الحنطة ستحترق مرة أخرى

الثلاثاء الماضي ظهراً، بعد ساعات على آخر صلية صواريخ، عادت العصافير تغرّد. ذاكرتها قصيرة. الحنطة سوداء بسبب الحرائق. في القدس انعقد المجلس الوزاري المصغر. رئيس الحكومة قال إننا انتصرنا، والوزراء كررّوا خلفه كصدى، لم يصدقوا ولا كلمة مما قالوه، لا في اليوم الذي سبق عندما دعوا لاحتلال غزة، ولا الآن عندما هنأوا على وقف النار. الكذب كان الثمن الذي دفعوه من أجل الإظهار للشعب انهم في صلب الأمور. لا تسألونا ما الذي تلقته حماس فعلاً في غزة. لكنّا أخبرناكم بسرور، بفخر، لكن يتعذّر علينا، لأسبابٍ أمنية.

الحنطة سوداء بسبب الحرائق

المجلس الإقليمي أشكول يضم 32 مستوطنة تحيط بقطاع غزة. في يوم الثلاثاء(الماضي) تلقّى المجلس غالبية قذائف الهاون. رئيس المجلس، غادي يركوني، هرول من اجتماعٍ إلى آخر محاولاً ان يقرّش ساعة الرضا التي حظي بها سكان الجنوب. يركوني قال: "لا أعلم لماذا توقفوا بهذه السرعة. هذا ما يقوله لي السكان اليوم. الجيش الإسرائيلي لم يستعد قدرته الردعية في هذا الحدث". قلت له أنني اعتقدت ان سكان غلاف غزة غير معنيين بتصعيد. قال: "إنهم مستعدون لتصعيدٍ آني مقابل تحقيق هدوءٍ طويل".

ليس فقط المواطنين كان من الصعب عليهم فهم ما الذي ألحّ على المستوى السياسي للموافقة على وقف النار. لقد شعروا بهذا من الضباط على الأرض أيضاً. 70 سنة وإسرائيل توافق على وقف النار، و70 سنة تواصل النار حتى الأخير، بزخمٍ مضاعف، بهدف سرقة المزيد من الأرض، وقصف المزيد من الأهداف، والتوضيح للطرف الثاني أنها هي، وليس هو، التي تقول الكلمة الأخيرة. أحياناً هذا مطلوب، وأحياناً ولادي، وأحياناً كارثي.

القصة في غزة شبيهة ومختلفة. في التاسعة مساءاً توجهت قيادة حماس للمخابرات المصرية بطلب التوسط لوقف نار. نتنياهو استجاب لكنه سمح للمنطقة الجنوبية وسلاح الجو بتنفيذ جولة إضافية واحدة من الغارات، بدءاً من منتصف الليل. هكذا يستطيع القول للمجلس الوزاري المصغر انه لم يكن هناك اتفاق مع حماس. هم توقفوا ونحن توقفنا. "المونولغ هو شخص يتحدث مع نفسه، والحوار هو بين شخصين يتحدثان مع بعضهما". نتنياهو يسوّق الاتصالات بين إسرائيل وحماس بأسلوب المونولوغ.

في الغارات المكثفة لسلاح الجو لم يُقتل رجل واحد في غزة، ولم يُصب أحد. معجزة في غزة: ولا مسؤول، ولا عنصر زحاف، ولا مسن، ولا امرأة، ولا طفل، في غزة المكتظة، المزدحمة، الخالية من الغرف المحصنة. إما ان الله معهم، أو أن من اختار الأهداف هو نابغة في الجراحة. الجولة التي انتهت محبطة ليس لأنه لم تكن هناك إصابات في غارات سلاح الجو. إنها محبطة لأننا ألقينا أطناناً من القنابل والصواريخ الباهظة الثمن، ولم نحقق شيئاً. رغم سقوط 150 قذيفة هاون في يومٍ واحد، زائد عشرات القذائف الصاروخية، لم نوضح للطرف الثاني ان قواعد اللعبة تغيرت. في الجيش الإسرائيلي أرادوا، لكن كُبحوا.

لم نمنع الجولة القادمة، ومن المشكوك فيه أننا أجّلناها حتى. وهي محبطة لأننا نعيش في كذبٍ تسلسلي، يسمّون الاتصالات غير المباشرة مع حماس "لا توجد اتصالات"، والتعادل مع حماس "انتصار". حان الوقت لقول الحقيقة للإسرائيليين: إسرائيل تريد ان تواصل حماس حكم غزة. إنها لا تريد ان تحكم غزة بنفسها، ولا السلطة، وتخشى من أن يؤدي انهيار حماس إلى فوضى وإرهاب. لكن تخفيفات مهمة في الحصار على غزة، مع أو من دون تسوية مع حماس، ستجبي ثمناً سياسياً من نتنياهو هو غير مستعد لدفعه، ليس في سنة انتخابات.