سايكس - بيكو: نهاية حقبة

إن اندلاع الربيع العربي في نهاية 2010 هو طرف جبل الجليد فقط حيث أن الدول العربية تحطمت داخلياً قبل ذلك بكثير.

إن اندلاع الربيع العربي بشر بانتهاء حقبة سايكس بيكو
في 16 أيار/ مايو 1916، أي قبل 100 سنة بالضبط، وقع ممثلو بريطانيا وفرنسا على اتفاق سايكس بيكو الذي رسم خريطة الشرق الاوسط وحدد شكله لمئة سنة. لقد وضع الاتفاق حداً لسيطرة الإمبراطورية العثمانية على المنطقة، هذه السيطرة التي استمرت 400 سنة وأدت إلى وجود ترتيب بريطاني وفرنسي وإلى تقسيم المنطقة بينهما. ولكن فيما بعد أن غادر البريطانيون والفرنسيون المنطقة، مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، بقي العرب وحدهم وتحولت دول عربية كثيرة باسم القومية العربية إلى مُقررة في الساحة الشرق أوسطية جميعها.

حاول الكثيرون رفض اتفاق سايكس بيكو والنظام الذي أوجده، وحاولوا أيضاً وضع خريطة جديدة للمنطقة، بدءاً بجمال عبد الناصر، الزعيم المصري، ومروراً بصدام حسين، الزعيم العراقي. لكن العالم الذي يقدس الحدود الجغرافية خشي من إحداث أي تغيير فيها وبقي النظام الخاص بسايكس بيكو، بشكل مفاجئ، على مدى هذه السنين. وتبين أن مصلحة الحفاظ على التقسيم العربي هي مصلحة عربية بالدرجة الأولى. وتبين أيضاً أن ما يُفرق ويُقسم هو أقوى مما يوحد ويجمع.

إن اندلاع الربيع العربي في شتاء 2010 وفي أعقابه الفوضى التي سادت في المنطقة أدى إلى انهيار دول مثل العراق وسوريا واليمين وليبيا، الأمر الذي بشر بانتهاء حقبة سايكس بيكو.
وهذا ما يؤكده زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، الذي أعلن عن إنشاء الدولة الإسلامية في سوريا والعراق بقيادته، وأعلن بشكل احتفالي عن انتهاء الاتفاق السيء.
 مع ذلك، يجب الاعتراف بأن الربيع العربي هو فقط طرف جبل الجليد، حيث إن الدول العربية تعرضت قبل ذلك لعملية تحطم داخلي. فالخليفة هو الذي ينظم حياة الأفراد والمجتمع، وبدل القومية العربية كمنظم للحياة، حل الإسلام. وبدل الجماعة العربية في المنطقة حلت تركيا وإيران، إضافة إلى قوى خارجية على رأسها روسيا التي عادت إلى المنطقة كسيد جديد يريد تقرير مصيرها. الكثيرون في العالم العربي يعتبرون اتفاق سايكس بيكو ومن وقفوا من ورائها، مسؤولين عن الانهيار الكبير الذي يتعرض له العالم العربي، وأيضاً الفشل الكبير للمجموع العربي في تحديد مكانته بين شعوب العالم كقوة ديناميكية مليئة بالحياة، وأن يكون العالم العربي عالماً مزدهراً يحظى السكان فيه بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي.

لكن الاتفاق تم التوقيع عليه قبل 100 سنة. وقد كفت بريطانيا وفرنسا عن لعب دور ما في المنطقة وغادرتا ضعيفتين ومضروبتين بخجل.

يبدو أن محاولة تعليق مشكلات العالم العربي على الغير واعتبار الاتفاق هو المسؤول عما يحدث للعرب اليوم، مصدر المشكلة وأهم الأسباب للأزمة التي يعيشها العرب.

طالما استمر العرب في البحث عن أسباب الأزمة تحت ضوء المصباح الغربي، وفي تعليق فشلهم على المؤامرات التي قام الغرب بحياكتها مع إسرائيل، فإنهم لن يجدوا الدواء للداء.

في نهاية المطاف، فشل العالم العربي في الوحدة وفي ضمان الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي ليس نتيجة اتفاق سايكس بيكو، بل هو نتيجة الفشل الاجتماعي العربي وفشل الزعماء في إحداث الإصلاحات الاجتماعية التي تُحدث تغييرات داخلية في المجتمع وفي شكل الدولة.

 لكن العالم العربي الذي يحيي ذكرى مرور 100 سنة على اتفاق سايكس بيكو لا زال غارقاً في الماضي ومليئاً بالنظريات حول المؤامرة وكأنه لم تمر 100 سنة منذ سعى السياسيون البريطانيون والفرنسيون لتقرير مصير المنطقة.