لماذا لم نقصف إيران؟
ثلاثة إسرائيليين فقط على قيد الحياة، قادوا الدولة من فوق كرسي رئيس الحكومة، فقط ثلاثة مروا بفرن الصهر هذا، مع المسؤولية والقوة والتجربة والإدراك الدولي الذي يقوم هذا المنصب باكسابه. بنيامين نتنياهو لا يرد على الأسئلة: في هذه الولاية يتحدث عن نفسه بشكل أحادي الجانب، بتغريدات في الفيس بوك، اهود أولمرت ممنوع من الإجابة على الأسئلة، لأسباب معروفة، فقط ايهود باراك يمكنه أن يفعل ذلك.
"ذات مرة"، قال باراك، "في لقاء مع مسؤول في الحكومة الصينية سألته ما الذي يعتقده عن كيم جونغ أون، رئيس كوريا الشمالية. فأجابني ما الذي تريدونه منا. لقد تعلم عندكم في الغرب (صحيح أن كيم تعلم في مدرسة داخلية لأبناء الأثرياء في سويسرا).
الأمر المميز في هذا الصراع هو أن فيه أكثر من لاعب متوقع. أمام كيم جونغ أون يقف رئيس أميركي من الصعب معرفة ما الذي يريد أن يفعله. في عدم اليقين توجد افضلية ما لكن توجد أخطار ايضا.
في المئة يوم الأولى لإدارة ترامب حدثت بضعة أمور إيجابية. فقد انفصل بسرعة عن الجنرال مايكل فلين وأحضر بدلاً منه الجنرال ماكماستر مستشاراً للأمن القومي. وهذا يعتبر رجل جيد. وقلّص ترامب تأثير ستيف بانون المتطرف وجعل مجلس الأمن القومي أكثر طبيعية. وهذا يثبت قدرته على التعلم. وفي المقابل يقوم باعادة كتابة المباديء التي يسير حسبها رئيس الولايات المتحدة.
"مثلا قراره القصف في سوريا. المغزى من هذا لا يقترب من المدح الكبير الذي أعطاه نتنياهو. اختار ترامب الإصابة المحدودة أكثر في القائمة، ورغم ذلك فاجأ الجميع.
"ما زالت الولايات المتحدة الدولة الأقوى في العالم. ميزانية الدفاع الأميركية أكبر من ميزانيات أمن الصين وروسيا وألمانيا واليابان وفرنسا ودول اخرى معا. عندما يقول رئيس الولايات المتحدة كفى، يكون لذلك مغزى".
قلت لباراك إن ترامب دخل إلى الصراع في هذه الفترة القصيرة مع روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران.
"روسيا هي قصة مختلفة"، قال باراك، "رغم جميع التناقضات فان بوتين يقف في نهاية المطاف على رأس دولة غربية، مسيحية، ويقوم ترامب بتحليله. الأماكن التي يوجد فيها خطر حدوث خطأ هي إيران وكوريا الشمالية، وبشكل مختلف الصين. هناك اعتبارات السمعة وهناك صعوبات في فهم الخصم مسبقاً. الأزمة قد تندلع على إبحار سفينة أميركية بجانب جزيرة من جزر بحر الصين الجنوبي أو هبوط طائرة. الصينيون يقولون لقد حان الوقت كي يفهم الأميركيون بأننا متساوين. ومثلما أن الأميركيين لا يوافقون على اقتراب طائراتنا فوق شواطيء سان فرانسيسكو، نحن أيضا لا نوافق على اقتراب طائراتهم فوق شواطئنا. فسماءنا مثل سماءهم.
"في نهاية المطاف تجمع حول ترامب عدد من الأشخاص ذوي التفكير الجماعي والانجرار وراء الرأس والقراءة الخاطئة للأخطار – كل هذه الأخطار قد تحدث، والأمثلة على حدوثها كثيرة".
يجب أن نفاجيء
"الهدف"، قال باراك، "كان دفع الأميركيين إلى تشديد العقوبات وتنفيذ العمل أيضاً. وأنا كنت أكثر صقورية من نتنياهو". "لقد افترضنا أن الأميركيين يعرفون كل شيء، بخصوص العملية وبخصوص معارضة رئيس الأركان اشكنازي لها أيضاً، وكذلك رئيس الموساد دغان ورئيس الاستخبارات العسكرية يادلين ورئيس الشباك ديسكن. عرفنا أنه لدينا من يتحدث معهم يومياًَ. تحدثت مع الرئيس بوش والرئيس أوباما فيما بعد. وقلت لهما إنه عندما يتعلق الأمر بمسؤولية إسرائيل عن أمنها، فنحن سنتخذ القرارات وليس هما. الرئيسان لم يرغبا في خططنا لكنهما احترما حقنا في اتخاذ القرارات. وفي مرحلة ما سألني وزير الدفاع الأميركي عن الزمن الذي سنقوم فيه بإبلاغ الأميركيين. فقلت له يجب أن نفاجيء، لا يمكننا إعطاءكم أكثر من بضع ساعات. وستتم صياغة إعلاننا بطريقة لا تعرض حياة جندي أميركي واحد للخطر. "ورغم معارضتهم لذلك، إلا أنهم أوضحوا بأنه إذا هاجمنا فإنهم سيقومون بالإيفاء بكل التزاماتهم لإسرائيل". قلت لباراك إن المعارضين يزعمون أن 11 مليار شيكل ذهبت هباء بسبب التحضيرات. "كان الاستثمار مبرر. فقد بنينا قدرات. ويجب أن نتذكر أن المشروع النووي الإيراني لم يختف، بل تأجل لعشر سنوات".
