"جيروزاليم بوست": أكبر مشكلة لدينا هي غياب الثقة
يكاد يكون من المستحيل العثور على الثقة في "إسرائيل" في أي مكان؛ ليس بين الحكومة والشعب، ليس بين الأحزاب المختلفة في الحكومة، وليس بين مختلف قطاعات المجتمع.
الكاتب في صحيفة "جيروزاليم بوست" يعقوب كاتس، يبيّن كيف تضمحل الثقة في "إسرائيل" بسبب غياب المصداقية عند المسؤولين الإسرائيليين، ويوضح المخاوف من احتمالية خسران التفوق العسكري النوعي، في حال نالت الإمارات طائرات F-35 بعد تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل". هذه ترجمة المقال:
يكاد يكون من المستحيل العثور على الثقة في أي مكان؛ ليس بين الحكومة والشعب، ليس بين الأحزاب المختلفة في الحكومة، وليس بين مختلف قطاعات المجتمع.
في 13 شباط/فبراير 1979، بعد يومين من استلام (السيد علي) الخميني وثورته الإسلامية السلطة في طهران، وصل وزير الدفاع الأميركي هارولد براون إلى "إسرائيل"، في أول زيارة له.
وكان في استقبال براون في مطار بن غوريون، حرس الشرف من فرقة الجيش الإسرائيلي ونظيره الإسرائيلي عيزر وايزمان.
وقال براون على مدرج المطار: "الالتزام الأميركي بأمن "إسرائيل"، القائم على أسس أخلاقية وسياسية وكذلك على المصالح الأمنية الحيوية والمشتركة، هو التزام طويل الأمد، وأعيد التأكيد على ذلك اليوم".
كان التزاماً مثُل خلال أيامه الثلاثة في "إسرائيل". في الواقع، في اجتماع استمر 4 ساعات مع وايزمان في وزارة الأمن في اليوم التالي، قدّم براون عرضاً مذهلاً: الحكومة الإيرانية السابقة بقيادة الشاه محمد رضا بهلوي، طلبت عشرات الطائرات المقاتلة من طراز F-16، كما قال براون لوايزمان. الآن، بالطبع، لم تعد تستطيع الولايات المتحدة تسليمها. هل تريدها "إسرائيل" بدلاً من ذلك؟
وايزمان، القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي، كان يعرف شيئاً أو شيئين عن حاجة سلاح الجو، لكنه أراد الحصول على رأي قائد سلاح الجو الإسرائيلي آنذاك، الميجر جنرال دافيد عِفري. اتصل به وطلب منه الانضمام إلى الاجتماع، وعندما مشى رمى وايزمان السؤال: "هل أنت مهتم باستلام طائرات F-16 التي كان من المفترض أن تذهب إلى إيران؟".
في ذلك الوقت، كان سلاح الجو الإسرائيلي في خضم التفكير في بعض المرشحين لقيادة طائرته المقاتلة متعددة الأدوار التالية. كان سلاح الجو قد تسلمّت بالفعل بعض طائرات F-15، بينما كان العمود الفقري الرئيسي في ذلك الوقت لا يزال F-4 Phantom.
كانت وزارة الأمن تجري مفاوضات للحصول على طلبيتها الأولى من 75 طائرة من طراز F-16، لكنها كانت لا تزال تحاول تسوية الأسئلة مع الأميركيين حول دمج التكنولوجيا الإسرائيلية فيها.
كان عرض براون مغرياً. إذا قال عفري نعم، فستحصل "إسرائيل" على الطائرات (المطلوبة) بعد أكثر من عام. من ناحية أخرى، كانت طائرات F-16 الإيرانية تخرج بالفعل من خط التجميع، مما يعني أنه إذا أخذها، فستتلقى "إسرائيل" طائرات لا تأتي مع التكنولوجيا المخصصة لسلاح الجو الإسرائيلي.
أجاب عفري: "نعم"، سيأخذ الطائرات.
بينما كانت التكنولوجيا الإسرائيلية مهمة، أراد عفري الطائرات في أسرع وقت ممكن. كان يفكر بـ "أوزيراك"، المفاعل النووي الذي كان صدام حسين يبنيه خارج بغداد. اعتقد عفري أنه إذا احتاجت "إسرائيل" إلى مهاجمته يوماً ما، فستكون طائرات F-16 هذه قادرة على إنجاز المهمة، دون التزود بالوقود في الجو، وهو ما تتطلبه جميع طائراته الأخرى.
وصلت أولى طائرات F-16 في تموز/يوليو 1980، وبعد 11 شهراً، طارت 6 منها إلى العراق لتدمير "أوزيراك"، ما حرم (الرئيس العراقي الأسبق) صدام حسين من إمكانية امتلاك قنبلة نووية.
