"هآرتس": هذه هي أكثر العمليات الفاشلة وغير الضرورية لـ"إسرائيل"

صحيفة "هآرتس" تتحدث عن فشل في استعدادات الجيش الإسرائيلي وغياب الاستراتيجية في العملية العسكرية الأخيرة، وتدعو إلى إحداث إصلاحات وفتح تحقيق داخلي في الجيش.

  • "هآرتس": نشهد فشلاً عسكرياً وسياسياً خطيراً في استعداد الجيش

كتب لاوف بن في صحيفة "هآرتس" مقالاً يضيء فيه على الفشل الإسرائيلي في مواجهة المقاومة الفلسطينية، ويبرز المشاكل التي عاناها الجيش، والتي تحتاج إلى إصلاح، بحسب رأيه. وهذا نص المقال منقولاً إلى العربية:

في يومها التاسع، تبدو عملية "حارس الأسوار" في غزة أكثر الحروب الإسرائيلية الفاشلة وغير الضرورية، حتى في المنافسة الشديدة في دوري أبطال "حرب لبنان الثانية" وعمليات "الجرف الصلب" و"الرصاص المصبوب" و"عمود السحاب" في  غزة.

إننا نشهد فشلاً عسكرياً وسياسياً خطيراً كشف النقاب عن إخفاقات في استعداد الجيش، وإدارة وقيادة حكومية متخبطة وعاجزة. وبدلاً من تضييع الوقت في السعي غير المجدي من أجل "صورة الانتصار"، والتسبب بالقتل والدمار في غزة، وتعطيل الحياة في إسرائيل، يجب على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يتوقف الآن، ويوافق على وقف إطلاق النار، والأمل في أن يتم استيعاب الفشل بسرعة، من خلال الرأي العام، مثل كارثة ميرون.

في عالم سليم، كان يجب أن يُضاف هنا: "أمر بتحقيق داخلي أولي في الجيش الإسرائيلي"، لكن المتهم الجنائي نتنياهو، الذي يقاتل من أجل مركزه في شارع بلفور، ليس لديه الصلاحية أو السلطة السياسية لقيادة مثل هذا التغيير الضروري.

هذه هي المشاكل الرئيسة، والتي تم اكتشافها في الاستعدادات للحرب وإدارتها:

1- تفاجأت إسرائيل تماماً بمبادرة حماس وجرأتها وقدرتها القتالية، التي أظهرتها في إطلاق آلاف الصواريخ نحو الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

2- تركَّز اهتمام إسرائيل الأمني ​، على مدار العقد الماضي، على "المعركة بين الحروب" في الشمال والصراع ضد إيران. كان يُنظر إلى غزة على أنها ساحة ثانوية يجب احتواؤها في مجموعة من الوسائل الاقتصادية - تمويل حماس من حلال قطر بتأييد إسرائيلي وتخفيف معيّن للحصار مثل إدخال مواد البناء -، وفي استثمارات كبيرة (ومبررة) في وسائل الحماية، وعلى رأسها القبة الحديدية والجدار تحت الأرض عند حدود غزة، والذي أثبت نفسه في إحباط عمليات تسلل برية وتقليل الأضرار التي لحقت بالجبهة الداخلية.

يُنظر إلى حماس على أنها جارٌ سيئ، لكنها معزولة وضعيفة، وكان الاهتمام الوحيد الذي أثارته في الرأي العام الإسرائيلي هو النقاش الدوري بشأن عودة الأسرى المدنيين وجثث الجنود. بقدر ما هو معروف، لم يحذّر أي من "القيّمين" من أن حماس يمكنها بجهد ضئيل أن تتخلص من القفص الذي دفعته إسرائيل إليه، والوقوف على رأس النضال الفلسطيني بصفتها مدافعة عن المسجد الأقصى، وتعزيز الانقسام بين حكومة نتنياهو والإدارة الأميركية الجديدة.

3- تحت رعاية الفشل الاستخباري الاستراتيجي عبر الاستخفاف بنيّات حماس وقدراتها، تطور الفشل الاستخباريّ التكتيكي أيضاً: لم يقم الجيش الإسرائيلي بجمع أهداف نوعية كافية في غزة، الأمر الذي من شأنه أن يقوض دافع حماس وقدرتها على مهاجمة الجبهة الداخلية الإسرائيلية. صحيح أن سلاح الجو ضرب أهدافاً كثيرة تحتاج حماس إلى جهد لاعادة ترميمها، لكن هذا لا يكفي. وأيضا ساعات التحليق وذخائر الجيش الإسرائيلي لها ثمن اقتصادي، مثلها مثل حفريات حماس والصواريخ. وكما كتب الجنرال يسرائيل تال ذات مرة: "عندما تُستمد الاستراتيجية من التكتيكات، تُربح المعارك وتُخسر ​​الحروب".

