الربيع الإسرائيلي
القائد دحلان لم يكن معهم، وعندما ظهر من جديد في الضفة الغربية اعتبره عباس ومساعدوه عدواً. فخرج إلى المنفى في الخليج. وبسرعة امتلك الكثير من الاموال وقام ببناء شبكة علاقات معقدة مع شخصيات رفيعة في الامارات والاردن ومصر وليبيا. إن دحلان مقرب بشكل خاص من نظام الجنرالات الحالي في القاهرة. ومصر التي تتدخل بشكل علني في ما يحدث في رام الله وغزة، أشارت في أكثر من مناسبة أنها تتوقع عودته لشغل منصب مركزي. وهذا بيقين بعد انتهاء نظام عباس.
-
الكاتب: عاموس هرئيل
-
المصدر: هآرتس
- 24 حزيران 2016 14:52
"ليس هناك اليوم أي ضغط عربي حقيقي على اسرائيل لحل الصراع مع الفلسطينيين"
في أحد لقاءات المسار الثاني – وهي اجتماعات غير
رسمية، الشرق الاوسط ما زال مشبعاً بها، والتي يجتمع فيها خبراء ودبلوماسيون
وجنرالات من الدول العربية، من اسرائيل ومن دول غربية مختلفة – جلس مؤخراً سياسي
مصري معروف من أجل الحديث مع أحد معارفه الاسرائيليين. الحديث تدحرج إلى مشكلة
اللاجئين الفلسطينيين، وهذا الشخص الذي شغل في الماضي مناصب رفيعة جداً، ما زال له
تأثير على سلطة الجنرالات في القاهرة. وببساطة خرج عن أطواره.
"عن أي لاجئين تتحدث؟"، وبخ المصري الشخص
الذي يحاوره. وقال إن المنطقة مليئة بملايين اللاجئين الجدد الذين يعيشون في ظروف
غير محتملة ويحتاجون إلى مساعدة فورية. ملايين المواطنين الذين هربوا من رعب
المعارك في سوريا والعراق واليمن يذوبون في حر 49 درجة مئوية في الصحراء في الصيف
ويتجمدون من البرد في الشتاء. خيام القماش التي تقدمها لهم الدول المجاورة ومنظمات
الاغاثة الدولية لا تعطيهم أي حماية. معسكرات ضخمة من الخيام تظهر تقريباً في كل
زاوية في الاردن، لبنان وتركيا. هؤلاء اللاجئون الذين تعبر ضائقتهم عن التحولات التي
تحدث في المنطقة. على هذه الخلفية، قال، تصميم الفلسطينيين على اظهار أبناء الجيل الثالث
على أنهم لاجئون، الذين هم أحفاد من هربوا أو طردوا من ارض إسرائيل أثناء الحرب في
1948، هو شيء مرفوض. قسم كبير من اللاجئين الفلسطينيين الموزعين في دول المنطقة
يسكنون في بيوت حجرية وفي أحياء فيها بنى تحتية جيدة، لكنهم ما زالوا يعتمدون على
مساعدة الامم المتحدة ووكالة غوث اللاجئين "الاونروا" وتستخدمهم قيادتهم
من أجل تخليد القضية الفلسطينية.
إن أقوال كهذه لم تسمع تقريباً بهذا القدر من انفتاح
القلب من قبل سياسيين عرب في السابق. رغم اللهجة المتكدرة أحياناً في تحليلات
وتوقعات المتحدثين الاسرائيليين – في المرة الاخيرة، في مؤتمر هرتسليا في الاسبوع
الماضي – فإن اسرائيل هي احدى الرابحات من الهزات الكبيرة التي تحدث في الشرق
الاوسط في السنوات الخمس والنصف الاخيرة. فهي لم تبادر الى ذلك بالطبع ولم تؤثر
على نتائجها، لكن في جوانب كثيرة، فإن وضع إسرائيل الاستراتيجي أفضل مما كان عليه
قبل اندلاع ما يسمى الربيع العربي في 2010. إتفاق فيينا في تموز الماضي رفع كما
يبدو التهديد النووي الايراني عن برنامج العمل اليوم لخمس إن لم يكن لعشر سنوات
قريبة. الجيش السوري، التهديد التقليدي الاول على إسرائيل، لم يعد موجوداً. كمية
السلاح الكيميائي الكبيرة التي كانت لدى بشار الاسد تم تفكيكها كلياً تقريباً (98 %،
حسب تقدير رئيس الاستخبارات العسكرية، الجنرال هرتسي هليفي في الاسبوع الماضي).