الفوز بالملك
"المعارضون قالوا إن إيران تحتاج إلى سنوات قليلة من أجل استكمال المشروع. وهذا غير صحيح. عندما قصفنا المفاعل النووي في بغداد لم نكن نستطيع معرفة كم سيحتاج العراقيون بالضبط من أجل إعادة إعماره. الطرف الثاني يخشى في العادة من العودة وبناء ما تم تدميره. تحدث أمور أخرى". هذا صحيح فيما يتعلق بالمفاعل الذي قامت إسرائيل بقصفه في سوريا (حسب المصادر الأجنبية). "في إسرائيل يسمحون بالعمل فقط عندما تتوفر أضلاع المثلث الثلاثة – القدرة التنفيذية والشرعية الدولية والحاجة إلى العمل الفوري وعدم التأجيل". "المشروع النووي لا يشبه السيارة التي يمكن قصفها طالما أنها مكشوفة في الشارع، بل هو يشبه القطار الذي يدخل إلى النفق رويداً رويداً، وكل عربة منه تدخل إلى الداخل تقلص نجاعة العمل. وهذا هو معنى حيز الحصانة".
"إن عدم موافقة رئيس الأركان على العملية لا تمنعها بالضرورة. فالمستوى السياسي هو الذي يقرر. ولكن عندما تم طرح العملية للنقاش في 2010 قال اشكنازي: لا توجد لنا قدرة تنفيذية. وعندما يقول رئيس أركان بأنه لا توجد قدرة تنفيذية فإن المصادقة لا تجتاز الحد المطلوب. للأسف، المعارضون حصلوا على دفعة معنوية من بيت الرئيس شمعون بيرس. وأنا لم أنجح في إقناعه أو في إقناع المعارضين الآخرين على الرغم من استثمار ساعات كثيرة في ذلك". "أوباما سألني عن المعارضة لدينا. فقلت له ألا تعرف ظواهر كهذه لديكم؟ عندما ينظر المعارضون الى أعلى يرونننا وعندما ننظر نحن إلى أعلى فلا يوجد أحد. المسؤولية هي مسؤوليتنا". "في 2011 كان رئيس الأركان غانتس. وقد قال إن العملية خاطئة حسب رأيه، لكن توجد قدرة تنفيذية. وقمنا بجمع الوزراء الثمانية واعتقدنا أنه إذا وافق الوزراء على ذلك فان الكابنت سيوافق أيضاً. وقمنا بتقسيم العمل. فقد أخذ نتنياهو على مسؤوليته يعلون وشتاينيتس. وقال لي ولليبرمان بأن كل شيء سيكون جيداً. عندها تحدث يعلون وشتاينيتس ضد". هل تعتقد أن بيبي تراجع؟ "لست على يقين من أنه بذل جهداً كبيراً للإقناع. فسنة بعد أخرى زاد الشك لدي حول تصميمه على العمل. اقترحت عليه التقدم في الموضوع الفلسطيني، اذا لم يكن من أجل الاتفاق، فعلى الأقل من أجل التأييد الدولي الواسع للهجوم على إيران. وقلت له إن هذا الأمر مثل الشطرنج، التضحية بالفيل من أجل الحصول على الملك. ويحتمل أن الأمر الذي كان يخيفه هو الحاجة إلى فعل شيء في الموضوع الفلسطيني". أو ربما أن أهمية الأمر هي التي ردعته. فهو يخشى من تحمل المسؤولية عن قرار يعارضه جميع رؤساء الاجهزة الأمنية.
"ذلك محتمل. ولكن بيبي لا يحب اتخاذ القرارات، بينما أنا أحب. في العام 2012 تحدث نتنياهو عن أمور كثيرة، وأنا كنت أعارضها. وقد صممت على موقفي: لن نعرض حياة أي جندي أميركي للخطر".
ثقة من نوع آخر
"لأنه فوت الفرصة بعد توقيع الاتفاق. كان بالإمكان التوصل في حينه إلى مساعدة بمبلغ 45 مليار دولار لعشر سنوات وليس 38 مليار. وكان يمكن زيادة التعاون الاستخباري والتوصل إلى تفاهمات حول شروط تشديد العقوبات، وكان يمكن أيضاً الحصول على وسائل تمكننا من العمل العسكري ضد السلاح النووي في ظل الظروف الجديدة. وكان بالإمكان التوصل إلى ثقة مختلفة تماماً". لماذا اعتقدت أن أوباما كان مستعداً لاتفاق كهذا؟ "لأن أوباما ليس ساذجاً. فقد أدرك أن إيران ستلتزم بالاتفاق في البداية، عندما يكون الأمر مناسباً لها. ولكنها ستعود فيما بعد لاستئناف المشروع النووي. الحل هو إعطاء إسرائيل الوسائل التي تمكنها من العمل. وهذا ما عمل نتنياهو على إحباطه في خطابه في الكونغرس".