الخطاب أمام اجتماع لأعضاء أوروبا الشرقية في الناتو، والتي تهيمن عليها جميعاً الحكومات اليمينية والاستبدادية.

حقيقة أن النظام الأوكراني وقواته العسكرية مشبعة بالفاشيين الجدد أمر لا جدال فيه. تتم إعادة كتابة تاريخ أوكرانيا على أساس سرد يروّج فيه للفاشي ستيبان بانديرا كبطل قومي تاريخي، مع أنه كان حليفاً للرايخ النازي وقاد منظمة مجرمة وسيئة السمعة.

يسيطر "حزب القانون والعدالة" اليميني المتطرف على حكومة بولندا، التي دعت بايدن إلى إلقاء خطابه في وارسو التي تؤدي دور رأس جسر للعدوان الأميركي على روسيا. في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" هذا الأسبوع، أشار الرئيس البولندي السابق ليش فاليسا، إلى أن حالة الديمقراطية في بولندا متدهورة للغاية وتتطلب "ثورة في الشوارع باستخدام القوة فلقد ذهب الحزب بعيداً في تدمير الديمقراطية والحرية في بولندا".

وكانت "وول ستريت جورنال"، صحيفة الأوليغارشية المالية الأميركية، قد كشفت في افتتاحية هذا الأسبوع عن "خيارات أميركا في أوكرانيا"، وذكرت بأن "أسرع طريق للسلام هو هزيمة السيد بوتين". وخوفاً من غياب الدعم الشعبي للحرب، تنصح الصحيفة إدارة بايدن "بالتحدث بشكل مباشر أكثر إلى الأميركيين الذين يشكّكون بشكل متزايد في المخاطر في أوكرانيا".

في الواقع ليست هذه الصحيفة وحدها من يروّج للحرب ضد روسيا، فكل وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية تلتزم الدعائية المسطحة وتصف الحرب بغير المبرّرة التي أطلقها "الشرير" فلاديمير بوتين من دون سبب، فهذه الحرب بالنسة إليهم على عكس كل حروب التاريخ خالية من أي سببيّة.

في الواقع، الصراع مع روسيا هو استمرار لسلسلة لا تنتهي من الحروب والتدخلات التي شنتها الإمبريالية الأميركية منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي في عام 1991. وهي بذلك تواجه التراجع الطويل في موقعها في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك تواجه الولايات المتحدة تهديدات متزايدة بشأن وضع الدولار كعملة احتياط دولية، تترافق مع أزمات داخلية حادة، فترى في قوتها العسكرية وسيلة للحفاظ على موقعها المهيمن.

الإمبريالية الأميركية والأوروبية، لا ترى أنه يوجد حل مقبول للصراع باستثناء الهزيمة العسكرية لروسيا. لكن، بعيداً عن روسيا، تعد الإمبريالية الأميركية بالفعل للصراع مع الصين، والذي يتوقّع الجنرالات الأميركيون أن يندلع خلال السنوات الثلاث المقبلة.

الحكومات الغربية غير مبالية بتأثير سياساتها على الشعوب كافة بما فيها شعوبها. فخلال السنوات الثلاث من جائحة كوفيد-19، طبّقت الطبقة الحاكمة سياسات مجرمة أدت إلى وفاة أكثر من 22 مليون شخص، وعلى هذا المنوال كانت استجابة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على الزلزال الكارثي في تركيا وسوريا، الذي خلّف ما يصل إلى 150 ألف شخص بين قتيل وجريح، بتجاهل جماعي، باعتباره تعطيلاً للمهمة "المقدسة" في تصعيد الحرب ضد روسيا.

مع ذلك، فإن التناقضات في الحروب الإمبريالية، هي عينها تنتج أيضاً الأساس الموضوعي للثورة الاجتماعية. وهذا ما حصل في روسيا في عام 1917، بعد أن هيّأت الحرب العالمية الأولى الظروف لقيام أكبر ثورات التاريخ.

الولايات المتحدة اليوم عبارة عن برميل بارود اجتماعي. وعدم المساواة في مستويات لم نشهدها منذ السنوات التي سبقت الكساد الكبير في عام 1930. وهوس المضاربة في وول ستريت وسياسة الحرب للطبقة الحاكمة تواصل تدمير البنية التحتية وهي تتفشى في معظم الولايات وتنذر بعواقب وخيمة.

إن الفرضية الأساسية للكفاح ضد الحرب هي فهم أسبابها. وكل نقاش حول معارضة الحرب التي تتجنّب الخوض في الصراع مع الرأسمالية الغربية المتوحّشة، هو مضيعة للوقت.