"بوليتيكو": شركة أميركية تستعين بمشاهير هوليوود للترويج للسعوديين
لمساعدة السعودية في إصلاح صورتها، نصحت شركة "إيدلمان" بالاستعانة بمزيج من المشاهير والمهرجانات الموسيقية والعروض الكوميدية.
قال موقع "بوليتيكو" الأميركي في تحقيق مطول له إن السعودية استخدمت شركة علاقات عامة أميركية لتحسين صورتها. وقال الموقع إن السعودية لديها مشكلة في صورتها، وإنها لحل هذه المشكلة، اقترحت إحدى أكبر شركات العلاقات العامة الأميركية فكرة من خارج الصندوق لتحسين الصورة وهي: ماذا لو استضافت المملكة أسبوعاً كاملاً من برنامج "ذا دايلي شو" The Daily Show من مواقع مختلفة في المملكة؟ أو إذا قدمت نخبة من نجوم هوليوود إلى المملكة لحضور عرض يشبه "غولدن غلوب"، أو أقام السعوديون نوعاً من الشراكة مع مهرجان كوتشيلا الموسيقي الذي يجذب جمهور مؤثري "لوس أنجلوس" كل عام؟
لن يقدم الكوميدي تريفور نواه فقرة من عرضه من جدة، على الأقل في أي وقت قريب. لكن احتمال حدوث ذلك كان مجرد واحد من العديد من المقترحات التي أعدتها شركة العلاقات العامة العملاقة "إيدلمان" ومقرها الولايات المتحدة كجزء من محاولة أكبر لمساعدة السعوديين على تسويق المملكة كوجهة سياحية وثقافية جديدة وحديثة الرؤية.
في مقترح مكون من 109 صفحات تم تقديمه، بموجب الالتزام بالقانون، إلى وزارة العدل الأميركية في شهر حزيران / يونيو الماضي، اقترحت شركة "إيدلمان" Edelman حملة لمدة خمس سنوات أطلقت عليه اسم (البحث عن الجانب الآخر) Search Beyond.
وتنص الحملة على أن يكوّن السعوديون شراكات مع المشاهير ويبحثون عن الفرص التي يمكن أن تؤدي إلى إنتاجات يتم تصويرها في جميع أنحاء المملكة. أقامت الشركة شراكة مع قناة MTV والتعاون مع المؤسسات الكبرى. واقترحت كذلك إشراك مشاهير عالميين مثل الممثلة الهندية بريانكا تشوبرا والمنسق الموسيقي (دي جي) الفرنسي ديفيد غوتا في مجلس إدارة الحملة.
يوضح الاقتراح، الذي تم تقديمه باللغة العربية وتمت ترجمته بشكل محترف لموقع "بوليتيكو"، المدى الذي كان السعوديون على استعداد للذهاب إليه للتخلص من وضع الدولة "المنبوذة" الذي منحهم إياه الرئيس جو بايدن وآخرون في أعقاب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله في عام 2018. وقالت الاستخبارات الأميركية إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وافق على القتل. وزار بايدن السعودية يوم الجمعة الماضي والتقى خلال الزيارة ولي العهد وصافحه بالقبضة المغلقة.
وقال سيث بيندر، مدير المناصرة في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: "حاول [محمد بن سلمان] تبييض سمعته، وتبييضها من خلال جلب المشاهير لإقامة حفلات موسيقية، وغس سمعته رياضياً عن طريق شراء أندية كرة القدم، وعلى أي حال يمكنه محاولة إعادة تأهيل سمعته وصورته". وأضاف: "أعتقد أن رحلة الرئيس بايدن هي هذا النوع من إعادة التأهيل الكامل النهائي."
ورفض متحدث باسم شركة "إيدلمان" تقديم تفاصيل إضافية لـ"بوليتيكو" عن اتفاقها مع السعودية، والتي يتقاضون مقابله 2953125 ريالًا، أو نحو 787 ألف دولار، على مدار عام. وقال المتحدث: "نظراً للالتزام بالسرية مع جميع عملائنا، لا يمكننا التعليق بما يتجاوز المعلومات المتاحة للجمهور".
وطلب فهد ناظر، المتحدث باسم السفارة السعودية في الولايات المتحدة، من "بوليتيكو" إرسال استفساره إلى البريد الإلكتروني الحكومي، لكنه لم يرد على الأسئلة الموجهة هناك.
وقال الموقع إن السعوديين أنفقوا مبالغ طائلة من المال لتحسين صورتهم على المستوى الدولي. ومن بين النفقات، بطولة غولف ستستضيف أندية يملكها، من بين آخرين، الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. تم الاستهزاء بالبطولة باعتبارها "غسيل رياضي"، أو استخدام الرياضة لإصلاح السمعة، وأثارت الدهشة لإغراء اللاعبين الأميركيي فيل ميكلسون ودوستين جونسون وآخرين للمشاركة بجوائزها الكبيرة. كما اشترى صندوق الاستثمارات العامة السعودي السيادي فريق كرة القدم "نيوكاسل يونايتد" البريطاني.