الخطر الرئيسي بالنسبة لاسرائيل يوجد في التنظيمات في
المناطق وعلى الحدود. هذا خطر دائم على الاستقرار يصعب فك لغزه أو ردعه، لكنه ليس
تهديداً وجودياً. جارات إسرائيل التي تعيش تحدٍ أمني بشكل دائم بحاجة الى اسرائيل
أكثر من أي وقت للحفاظ على الاستقرار النسبي ومن أجل التعاون الاقتصادي والامني.
فكلما شعرت هذه الدول بالتهديد أكثر من داعش وأمثاله فهي تحتاج إلى الظهر
الاسرائيلي أكثر. التضامن الذي يعكسه زعماء الدول مع المشكلة الفلسطينية التي
اعتبرت في السابق مشكلة كل العرب، يبدو أحياناً ضريبة كلامية. رغم الاقوال
المتشددة حول تبني مبادرة السلام السعودية، ليس هناك اليوم أي ضغط عربي حقيقي على
اسرائيل في محاولة لحل الصراع مع الفلسطينيين.
كل تلك الامور الجيدة يهددها شيء واحد، حسب رؤية
القيادة الاسرائيلية، وهو فترة الشهرين والنصف بين الانتخابات الرئاسية في
الولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم وبين دخول وريث براك اوباما الى المنصب
في 20 كانون الثاني من العام القادم. كلما بقي الغموض حول خطة الانفصال التي يخطط
لها الرئيس الحالي للمنطقة، كلما زادت الفوضى في القدس. وبتأخر خمس سنوات يبدو أن
توقعات التسونامي السياسي التي تحدث عنها وزير الدفاع السابق اهود باراك، ستتحقق.
خطاب باراك في الاسبوع الماضي في مؤتمر هرتسليا تسبب في نوبة من الخوف والهستيريا
لدى رئيس الحكومة.
وفي الخلفية هناك مخاطر امنية محتملة مثل التدهور
الذي قد يحدث نتيجة عملية ارهابية كبيرة أو بسبب خطوة اسرائيلية طموحة جدا في
الساحة الفلسطينية. لقد سئل طوني بلير رئيس حكومة بريطانيا السابق اثناء منتدى
مغلق في اسرائيل عن ما الذي أخذ اغلبية وقته في السلطة، فأجاب بلير الاحداث،
واطفاء الحرائق الغير متوقعة هي التي شغلته وأخذت 90 في المئة من وقته وهو في
منصبه.
هذه الظروف ستضطر الحكومة الاكثر يمينية في إسرائيل
والكابنت الذي لا توجد لاعضائه التجربة الامنية والطاقم الامني، إلى مواجهتها.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الجديد افيغدور ليبرمان اتفقا على دفن
البلطات في سياق التحالف غير المقدس، الذي أدى إلى عودة ليبرمان إلى الحكومة، لكن
المنافسة السياسية الاساسية بينهما بقيت على حالها، ويتوقع أن تتجدد في الانتخابات
القادمة.
وليّ العهد
تصريحان استراتيجيان هامان تم اسماعهما في ارشادات
مصدر أمني في وزارة الدفاع للصحفيين. الاول، الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو
"المشكلة الاساسية لدولة اسرائيل" لأنه يمارس ضدها "الارهاب
السياسي الموجه إلى بطننا الرخوة". والثاني هو أن المواجهة مع قطاع غزة شيء
لا يمكن منعه حتى لو كان موعد اندلاعها غير معروف، وأنه في هذه الحالة يجب على
اسرائيل التأكد من إنهاء نظام حماس في القطاع، وأن تكون هذه هي المواجهة الاخيرة.
بعد المواجهة، قال المصدر رفيع المستوى، سيكون هناك من يوافق على أخذ زمام السلطة
في غزة في يديه، لكن هذه لن تكون قيادة السلطة الفلسطينية.
الاقوال التي نشرت على لسان المصدر الامني رفيع
المستوى، لا تختلف كثيراً عن تصريحات الوزير ليبرمان قبل تصالحه مع نتنياهو
وانضمامه إلى الائتلاف. لكن الفرق يكمن في أن هذه الاقوال لم تعد تقال من مقاعد
المعارضة بل هي تشخيصات لها وزن كبير، قد تتحول إلى أهداف ممكنة لعملية إسرائيلية.