يمكن للمرء أن يغذي الجمهور في كل نشرة أخبار بالتبجح بـ"الضربات المؤلمة التي وجهناها إلى حماس"، وإبراز الفخر بالطيار الذي قتل ضابط الجهاد الإسلامي - ناهيك بميزان القوى لطائرة مقاتلة متطورة ذات تسليح دقيق ضد مبنى سكني - كنسخة جديدة من يهودا مكابي ومئير هار تسيون. كل هذه الطبقات من المكياج لا تستطيع إخفاء الحقيقة: ليس لدى الجيش الإسرائيلي أي فكرة عن كيفية إسكات جيش حماس واخراجه عن توازنه. انهيار الأنفاق في قصف مكثّف أظهر القدرة العملياتية الاستراتيجية، من دون الإضرار فعلياً بقدرات العدو القتالية.

لنفترض أن 100 أو 200 أو حتى 300 من مقاتلي حماس قُتلوا في الأنفاق، فهل كان ذلك سيسقط سلطتها؟ منظومة التحكم والسيطرة؟ قدرتها على إطلاق الصواريخ على إسرائيل؟ يتجلى فقدان المشورة العسكرية في النسبة المتزايدة من المدنيين القتلى مقارنة بالمقاتلين في الجانب الفلسطيني، مع استمرار العملية، وهي علامة واضحة ومثبتة على إطلاق النار ضد أهداف عَرَضية وغير مهمة.

4- بعد عام على كورونا، اعتاد الجمهور الإسرائيلي إغلاق المدارس والشوارع الخالية والمطار المشلول، ويظهر صموده حتى عندما يتم فرض قيود بسبب الصواريخ من غزة وليس بسبب فيروس من الصين. يتركز القلق العام على انهيار التعايش بين العرب واليهود داخل إسرائيل، وليس على الصراع الخارجي. مع ذلك، ألحقت حماس أضراراً جسيمة بنسيج الحياة، من تل أبيب إلى الجنوب، ولا يبدو أن الجيش الإسرائيلي قادر على منع هذا أو إيقافه، حتى بعد أسبوع ونصف أسبوع من تبادل إطلاق النار.

5- لقد تدهورت القوات البرية للجيش الإسرائيلي إلى دور هامشي لقوة الخداع، التي تتمثَّل مهمتها بإرباك العدو وإغرائه، وحتى في هذا لم ينجحوا على ما يبدو، ومقاتلو حماس لم يدخلوا بأعدادهم الكبيرة الأنفاق المقصوفة. حسناً، لا يوجد شخص يفكّر في عملية برية فيها خسائر كبيرة في قطاع غزة. وليس لإسرائيل أي هدف لتبرير مثل هذا العملية. وهذه المرة، لا توجد دعوات "دخول" و"تحطيم" واجتياح غزة، حتى في أقصى يمين الخريطة السياسية. ومع ذلك، فإن الخوف يتسلل إلى القلب من أن الجيش غير قادر حتى على الدخول للميدان، وليس جاهزاً للقتال.

6- تجدر بنا العودة إلى نبوءات غضب الجنرال في الاحتياط إسحاق بريك، أشد منتقدي قيادة الجيش في السنوات الأخيرة، والذي حذّر مراراً وتكراراً من أن الحرب القادمة ستخاض في الجبهة الداخلية، وأن إسرائيل ليس لديها قدرة الرد على الهجمات بآلاف الصواريخ، والقوات البرية غير قادرة على القتال. كما أشار بريك إلى الحرب المستقبلية مع حزب الله، الذي تُعَد قوة نيرانه أقوى كثيراً من قوة حماس، لكن المواجهة الحالية يجب أن تبدو كأنها تمرين رطب قبل الاختبار الحقيقي، والنتيجة ليست جيدة.

اعترضت القبة الحديدية الأغلبية العظمى من الصواريخ، وأنقذت كثيراً من الأرواح، لكنها وجدت صعوبة في تحمل القذائف المركَّزة، والتي أغرقت منظومة الحماية الإسرائيلية. الجبهة الداخلية الإسرائيلية لم تتضرَّر من قبلُ بهذا القدر من الذخائر. أصبحت عسقلان مدينة أشباح، وهُجرت المنازل غير المحمية. وكل هذا يتضاءل أمام قدرات حزب الله.

في ضوء هذه الإنجازات الضئيلة، من الأفضل أن يتوقف نتنياهو الآن، ويعطي على الأقل إنجازاً صغيراً لبايدن الذي يطالب بإيقاف فوري لإطلاق النار. لا جدوى من الاستمرار في ضرب وسادة الرمل لغزة، وتعطيل الحياة في جنوبيّ البلاد ووسطها. من المحتمل أن ينتظر إصلاح الجيش، على ما يبدو، صعود قيادة أخرى في إسرائيل.

اعتداءات إسرائيلية متكررة على الفلسطينيين في القدس المحتلة ومحاولة تهجيرهم من منازلهم، استدعت انتفاضة فلسطينية عمت الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتبعها عدوان إسرائيلي على غزة تجابهه المقاومة بالصواريخ التي تشل كيان الاحتلال.