وأشار "بوليتيكو" إلى أن لدى شركة "إيدلمان" تاريخ من العمل في السعودية ومعها، بما في ذلك حملة للترويج لشركة الشبكات المهنية "لينكدإن" LinkedIn باعتبارها "منصة تضخيم أصوات النساء العاملات السعوديات". في عام 2020، سجلت "إيدلمان" لدى وزارة العدل الأميركية لتمثيل الشركة السعودية للصناعات الأساسية، وهي شركة تنتج موادَّ كيميائية وموادَّ أخرى مملوكة في الأغلب للحكومة السعودية، في صفقة بلغت قيمتها حوالى 6.7 مليون دولار. كما قامت بأعمال العلاقات العامة لشركة نيوم، التي تعمل على تطوير "المدينة الذكية" السعودية الجديدة.
وأضاف الموقع أن العقد الحالي قد يكون من أكثر العقود المربحة بين شراكاتها مع المملكة في السنوات الأخيرة، وفقاً لإيداعات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA). قامت شركة "إيدلمان"، وهي وكالة تابعة لشركة Daniel J. Edelman Holdings والمعروفة باسم United Entertainment Group، بتقسيم تكاليف العقد إلى أربع فئات: البحث والتخطيط والاستراتيجية، العلاقات الإعلامية والشراكات الاستراتيجية، تطوير خطة وسائل التواصل الاجتماعي والتوعية، وإدارة العملاء وإعداد التقارير. ضمن هذه الفئات، وعدت "إيدلمان" من بين أمور أخرى، "بمراقبة المحادثات عبر الإنترنت والتغطية الإعلامية لتحديد" أصدقاء السعودية "ومنتقديها"، و"بدء برنامج بناء علاقات مع جهات الاتصال الإعلامية القائمة في الولايات المتحدة"، واستضافة "اجتماعات العملاء الشهرية".
ورأى "بوليتكو" أنه ليس من غير المألوف أن تساعد الشركات في التواصل بين المؤثرين والحكومات الأجنبية.
وقال برايان لانزا، الشريك في "ميركوري" ومدير الاتصالات السابق للفريق الانتقالي للرئيس دونالد ترامب، إن هذه الأنواع من الشراكات بين الحكومات والمشاهير أصبحت أكثر تواتراً. وأضاف: "لا يمكنك تجاهل المال. المشاهير سيجنون أموالاً من خلال الترويج لحكومة أجنبية أكثر من صنع فيلم في هذه الأيام".
وأشار بن فريمان، الباحث في "معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول" في الولايات المتحدة، إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها السعودية الثقافة الشعبية في العلاقات العامة. وأشار إلى لقاء ولي العهد محمد بن سلمان مع المقدمة التلفزيونية الشهيرة أوبرا وينفري والممثل دواين جونسون "ذا روك" في زيارة له إلى الولايات المتحدة قبل سنوات.
وقال فريمان: "إنها الخطوة التالية في حملة تبييض السمعة، وسواء كان ذلك من خلال الرياضة أو عبر التواصل مع (نجوم) هوليوود - سمها ما شئت - هذا شيء كانوا يحاولون القيام به لسنوات. أعتقد أن حملة الضغط هذه ... جزء كبير من سبب تمكن بايدن من القيام بهذه الرحلة، ولماذا كان ذلك ممكناً البتة. إنه بسبب جهات مثل إيدلمان والأشخاص الآخرين الذين يعملون لصالح السعوديين".
يؤكد العقد الذي وقعته "إيدلمان" مع الحكومة السعودية على المواقف المتغيرة للشركات الأميركية تجاه دولة الشرق الأوسط.
قامت شركة "الضغط والاتصالات" BGR بوقف العمل مع السعودية في عام 2018. ولكن في أيار / مايو الماضي، أنهت الشركة صفقة لتمثيل منظمة "رابطة العالم الإسلامي" غير الحكومية، والتي تعد المملكة "العضو الرئيسي المساهم فيها". كما وقع عدد من الشركات الأخرى عقودًا مع السعودية منذ خروج "ك ستريت" K Street في عام 2018 بعد مقتل خاشقجي. في وقت سابق من هذا الشهر، قدمت "إيدلمان" كذلك أوراقاً إلى وزارة العدل الأميركية، وهو أمر مطلوب بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، لإجراء علاقات عامة لشركة إعلانات مقرها الرياض تعمل لصالح وكالة الذكاء الاصطناعي للبيانات السعودية. وتبلغ قيمة العقد الذي تبلغ مدته ثلاثة أشهر نحو 208 ألف دولار.