وبالمثل يتم تحليلها بهذا الشكل ايضاً عند الفلسطينيين في رام الله وفي قطاع غزة
وفي الدول المجاورة وفي المجتمع الدولي. في العالم العربي، ولا سيما التصريحات
المنسوبة لاوساط ليبرمان، فإن هذا يسقط على أرضية المؤامرة الجاهزة. ويتم تفسيره
على خلفية الفرضية التي لها من يؤيدوها، بأنه قريباً ستحدث هزة في الساحة الفلسطينية.
حسب هذه الادعاءات فإن الدمج بين تراجع التأييد لسلطة عباس في رام الله وبين
العداء بين مصر وحماس في قطاع غزة، قد يحدث انفجاراً كبيراً. والشخص الذي يتم ذكر
اسمه أكثر فأكثر في هذه السياقات هو محمد دحلان. فهو كما قيل الورقة السرية. فهو
الشخص الذي قد يسيطر على رام الله، وبعد ذلك على غزة من خلال مؤامرة سرية.
عندما تراجعت الانتفاضة وتم طرح التخوفات بأن حماس
تخطط لانقلاب عسكري في القطاع، فإن بعض قادة الاستخبارات في اسرائيل قاموا
بالتهدئة وزعموا أن دحلان لن يسمح بحدوث ذلك. لكن فعلياً، في حزيران 2007، اختفى
دحلان من غزة بذريعة أنه يتلقى العلاج في أوروبا. أقل من 10 آلاف عنصر في حماس
احتاجوا إلى ستة أيام فقط من أجل إخضاع قوة عسكرية كبيرة تابعة للسلطة، وقتل 160
شخصاً من فتح ومن الاجهزة الامنية واعتقال وتعذيب آخرين.
القائد دحلان لم يكن معهم، وعندما ظهر من جديد في الضفة
الغربية اعتبره عباس ومساعدوه عدواً. فخرج إلى المنفى في الخليج. وبسرعة امتلك
الكثير من الاموال وقام ببناء شبكة علاقات معقدة مع شخصيات رفيعة في الامارات
والاردن ومصر وليبيا. إن دحلان مقرب بشكل خاص من نظام الجنرالات الحالي في
القاهرة. ومصر التي تتدخل بشكل علني في ما يحدث في رام الله وغزة، أشارت في أكثر
من مناسبة أنها تتوقع عودته لشغل منصب مركزي. وهذا بيقين بعد انتهاء نظام عباس.
قبل بضعة اشهر اقتبس الصحفي آفي يششكروف في
موقع واللاه، مصادر أمنية في إسرائيل والسلطة الفلسطينية زعمت أن ليبرمان ودحلان
استئنفا علاقتهما والتقيا مؤخرا ً(مكتب ليبرمان نفى ذلك). هذه الاتصالات، إذا تمت
بالفعل، سيكون لها تأثير لا سيما على خلفية التراجع الدائم في مكانة عباس. الحديث
لا يدور فقط عن تراجع تأييده في استطلاعات الرأي. عباس يبلغ 81 سنة وهو يدخن كثيراً.
ورغم أنه نشيط وبكامل وعيه، إلا أنه يصعب معرفة كم ستسمح له صحته بالبقاء في
منصبه. عندما يتم طرح موضوع الوراثة الذي تتم مناقشته بحرية أكثر من الماضي، يكثر
المحللون الفلسطينيون من الحديث عن مروان البرغوثي، قائد فتح المعتقل في اسرائيل.
واحتمال آخر هو سيطرة تركيا حيث أن رئيس جهاز الاستخبارات العام في الضفة، ماجد
فرج، سيلعب دوراً مركزياً. ولكن وراء دحلان قائمة من الجهات وعلى رأسها القاهرة
والامارات. رسمياً لم يتطرق أحد في إسرائيل إلى غمكانية أن يحاول دحلان الاستيلاء
على السلطة.
