المعركة على العراق
احتلال الموصل، وبعدها أيضاً احتلال مدينة الرقة السورية، عاصمة التنظيم، لا يبشران بنهاية الفكرة والعقيدة اللتين يمثلهما. والأهم من ذلك هو أنهما لا يبشران بنهاية وجود داعش في المناطق السورية والعراقية. فهو (التنظيم) ومؤيدوه لن يختفوا تماماً بل ستبتلعهم الصحراء التي أتوا منها.
مغناطيس للإحباط
يعتقد الكثيرون أن العراق كان حالة ميؤوس منها منذ بداية أيامه، وأن الخطيئة الأولى هي خطيئة البريطانيين والفرنسيين الذين دفعوا لإقامته وفق اتفاقيات سايكس - بيكو، قبل مائة عام بالضبط. فحتى ذلك الحين، وعلى مدى حوالي 400 عام، كان العراق منطقة خاضعة لسيطرة الإمبراطورية العثمانية. ومع هزيمتها أقامت بريطانيا وفرنسا على أنقاضها مجموعة من الدول المصطنعة، التي كان كل الهدف منها خدمة مصالحهما، وكان العراق إحدى هذه الدول. وبالمناسبة، وفقاً لسايكس - بيكو، كان من المقرر ضم لواء الموصل إلى سوريا الخاضعة لسيطرة الفرنسين، إلا أن البريطانيين نقلوا المدينة للعراق وذلك بسبب آبار النفط التي وجدت فيها. وعلاوة على ذلك فإنه في الوقت الذي وقّعت فيه الإمبراطورية العثمانية، والبريطانيون، على اتفاق وقف إطلاق النار، سيطر البريطانيون على الموصل منتهكين بذلك وقف إطلاق النار. ولذلك لا غرابة أن يبقى لكل من سوريا وتركيا (حق) المطالبة بالموصل. فكل منهما لا تقبلان، كأمر مسلم به، كون الموصل جزءاً من العراق. ليس فقط كون العراق دولة مصطنعة هو السبب في مشاكله، بل كونه أيضاً دولة كثيرة الطوائف: فحوالي نصف سكانه هم من الشيعة، وحوالي ربعهم من الأكراد، وحوالي الربع أيضاً من العرب السنة. وتم تحت نظام الدكتاتور صدام حسين، وتحت القبضة الحديدية لسابقيه، إخفاء القضية الدينية والطائفية تحت البساط. إلا أنه في ربيع 2003 حرر الأمريكيون العراق من ظلم صدام وأرسوا الدولة الديمقراطية. وبذلك فإن السكان الذين يفتقدون للتقاليد الديمقراطية دفعوا إلى سدة الحكم، بطريقة ديمقراطية، أحزاباً طائفية شيعية، بعضها كان ذا طابع إسلامي راديكالي، والأمر الوحيد الذي أجادوه هو الانتقام من السكان السنة والذين جاء منهم، حتى ذلك الوقت، حكام البلد. لقد تم استغلال هذا الواقع من قبل تنظيم القاعدة الذي نشط، في ظل حالة الفوضى التي سادت في البلد في أعقاب "الاحتلال الأمريكي"، من أجل الحصول على موطئ قدم في العراق. وأصبح فرع التنظيم في العراق مغناطيساً لجذب الإحباط ومشاعر الإذلال (السائدة) لدى السنة، الذين رؤوا فيه ممثلاً حقيقياً لهم في مواجهة الطائفة الشيعية التي رسخت سلطتها على العراق بمساعدة أمريكية. وأصبح ظهور داعش، واندفاعته من أعماق الصحراء وإقامة الخلافة بقيادته بمثابة السر المعلن، على الرغم من أن كل من امتلك الرؤية الصحيحة كان قد توقع حدوث ذلك قبل وقت طويل. الدولة العراقية لم تعد موجودة، وحل محلها الفوضى والفراغ، اللذان لا يسيطر عليهما أحد. وهذا لم يزعج الأمريكيين لفتح أبواب العراق (أمام الكل) ليس فقط أمام داعش. وكان الأهم من ذلك بكثير هو أنهم قد سمحوا حقيقة لإيران بالحصول على مناطق سيطرة لها وتحويلها إلى رأس جسر بري باتجاه سوريا ولبنان، على طريق تحقيق الهيمنة الإيرانية الشيعية على كامل الهلال الخصيب. ومثلما دُفع السنة إلى ذراعي داعش، كذلك دُفع الشيعة إلى ذراعي إيران من خلال بحثهم عن حليف أمين وموثوق.
أحلام العظمة
لقد كان التحدي الذي وضعه داعش أمام واشنطن يتطلب الرد إلا أن إدارة بارك أوباما لازالت مصممة على عدم العودة إلى إرسال جنود أمريكيين إلى الأراضي العراقية. وكان الحل الذي تم التواصل إليه هو إعادة ترميم الجيش التابع للحكومة العراقية الشيعية، والميليشيات الشيعية، وهي الخطوة التي تم القيام بها بمساعدة غير مباشرة من إيران. وإلى جانب ذلك تم تقديم التشجيع والدعم لحرب الأكراد ضد داعش. لقد أثمرت الخطوة الأمريكية ونجحت القوات التي يشغلوها، سوية مع إيران، في إلحاق هزائم قاسية بداعش، حتى وإن لم تصل إلى درجة القضاء عليه. إلا أن ثمن هذا الانتصار يدفعه السكان السنة في العراق، الذين ينتقم منهم المنتصرون الشيعة والأكراد. ولذلك فإنه في مقابل كل مدينة يخسرها يفوز داعش بجمهور جديد من المؤيدون له، شباب من السنة المحبطين المتطلعين للانتقام. كذلك الحال فإن المواجهة الكردية - الشيعية حول حدود الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق هي مواجهة لا يمكن تفاديها. وكذلك الحال بالنسبة لجهود تركيا للحصول على معقل لها في منطقة الموصل – في مواجهة التحدي الإيراني الشيعي وفي مواجهة الأكراد، وذلك بروحية أحلام العظمة لدى الرئيس رجب طيب أردوغان. إن الغائب عن صورة هذه الفوضى هو بطبيعة الحال فلاديمير بوتين. لكن لا تقلقوا، ذلك أنه يمكن الاعتماد على الرئيس الروسي الذي سيستغل كل فرصة تسنح له من ضعف الولايات المتحدة الأمريكية والفوضى التي تنتجها سياستها في العراق. فهو سيعود أيضاً إلى هذا البلد الذي شهد وجوداً روسياً كبيراً في القرن المنصرم. ترجمة: مرعي حطيني