موقع "بوليتيكو": حلف الناتو هو المسؤول عن أي هجوم عسكري روسي على أوكرانيا
مقال في موقع "بوليتيكو" يحمّل حلف الناتو المسؤولية عن أي مواجهة عسكرية بين روسيا وأوكرانيا، ويُذكّر بأن الحلف لم يتدخّل عندما اجتاحت روسيا جوروجيا في العام 2008، ولا عندما ضمّت القرم من أوكرانيا تحديداً، ودعم انفصاليي إقليم دونباس.
كتب الصحفي بول تايلور مقالاً في موقع "بوليتيكو"، بعنوان "أوكرانيا: "خطيئة الناتو الأصلية"، تناول فيه التطورات الأخيرة على الحدود بين روسيا وأوكرانيا.
فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال.
للمرة الثانية هذا العام، حشدت روسيا ما يقدر بنحو 100 ألف جنديٍّ حول أوكرانيا، مما أدى إلى توجيه تحذيرات محمومة من قِبل واشنطن وبروكسل إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
في قمة حلف "الناتو" لعام 2008، التي عُقدت في بوخارست عاصمة رومانيا، وتحت ضغوطٍ مكثّفةٍ من رئيس الولايات المتحدة آنذاك جورج دبليو بوش، تجاهل قادة الناتو المصالح التاريخية لموسكو وأضرموا أوهام الحماية الغربية لأوكرانيا وجورجيا، اللتان كانتا من ضمن الاتحاد السوفياتي. وعود الحماية تلاشت خلال أشهرٍ. فالحلفاء قطعوا وعداً بأنهم لن يستطيعوا الوفاء به، ولكن لا يمكنهم التراجع للحفاظ على ماء الوجه.
ربما يكون قرار قمة بوخارست المذكور تتويجاً لـزمن "الأحادية القطبية"، عندما اعتقدت الولايات المتحدة أنها تُعيد تشكيل العالم وفقاً للمنهج الغربي، متجاهلةً تحذيرات قادة مثل الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، من أنه "لا ينبغي إذلال روسيا"، والمستشارة أنجيلا ميركل"، التي قالت "ينبغي أن تُؤخذ المصالح الأمنية المشروعة لموسكو في عين الاعتبار".
الاندفاعة الغربية تلك، رفعت من مخاوف الكرملين، وشعرت بالتطويق وفقدان العمق الاستراتيجي، الذي مكّن روسيا من الانتصار لمرتين على الغزاة الغربيين خلال القرنين المنصرمين، نابليون عام 1812 وهتلر من عام 1941 إلى عام 1945.
لا يوجد قَدْرٌ من التطمينات على أن الناتو لا يمثّل تهديداً لروسيا، أو أن أهدافه دفاعيةٌ بحت، ويمكنه أن يهدِّئ موسكو.
لذلك عندما سحقت القوات الروسية الجيش الجورجي في وقت لاحق من العام 2008، إثر محاولةٍ غيرِ حكيمةٍ للرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي استعادة منطقة أوسيتيا الجنوبية التي يسيطر عليها المتمردون بالقوة، لم تساعده أميركا ولا حلف الناتو.
وبالمثل، عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وضمّتها في عام 2014، ودعمت التمرد المسلح في إقليم دونباس الشرقي، فرض الغرب على روسيا عقوباتٍ، وعرض على كييف دعماً عسكرياً فقط.
الدرس كان واضحاً. فلا الولايات المتحدة ولا الحلفاء الأوروبيون مستعدون للمخاطرة بحربٍ مع روسيا بسبب أوكرانيا أو جورجيا. الاعتراف بهذا ليس للاسترضاء، ولكنه أمرٌ واقعيٌّ. والادعاء بخلاف ذلك خداعٌ قاسٍ.
على النهج نفسه، عندما حضر الرئيس الأميركي جو بايدن قمة "الناتو" في شهر شهر حزيران/يونيو الفائت، بدا الاتجاه نحو تجميدٍ شديدٍ لضمّ أوكرانيا إلى الحلف. وعند تعرُّضه للضغط للحصول على إجابة حول فرص كييف في الانضمام، أشار إلى الحاجة إلى تلبية المعايير، بما في ذلك محاربة الفساد.
من الواضح أن بايدن مصمم على إعادة تركيز الاهتمام الاستراتيجي للولايات المتحدة على التحدي الصيني، وعدم الانجرار مرةً أخرى إلى التزاماتٍ عسكريةٍ كبيرةٍ في أوروبا أو الشرق الأوسط. ومع ذلك، هذا لا يعني التخلي عن أوكرانيا لصالح شهية الكرملين باستعادة الهيمنة الروسية.
لا يزال بإمكان الدول الغربية، منفردةً أو بشكلٍ جماعيٍّ، مساعدة كييف على تعزيز قواتها الدفاعية لردع العدوان وبناء مرونة مجتمعها. يمكنهم إجراء التدريبات المشتركة، وتزويدها بالمعدات، وتبادل المعلومات الاستخبارية. وبالفعل، تساعد كلٌّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا، أوكرانيا على تقوية قدراتها العسكرية. وينبغي أن تساهم فرنسا وألمانيا اللتان حذرتا موسكو من العمل العسكري هذا الأسبوع في هذا الجهد.
لقد زاد الناتو من وجوده البحري ودورياته الجوية في البحر الأسود، منذ أن قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم، ولكن لا يزال يتعين على الحلفاء تجنب الأعمال الاستفزازية التي تزيد من خطر وقوع حوادث بسبب حادثٍ أو خطأ في الحسابات، مثل المدمّرة البريطانية التي أبحرت عبر المياه الإقليمية لشبه جزيرة القرم منتصف هذا العام.
يتوجّب على حلف الناتو ثني أوكرانيا عن استخدام قدراتها المكتسبة حديثاً، مثل طائرات درون التركية، لمحاولة تغيير الوضع الراهن بالقوة العسكرية.
من جانبه، يتوجّب على الاتحاد الأوروبي أن يطوّر من التحذيرات الشفوية الموجهة إلى موسكو، إلى تحديد العقوبات الاقتصادية الإضافية التي سيفرضها. وستكون الحكومة الألمانية المقبلة مطالبةً بأن تضع مستقبل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" (الذي اكتمل ولكن لم يُصرح بتشغيله بعد)، على طاولة الضغط.
بالطبع، لا شيء يبرر استخدام روسيا للقوة لتغيير الحدود الدولية. ساهمت أوكرانيا وجورجيا في مهمات الناتو في أفغانستان والعراق. مع ذلك، لم يكن واضحاً أبداً كيف يمكن للدول التي لا تملك السيطرة الكاملة على أراضيها أن تساهم في أمن منطقة شمال الأطلسي.
معارضة أوروبا الغربية الحالية لمزيدٍ من التوسّع في الاتحاد الأوروبي، حتى بالنسبة لدول غرب البلقان التي وعدت بالعضوية من العام 2003، تكشف أن الانضمام إلى عضوية الناتو حلمٌ بعيد المنال وسيظلّ كذلك.
نقله إلى العربية: حسين قطايا