بعض السياسيين في إسرائيل الذين يتحدثون مع ليبرمان
تولد لديهم الانطباع أنه دخل إلى منصبه، مع الشعور بأن لديه فرصة ليس فقط لتحسين
مكانته في أوساط الجمهور، بل فعل أشياء كبيرة في الشرق الاوسط. وهناك أشخاص يثير
لديهم هذا التشخيص ذاكرة ليست محببة منذ أيام "أورانيم كبير" وهو خطة
اريئيل شارون لتغيير الوضع في الساحة الفلسطينية واللبنانية. صحيح أن بنية الكبح
والتوازن تغيرت لدى النخبة الاسرائيلية، وأن نخبة الجيش الاسرائيلي على الاقل تبدو
مستقرة وأكثر مصداقية مما كان عليه الوضع قبل حرب لبنان الاولى. وإذا كان هناك من
يؤمن بالخدعة الذاتية وأن اسرائيل يمكنها فرض رأيها على جاراتها، فإن ذلك غير
صحيح.
مسألة قيم
جمعية خريجي المعاهد العسكرية نشرت في هذا الاسبوع
نبأ استثنائياً في الصحف. فقد أعلنت الجمعية عن تأييدها لخريج المعهد العسكري
بالقرب من مدرسة هرئيلي في حيفا، توم نعمان. نعمان الذي هو قائد سرية الجندي
اليئور ازاريا مطلق النار في الخليل، تحول إلى هدف للتحريض والتهديد في الانترنت
لأنه تجرأ على القول في محاكمة أزاريا، إنه لم يكن هناك مبرر لإطلاق النار على
الفلسطيني المصاب الملقى على الارض. الهجمة أثارت موجة من التنديدات وتصريحات
التأييد لنعمان من قبل شخصيات في الدولة. وهناك من تحدث بفم ملآن مثل رئيس
الاركان. وهناك من تحدث بنصف فم مثل وزير الدفاع. وهناك من لم يكن لديه خيار آخر،
رئيس الحكومة.
رئيس الجمعية غيورا روم كتب أن خريجي المعاهد
يتفاخرون بصديقهم نعمان "فيما يتعلق بسلوكه في قضية اطلاق النار في الخليل –
كل شيء حسب قيم الضباط والقيادة التي اكتسبها أثناء دراسته، وعلى رأس ذلك التمسك
بالحقيقة". روم زعم أن المعاهد العسكرية تستطيع أن توفر بعض الحلول
قبل بضعة اشهر قرر آيزنكوت، بتوصية من رئيس القوى
البشرية الجنرال حجاي توبولنسكي، اغلاق المعهد بالقرب من هرئيلي والمعهد الديني
أور عصيون لاعتبارات مزدوجة: توفير الميزانيات حيث تبلغ تكلفة المعهد في حيفا 10
ملايين شيكل سنوياً، فرضية أن الجيش يحظى بعدد كاف من القادة في مستوى غير رفيع، أغلبيتهم
يأتون اليوم من المعاهد قبل العسكرية. وقد التقى آيزنكوت بعد قراره مع جنرالات
متقاعدين ومع اعضاء الجمعية، لكنه لم يغير رأيه. "نحن نحترم رئيس
الاركان"، قال روم للصحيفة، "لكنني ما زلت أعتقد أنه يمكن فتح هذا
القرار من اجل نقاش آخر". إنه يعتقد أن بالامكان ادارة المعهد في حيفا من قبل
اربعة اشخاص نظاميين وباقي المعلمين يكونون مدنيين يقف على رأسهم ضابط رفيع متقاعد
مع خلفية عسكرية.
لكن الاساس ليس الميزانية. فالجيش الاسرائيلي، كما
قال روم، "يواجه مشكلة متصاعدة في موضوع القيم، حيث أن مسؤولية كبيرة تقع على
عاتق المستويات المتوسطة في القيادة، قادة الفرق والكتائب، للتأكد من أن الجيش
متمسك بقيمه. في هذه الظروف بالتحديد سيكون من الخطأ التنازل عن مؤسسة تُخرج كل
سنة 50 شاب وشابة وتمنحهم الخلفية المناسبة للعب دور القيادة – وهم يصلون مع طاقة
واستعدادية مرتفعة قياساً بتلك التي لدى مجندين آخرين". التعليم في المعهد
يستمر ثلاث سنوات مقابل سنة في المعاهد التحضيرية. "هناك عشرات المعاهد
التحضيرية التي يدار كل واحد منها بشكل مختلف، وليس فيها بنية أعداد موحدة. والجيش
الاسرائيلي يعرف بالضبط مستوى القادة الذين يتخرجون من المعهد العسكري".