"إسرائيل هيوم": المعادلة في سوريا تغيّرت والسياسة القائمة قد تُشعل حريقاً
اغتيال مدحت صالح مؤخراً يطرح تساؤلات حول الاستراتيجية التي اعتمدتها "إسرائيل" في سوريا، ومآلات هذه الاستراتيجية مع استعادة الحكومة لسيادتها على معظم نواحي البلاد.
كتبت مراسلة الشؤون العسكرية في صحيفة "إسرائيل هيوم" ليلاخ شوفال مقالاً حول الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، مشيرةً إلى خطورة اتباع "إسرائيل" السياسة نفسها لا سيما بعد سيطرة الجيش السوري على معظم الأراضي. وفي ما يلي مقال شوفال منقولاً إلى العربية:
خبر تصفية مدحت صالح، ظاهرياً من قبل "إسرائيل"، يثير من جديد النقاش حول المعركة بين الحروب. الخشية من أنّ التصفية والهجومان الآخران في هذا الأسبوع، سيثيرون رداً شديداً. من الممكن أن استمرار السياسة القائمة، التي بُلورت في الفترة التي فقد فيها الأسد قدرة الحكم في سوريا وهدفت لإبعاد حرب، يمكن أن تسبب في نهاية المطاف أثراً عكسياً.
خبر اغتيال مدحت صالح، وهو عضو سابق في البرلمان السوري أقام في مجدل شمس ودخل في الماضي السجن الإسرائيلي، يثير من جديد النقاش حول المعركة بين الحروب، الجارية في السنوات الأخيرة في سوريا. إنّه الهجوم الثالث في سوريا الذي يُنسب لـ"إسرائيل" في الأسبوع الأخير، وهناك من يتساءل إلى متى نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون وجهات إسلامية إضافية في سورية، سيسمحون للجيش الإسرائيلي بالعمل بحرية نسبية، دون ردٍّ يُشعل كل المنطقة. الخشية هي من ردٍّ بواسطة قصف منحنيات نحو "إسرائيل"، يضطرها إلى رد ويمكن أن يُشعل المنطقة.
في "إسرائيل" رفضوا التعليق على اغتيال صالح، لكنه يُعتبر رجل ارتباط إيران في سوريا، ساعد في تخطيط هجمات ضد "إسرائيل". إذا كان قد صُفّي بالفعل من قبل "إسرائيل"، يمكن جداً الافتراض أنّ الاستخبارات أشارت إلى أنّه واصل العمل في ذلك مؤخراً، وفي المؤسسة الأمنية والعسكرية توصلوا إلى نتيجة بأن الأمر الأصح لفعله هو تصفيته.
لا يُعتبر صالح شخصية كبيرة، لكن تصفيته كان من المفترض أن تُلحق ضرراً شديداً بالبنية التحتية التخريبية التي حاول إقامتها.
إلى جانب تصفية صالح، التي تمت على ما يبدو من الأرض، تنضم عمليتان إضافيتان في الأسبوع المنصرم نُسبتا لـ"إسرائيل" وتمتا من الجو. في يوم الجمعة الماضي أُفيد أنّ "إسرائيل" هاجمت في منطقة مطار تي-فور السوري. يمكن الافتراض أنّ الهجوم وُجّه ضد هدف نقل وسائل قتالية من إيران إلى سوريا.
"ردّ قاسٍ جداً"
في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء الماضي، أُفيد أنّ منظومات الدفاع الجوي السورية فُعّلت في جنوب تدمر في محافظة حمص. تقارير إضافية أشارت إلى مهاجمة أهداف لميليشيات موالية لإيران في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق. وأفادت وكالة الأنباء السورية عن سقوط إصابات. موقع الهجوم غير المألوف يشير إلى أنّه وُجّه على ما يبدو ضد أهداف تمركز إيرانية في سوريا. حقيقة ذكر منطقة التنف في التقارير الواردة من سوريا يشير إلى أنّه على ما يبدو كانت هناك مشاركة أميركية أيضاً في الهجوم بطريقةٍ ما، حيث لا يزال هناك وجودٌ أميركي في المنطقة، على الأراضي السورية.