عند سؤاله عن سبب تغيير الشركة لموقفها، قال جيف بيرنباوم، المتحدث باسم BGR، إن "رابطة العالم الإسلامي" منظمة غير حكومية وليست جزءاً من الحكومة السعودية، ولطالما كانت مدافعة عن التسامح الديني ومعارضة للتطرف الديني". وأضاف أن تعيين الشركة لا علاقة له بزيارة بايدن للسعودية.
توفر حملة (Search Beyond) المقترحة من "إيدلمان" نافذة توضح كيف تعتقد شركات العلاقات العامة الضخمة أن العملاء المثيرين للجدل يمكن أن يتعاونوا مع مستهلكي وسائل الإعلام الحديثة. أمام وزارة الثقافة السعودية، تروّج الشركة لنجاح الحملة التي قادتها، مشيرة إلى قدرتها على تجنيد مشاهير مثل تايلور سويفت وكايلي جينر وديفيد بيكهام للمساعدة في "تحوّل" "إمباير ستيت" أشهر مبنى في العالم إلى مادة للحوار الثقافي في جميع أنحاء العالم".
بالإضافة إلى استهداف الجمهور في الولايات المتحدة، ستستهدف الحملة أيضاً أسواقاً في الشرق الأوسط والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وأماكن أخرى. يبدو أن المؤثرين واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي - سواء كانت توتير أو اسنتاغرام أو منصات أخرى - جزء أساسي من هذا الجهد.
كجزء من الحملة، ستنشئ المملكة قاعدة فعلية للمؤثرين، تُعرف باسم House Beyond، وتُبث من الموقع، على الأرجح على شبكة مثل MTV.
وقالت "إيدلمان" في عرضها إنها تعمل بالفعل على إطلاق شراكة مع مهرجان الفن العالمي "آرت بازل" Art Basel لتضمينه في حملة Search Beyond. وأشارت إلى أنها يمكن أن تفعل الشيء نفسه مع مهرجانات عالمية على غرار كوتشيلا وبونارو والجنوب الغربي.
قال يون لي، المتحدث باسم "آرت بازل"، إن المنظمة "ليس لديها أي شكل من أشكال الشراكة القائمة أو قيد التطوير مع "إيدلمان".
وقال متحدث باسم شركة MTV Entertainment إن MTV وبرنامج "ذا دايلي شو" لم يشاركا في المشروع، لكنه رفض التعليق عندما سئل عما إذا كانت الشركة مستعدة للعمل مع السعودية.
وأضاف "بوليتيكو" أنه بالإضافة إلى تشوبرا وغيتا، اقترحت "إيدلمان" كذلك التعاون مع الدي جي ستيف أوكي Steve Aoki، والممثل جيت لي Jet Li، والممثلة الكندية مايتري راماكريشنان، ومؤثرة وسائل التواصل الاجتماعي أوليفيا كولبو، وهي ملكة جمال الكون السابقة حضرت مهرجاناً موسيقياً في السعودية. ومن بين المؤسسات الأخرى، اقترحت الشركة أن يكون السعوديون شركاء لمتحف متروبوليتان للفنون. لكن كين وين، كبير مسؤولي الاتصالات في المتحف، قال إنه لم يكن على علم باقتراح إيدلمان. ولم يرد عندما سئل عما إذا كان المتحف سيقبل الأموال السعودية.
اقترحت الخطة أن يطوّر السعوديون شراكات مع المشاهير العالميين والمؤسسات الكبرى واغتنام الفرص التي يمكن أن تؤدي إلى إنتاجات يتم تصويرها في جميع أنحاء المملكة.
وأشارت "إيدلمان" إلى أن المملكة تواجه عقبات محددة في تحسين صورتها. تقول إحدى الفقرات في الخطة: "لا يُنظر إلى المملكة حالياً على أنها غنية ومتنوعة ثقافياً". ووضعت "إيدلمان" نموذجاً للرسم البياني لمخاطر السمعة العالمية التي قد يواجهها السعوديون. من بينها: "قضايا حقوق المرأة"، "انتهاكات حقوق الإنسان"، "آراء المحافظين" و"زيادة الحرية الدينية والتعصب".
وأشار موظف سابق في "إيدلمان" إلى أن اختيار المشاهير مثل شوبرا وأوكي من المحتمل أن يكون إستراتيجياً. ولفت إلى نشاط شوبرا النِسوي، موضحاً أن المملكة كانت تحاول كسب ود جمهور نسائي وسط انتقادات طويلة الأمد لسجلها في مجال حقوق المرأة.
نقله إلى العربية بتصرف: الميادين نت