القوى المهيمنة والنظام العالمي
العالم يخضع لسيطرة القوى، وبعبارة أخرى: العلاقات الدولية مبنية على ميزان القوة لا على القواعد المثالية.
تناولت صحيفة "تركيا" التركية موضوع هيمنة القوى العالمية، وكيف تجاهلت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي أنّ الهجوم الإيراني كان رداً على الهجوم الإسرائيلي، وتناسي القوى المهيمنة تاريخ "الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي"، وكأنها تفترض بأنّ كل شيء بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
يُطلق مصطلح النظام على البيئة الاجتماعية التي يتمكن فيها الناس من طرح توقعات مستقبلية غالباً ما تكون صحيحة، فالناس الذين يعيشون في بيئة يسودها النظام الاجتماعي، يعرفون ما يجب عليهم فعله كما يعرفون ردود الأفعال التي سيواجهونها من قبل الآخرين.
والأفراد في النظام الاجتماعي هم المؤثرون الحقيقيون، إذ إنَّ سلوكهم يكشف بشكلٍ أو بآخر القواعد الراسخة في مجتمعهم، والتي تتوارثها الأجيال باستمرار.
كثير من الباحثين كانوا يظنون أن مفهوم النظام الاجتماعي شبيه بالنظام الدولي، وحاولوا جاهدين إثبات صحة أطروحاتهم، وكان على رأس هؤلاء الباحثين فلاسفة السياسة والقانون، حيث اعتقدوا أن النظام الدولي مماثل للنظام الاجتماعي من حيث قيامه على مجموعة من القواعد والأسس، وأن النظام يتحقق من خلال الالتزام بتلك القواعد. وبناء على ذلك أُسست منظمات مختلفة ما فوق الوطنية وعابرة للحدود الوطنية مثل الأمم المتحدة، ولكن مع الأسف تبين أن كل توقعاتهم لم تكن إلا مجرد خيال.
وثمة أسباب مختلفة لذلك:
- فقبل كل شيء علينا أن نعي بأن الأفراد هم الفاعلون والمؤثرون في النظام الاجتماعي، ولكن الجهات الفاعلة والمؤثرة في النظام الدولي هي الدول.
- الدول تتحرك بهدف تحقيق مصالحها الوطنية غير آبهة بتطبيق القواعد.
- الدول التي انتهكت القواعد الدولية إمّا أنها لم تتعرض للعقوبات، أو أن العقوبات غالباً لم يكن لها أيّ تأثير. ولذلك، يمكن انتهاك القواعد بشكلٍ علني من قبل الدول التي تثق بنفسها معتمدةً على قوة السلاح التي تملكها.
ووفق هذه المعطيات يمكننا القول إن العالم يخضع لسيطرة القوى، وبعبارة أخرى: العلاقات الدولية مبنية على ميزان القوة لا على القواعد المثالية.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، يمكن فهم العلاقات الأخيرة بين "إسرائيل" وإيران وانعكاساتها، حيث نفذت "إسرائيل" غارة جوية على القنصلية الإيرانية في دمشق، ما أدى إلى استشهاد بعض الإيرانيين بينهم جنرالان. ثم ردت إيران بهجوم على "إسرائيل". وبعد ذلك أدانت القوى المهيمنة في العالم، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، إيران، في حين دعت "إسرائيل" المجتمع الدولي إلى عقد اجتماع طارئ في مجلس الأمن مطالبة بإدانة إيران.
وقد تجاهلت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي أنّ الهجوم الإيراني كان رداً على الهجوم الإسرائيلي. وتناست القوى المهيمنة تاريخ "الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي"، وكأنها تفترض بأنّ كل شيء بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وكان ممثل روسيا الأممي في خطابه باجتماع مجلس الأمن الدولي، قد لفت إلى أن مجلس الأمن يتعامل بازدواجية المعايير من خلال إدانة الهجوم الإيراني دون إدانة الهجوم الإسرائيلي الذي أودى بحياة إيرانيين في دمشق.
وفوق ذلك فإنّ "إسرائيل"، التي لم تلتزم بقرار مجلس الأمن الداعي إلى "وقف إطلاق النار الفوري في غزّة"، ودعت مجلس الأمن الدولي إلى عقد اجتماع طارئ.
وحين سُئل وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون على إحدى القنوات التلفزيونية عن موقف بلاده لو كان الهجوم الإسرائيلي استهدف هيئة دبلوماسية بريطانية، أجاب دون تردد: "سنرد بقوة شديدة". ومع ذلك وقفت بلاده إلى جانب "إسرائيل" المعتدية.
لا يوجد شيء اسمه نظام دولي، بل يجب أن تكون قوياً على الصعيد الدولي لتفرض نفسك عند الضرورة. وهذا الأحداث تثبت ذلك.