الاتفاق الإيراني السعودي.. انتصار "الوحدة والازدهار"
خبير روسي يؤكد انتصار مبدأ "اتحدوا وازدهروا" على سياسة " فرق تسد" من خلال انجاز الاتفاق السعودي الإيراني، والذي يقضي باستئناف العلاقات بين البلدين بعد قطيعة دامت سبع سنوات.
تحدث "مجلس الشؤون الدولية الروسي"، وهو مؤسسة فكرية أكاديمية، عن أهمية الاتفاق السعودي- الإيراني الأخير وتأثيره في الساحة الإقليمية، مؤكداً أنّه انتصار وازدهار للمنطقة.
في ما يلي النص منقولاً إلى العربية:
شكل الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه تحت رعاية صينية بين طهران والرياض، بشأن إعادة العلاقات الدبلوماسية، التي توقفت في عام 2016، بعد احتجاجات شهدتها المناطق الشرقية في المملكة العربية السعودية، حديث الساعة والعنوان الأبرز في نشرات الأخبار الإقليمية والعالمية على حد سواء.
وقبل ذلك، اكتسبت كلتا العاصمتين سمعة الخصمين اللدودين اللذين لا يمكن التوفيق بينهما، ويتنافسان على المنصة الجيوسياسية للشرق الأوسط وعلى موقع الهيمنة الإقليمية. وفي بعض الحالات، اتخذ العداء بين مركزي القوة الإقليميين طابع المواجهة العسكرية المفتوحة، كما هي الحال في اليمن.
ولم يخف على أحد أنّ واشنطن كانت تراهن في هذا التنافس على الرياض، التي عدّها محللون غربيون منذ فترة طويلة، الدولة العربية التي تشكل العمود الفقري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
إنّ صب الزيت على التناقضات بين السعودية وإيران، وقبل ذلك - في أتون الحرب الدموية بين إيران والعراق، هو مثال واضح على سياسة "فرق تسد".
لذلك، وبهذا المعنى، شكل القرار غير المتوقع للسعوديين والإيرانيين بإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما تحدياً مباشراً لواشنطن.
كما أنّ الجانب المهم في الأمر، هو أنّه تحقق نتيجة وساطة نشطة من قبل بكين، التي يصنفها البيت الأبيض على أنّها المنافس "الأول" للولايات المتحدة في الساحة الدولية.
السؤال الرئيسي الذي يطرحه المحللون السياسيون في هذا السياق هو ما هو جوهر الحدث. هل القرار المتخذ في طهران هو تحرك إيراني تجاه أميركا؟ أم أنّه مسعى سياسي للرياض لإثبات استقلالها عن واشنطن؟
يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال هي أنّ المشاركين في اتفاقية بكين كانوا يقصدون أولاً، وقبل كل شيء، تحسين العلاقات فيما بينهم، وعدم التأثير بأي شكل من الأشكال في سياستهم تجاه الولايات المتحدة.
تعدّ كل من طهران والرياض مورّدي نفط مهمين للصين. ومن المهم جداً بالنسبة لهما ضمان استقرار عمليات التسليم هذه، وبالتالي أمن الاتصالات البحرية من الخليج إلى الشرق الأقصى.
هذه العوامل أكثر أهمية بالنسبة إلى الصين، التي يعدّ مضيق هرمز بالنسبة إلى اقتصادها الشريان السباتي في الرقبة بالنسبة إلى جسم الإنسان. وكما يقول المظليون، لا توجد جروح طفيفة في الرقبة.
إنّ أدنى اضطراب في المنطقة ستكون له تأثيرات سلبية على الصين. لهذا السبب، تنفذ بكين مشروعاً طموحاً للحزام الاقتصادي لـ"طريق الحرير"، والذي يربط الفرع الأوسط منه الصين بالشرق الأوسط.
ومن الأهمية بمكان الإشارة أيضاً، إلى أنّ العداء بين طهران والرياض مصطنع إلى حدّ كبير. كلا البلدين يخسران أكثر بكثير من المواجهة بينها، وفي الوقت نفسه، لا توجد أي فوائد سياسية "خيالية" يمكن أن تحصلا عليها في حال تحقيق نصر افتراضي في هذه المواجهة. كما يجب ألا يغيب عن الأذهان أنّه، على الرغم من الحقائق الواضحة للتحولات في الموقف الإيراني من موضوع المشروع النووي، فإن مستوى عالياً من التوتر لا يزال قائماً في ما يتعلق بتهديدات "إسرائيل" بضرب مراكز البرنامج النووي الإيراني.
في هذه الحالة، يخاطر السعوديون بالوقوع في صراع ليس لديهم فيه مصالح. علاوة على ذلك، فإنّ الخطر الحقيقي المتمثل في حيازة إيران للأسلحة النووية لا يزال وهمياً تماماً. بالإضافة إلى ذلك، أبدت طهران مؤخراً مرونة ورغبة في التوصل إلى حلّ وسط من أجل استئناف التنفيذ الكامل للاتفاقية الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني. فقد وافق الإيرانيون، على وجه الخصوص، على القبول غير المقيد لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في منشآتهم النووية. وغني عن البيان أنّ أي تفاقم في الوضع حول المشروع النووي الإيراني وفي العلاقات بين طهران والرياض سيؤثر بشكل مؤلم في مصالح الصين.
أما بالنسبة إلى روسيا، فإنّ أي خفض للتوتر في الشرق الأوسط الكبير يصب في مصلحتها الجيوسياسية والاقتصادية. لطالما كانت روسيا تخترق ممر النقل بين الشمال والجنوب من أجل تأمين وصول آمن إلى المحيط الهندي ومنه إلى الأسواق الشاسعة في جنوب وجنوب شرق آسيا، حيث تتمتع المنتجات الروسية، وليس فقط المواد الخام، ولكن أيضاً تقنية الماكينات، بطلب عليها ولفترة طويلة جداً نظراً لموثوقيتها وسعرها المنخفض نسبياً.
في سياق ضغوط العقوبات المتزايدة باستمرار من جانب الدول غير الصديقة لروسيا، فإنّ القضاء على التوتر بين الدولتين المسلمتين الكبيرتين في الشرق الأوسط في هذه المنطقة، هو بالتأكيد عامل إيجابي. ولا يتعلق الأمر بمن أصبح أقرب أو أبعد من "مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة"، بل يتعلق بحقيقة أنّ اثنين من اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، يبديان رغبة واضحة في أن يسترشدا في سياساتهما بمصالحهما الوطنية. وهكذا، يكون قد تمّ اتخاذ خطوة مهمة أخرى نحو تشكيل نظام ديمقراطي متعدد المراكز والأقطاب للعلاقات الدولية.
ومن وجهة نظر العلوم السياسية، فقد أصبح لدينا الآن مثال ملائم وواضح لكيفية انتصار قاعدة "اتحدوا وازدهروا" على سياسة "فرق تسد" الكارهة للبشرية.
نقله إلى العربية: فهيم الصوراني