في أعقاب الهجوم غير العادي، صدر بيان غير عادي عن "غرفة القيادة الموحدة الإيرانية"، وهي منظمة من ورائها طهران وحزب الله، وورد فيه من بين جملة أمور أنّهم اتخذوا قراراً برد "قاسٍ جداً" على الهجوم. من الممكن أنّ الأمر يتعلق بتهديدٍ إضافي لن يخرج إلى حيّز التنفيذ، لكن في "إسرائيل" يتعاطون معه بجدية، ويرفعون مستوى الأهبة والاستنفار في تشكيلاتٍ مختلفة.
الهجومان من الجو المنسوبان لـ"إسرائيل" هما جزء من المعركة بين الحروب، المعركة السرية التي تديرها "إسرائيل" ظاهرياً سراً، بهدف إبعاد الحرب القادمة. من البداية، فكرة المعركة بين الحروب كانت مرتبطة بالفوضى في سوريا في العقد الماضي، خلال الحرب الأهلية، عندما شخّصوا في "إسرائيل" أنّ غياب السلطة في سوريا هو مسرح مريح لعملياتٍ إسرائيلية بهدف تقليص تهديدات، من دون أن يؤدّي تفعيل القوة إلى مواجهة واسعة النطاق. هذا الواقع وفّر للأسد على مر سنين هامشاً معيناً من الإنكار، مكّنه من عدم الرد على المس بسيادته. كلما مر الوقت كلما تحسّنت، والمؤسسة الأمنية أظهرت قدرة استخبارية وتنفيذية مثيرة للانطباع، نجحت في أن تُبطئ بصورة مهمة وتيرة التمركز الإيراني في سوريا.
الخشية: الأسد سيحاول إرساء سيادته
لكن لا شيء يدوم إلى الأبد، وكلما مر الوقت كلما تراكمت المخاطر على حرية العمل الإسرائيلية في سوريا. على سبيل المثال، الروس، الغارقون إلى رقبتهم في سوريا، ليسوا راضين دائماً عن الأنشطة الإسرائيلية، وكل مدة تخرج من موسكو تقارير مُقلقة في هذا الشأن. كذلك حقيقة أنّ حزب الله يهدد بردٍ على كل استهدافٍ لعناصره على الأرض السورية تقلّص حرية العمل الإسرائيلية، وفي السنة الماضية وجد الجيش الإسرائيلي نفسه مع أكثر من 100 استنفار بعد مقتل عنصر من منظمة نصر الله في هجومٍ نُسب لـ"إسرائيل".
الآن، التهديد الأكبر على حرية العمل الإسرائيلية في سوريا ينبع من محاولة الرئيس السوري، بشار الأسد، استعادة السيطرة في البلد. الأسد معني بإعادة إرساء سياسته في سوريا، ونتيجة ذلك – من بين عدة أمور – تزايد كل سنة إطلاق صواريخ أرض – جو نحو الطائرات الإسرائيلية. ليس مستبعداً أنّه في المدى المنظور، سواء كجزءٍ من رغبة الأسد في استعادة السيطرة في سوريا، أو انطلاقاً من رغبة الإيرانيين في الانتقام على سلسلة العمليات الإسرائيلية، ستحاول إحدى الجهات المختلفة في سوريا الرد بواسطة قصف منحنيات نحو الأراضي الإسرائيلية، أو إطلاق طائرة غير مأهولة أو هجوم إرهابي آخر.
أياً يكن، حتى لو لم يتم تنفيذ التهديد هذه المرة، من الأجدر بـ"إسرائيل" إعادة التفكير بالمسار، وتحليل استمرار سياسة المعركة بين الحروب، على ضوء التغييرات الداخلية في سوريا، وانطلاقاً من فهمٍ بأنّ استمرار السياسة القائمة، التي هدفت لإبعاد حرب، يمكن أن تسبب تحديداً في نهاية المطاف العكس، والجر إلى تصعيد.