ما الذي لم نتعلمه من "الربيع العربي"؟

إن اندلاع "الربيع العربي"، وفي أعقابه الفوضى وسفك الدماء اللذين جلبهما معه، يشكلان شهادة أخرى على فشل أولئك الذين أرادوا رؤية الأمور من خلال رغباتهم، والذين سمحوا لمعتقداتهم وأفكارهم بإملاء تحليلهم للأحداث في العالم العربي. ففي نهاية المطاف، القلة القليلة فقط هي التي توقعت الهزة الأرضية التي ضربت العالم العربي، ولكن الكثيرين سارعوا إلى تبني التحليل الذي تبنته إدارة أوباما للأحداث وهو أن ما يجري هو ثورة من نمط الثورة الأميركية التي من شأنها أن تقود المنطقة إلى مستقبل من التقدم والازدهار والديمقراطية.

من تونس انتقلت نيران الاحتجاجات إلى كل من مصر وليبيا واليمن وحتى سوريا

قليلون هم، إن وُجدوا أصلاً، سواء في العالم العربي أو خارجه، الذين كلفوا أنفسهم عناء إحياء الذكرى السنوية السابعة لاندلاع "الربيع العربي". وكما نذكر جميعاً فإنه في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر اندلعت اضطرابات واسعة في تونس أدت إلى انهيار نظام الرئيس بن علي. ومن تونس انتقلت نيران الاحتجاجات، بعد عدة أسابيع، إلى كل من مصر وليبيا واليمن، وحتى إلى سوريا. ولا تزال النار مشتعلة حتى اليوم في بعض هذه الدول. وحتى أنه يبدو أن معظم مواطني المنطقة يفضلون شطب هذه السنوات السبع العجاف من كتب التاريخ والعودة في نفق الزمن إلى نقطة البداية، وذلك لأنه بدل الربيع والازدهار حل الخراب والدمار اللذين أعادا العالم العربي سنوات طويلة إلى الوراء، هذا بدون أن نذكر أيضاً مئات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين اللاجئيين الذين يشكلون هم أيضاً ثمناً لهذا الربيع. 

إن اندلاع "الربيع العربي"، وفي أعقابه الفوضى وسفك الدماء اللذين جلبهما معه، يشكلان شهادة أخرى على فشل أولئك الذين أرادوا رؤية الأمور من خلال رغباتهم، والذين سمحوا لمعتقداتهم وأفكارهم بإملاء تحليلهم للأحداث في العالم العربي. ففي نهاية المطاف، القلة القليلة فقط هي التي توقعت الهزة الأرضية التي ضربت العالم العربي، ولكن الكثيرين سارعوا إلى تبني التحليل الذي تبنته إدارة أوباما للأحداث وهو أن ما يجري هو ثورة من نمط الثورة الأميركية التي من شأنها أن تقود المنطقة إلى مستقبل من التقدم والازدهار والديمقراطية. 

فما هي الأخطاء التي ينبغي عدم تكرارها في الطريقة التي تنظر فيها إسرائيل إلى ما يحدث من حولها؟ أولاً، لقد اندلع "الربيع العربي" بعد عدة عقود من الاستقرار الوهمي الذي ساد في المنطقة. وكان هذا الاستقرار مريحاً بالنسبة لإسرائيل. وهي بطبيعة الحال قد رأت في الأنظمة وفي الحكام الذين حكموا الدول والمجتمعات العربية بيد مطلقة، رأت فيهم حلفاء مقربين الذين تخدم العلاقة معهم المصالح الإسرائيلية قريبة المدى وبعيدها على حد سواء. إلا أنه كما كان الحال في ذلك الوقت فإنه من الواجب أن نتذكر اليوم أيضاً أن الاستقرار في منطقتنا يستند إلى رمال متحركة. فقد كان هناك واقع لم يحدث فيه أي تغيير إلا أنه واقع مجتمعات مريضة وتعاني من أزمة عميقة. ومن هنا يجب توخي الحذر.     

ثانياً، نحن نعيش في الشرق الأوسط وليس في أوروبا في الثمانينيات، وهي سنوات انهيار الشيوعية. فاندلاع الاحتجاجات لا يدل على وصول "ربيع" الحرية والديقراطية، حتى وإن كان الحديث يدور عن احتجاجات يقودها أو يتحدث باسمها من يوصفون – في غالب الأحيان في قنوات التلفزة الغربية – بأنهم مثقفون عرب تعلموا في الغرب أو في حضن الثقافة الغربية. فالطريق للتحول إلى جزء من العالم الحر، أو حتى للتحول إلى مكان مثل روسيا وإيران، وحتى مثل تركيا، لا يزال طويلاً.   

ثالثاً، الخشية من سيطرة القوى الإسلامية بالذات على كل أنحاء الشرق الأوسط – اتضح أن هذه الخشية مبالغ بها. صحيح أن هذه القوى تمتلك تأييداً لا يستهان به في أوساط المجتمعات العربية، لكن الحديث يدور عن قوى تدميرية والتي بوسعها أن تهدم الدول وليس إقامة وبناء أطر سياسية، من العدم، قادرة على العمل. وهذا هو حال الأخوان المسلمين في مصر، وفي حالة حماس، وكذلك في حالة داعش.

رابعاً، "الربيع العربي" لم يُنزل ضربة بكل من إيران وروسيا، على النحو الذي ذهب الكثيرون لتبنيه في بداية الطريق. بل حصل العكس، فهو قد أدى إلى إزالة الكثير من الحواجز التي كانت قائمة في وجه هاتين الحليفتين، وفتح أمامهما الباب إلى قلب الشرق الأوسط. وما كان من المقرر أن يكون الساعة العظيمة للعالم العربي تحول إلى مسمار آخر في نعش العروبة، وحسّن بشكل لا يمكن تقديره من الموقع الإستراتيجي لكل من روسيا وإيران في المنطقة.    

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المجتمع الفلسطيني هو جزء من النسيج شرق الأوسطي. وعلى الرغم من رغبة الكثيرين منا الافتراض بأن الواقع لدى الفلسطينيين مختلف جذرياً عن واقع المجتمعات المحيطة بنا فإنه يمكن أن نرى الظواهر نفسها عند الفلسطينيين. لكن هذا بحث آخر.

 

ترجمة: مرعي حطيني