قامت "إسرائيل" باستخدام طائرات مصنوعة لإيران بتدمير مفاعل نووي في العراق.
إنها قصة مهمة يجب تذكرها وسط الأخبار هذا الأسبوع، بأن إدارة ترامب تخطط لإنهاء صفقة بيع طائرات الشبح F-35 المتقدمة إلى الإمارات العربية المتحدة، بحلول كانون الأول/ديسمبر. في حين أن وصول الطائرات الأولى إلى أبو ظبي، سيستغرق من 5 إلى 7 سنوات، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تستخف بالأخبار لسببين رئيسيين.
الأول هو مثال إيران. تخيل أن الثورة الإيرانية حدثت في عام 1981 وليس في عام 1979. لو حدث ذلك، لكان لدى إيران أسطول من طائرات F-16 الحديثة. "إسرائيل"، قبل الثورة، كانت أيضاً بصدد إنشاء نظام صاروخي مشترك مع الإيرانيين. تخيل لو حدث ذلك قبل أن يتولى الخميني السلطة.
اليوم، الإمارات العربية المتحدة بلد آمن ومستقر، لكن في منطقة مثل الشرق الأوسط، رأينا ما يمكن أن يحدث عندما ينهض الناس ويسقطون ما كان يبدو حتى الآن وكأنه أنظمة مستقرة. هل يمكن أن يحدث هذا يوماً ما في الإمارات؟ من يعلم.
القلق الثاني هو أن بيع طائرات F-35 إلى الإمارات، لن يكون الأخير على الأرجح. الإمارات العربية المتحدة لديها القدرة على أن تؤدي إلى انتشار الأسلحة بطريقة لم يسبق لها مثيل في الشرق الأوسط.
إذا حصلت الإمارات على الطائرات، فماذا سيحدث عندما تطلبها مصر؟ أم الأردن؟
علاوةً على ذلك، إذا كانت هذه هي الفائدة التي تحصل عليها دولة عربية من الولايات المتحدة لصنع السلام مع "إسرائيل"، فماذا سيحدث عندما يأتي السعوديون إلى طاولة المفاوضات ويطلبون طائراتهم من طراز F-35؟ هل ستكون الولايات المتحدة قادرة على قول "لا" لجميع هذه الدول، وهل ستتمكن "إسرائيل" من إيقاف الصفقات إذا قررت أميركا المضي فيها؟
الجواب على كليهما ربما لا. إذا باعت الولايات المتحدة طائرات F-35 للإمارات، فلن تتمكن من رفض طلب مماثل من السعوديين. وحتى إذا أرادت "إسرائيل" الضغط على الإدارة أو الكونغرس ضد المبيعات، فسيتم تقييد أيديها - لن تخوض معركة سياسية ضد دولة وقعت معها قبل لحظات اتفاق سلام.
هذا هو المكان الذي تدخل فيه المناقشات بين "إسرائيل" والولايات المتحدة. يعتبر التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل"- المعروف بالاختصار QME- أحد الموضوعات الأكثر حساسية للنقاش بين الحكومتين.
بينما قد يعتقد البعض أن السؤال يتعلق بكمية أو أنواع المنصات التي تتلقاها "إسرائيل"، فإن هذا ليس هو الحال دائماً.
تمتلك مصر والأردن طائرات F-16، والسعودية لديها طائرات F-15. تمتلك "إسرائيل" أيضاً كلتا الطائرتين، لكن الطائرات الموجودة في أسطول سلاح الجو الإسرائيلي أكثر تقدماً بكثير، مع أنظمة حرب إلكترونية متفوقة، ورادار وذخائر بعيدة المدى [تُطلق من خارج دائرة التعرض لنيران مضادة]. عندما يتعلق الأمر بهذه الطائرات، فالأمر يتعلق بالجودة وليس بالكمية فقط.
هل يمكن الوصول إلى ترتيب مماثل عندما يتعلق الأمر بالطائرة F-35؟ يمكن. الحقيقة هي أنه بحلول الوقت الذي يحتمل أن تستقبل فيه الإمارات طائرات F-35، ستكون "إسرائيل" قد استخدمتها لما يقرب من عقد من الزمان. في كلتا الحالتين، سوف تحتاج مناقشات QME إلى الاستمرار. ما سينتج عنها سيتطور بمرور الوقت.
حتى ذلك الحين، يجدر بنا أن نتساءل كيف كان رد الإسرائيليين لو علموا منذ البداية أن اتفاق السلام التاريخي مع الإمارات العربية المتحدة سيشمل بيع مقاتلة F-35.
تخميني؟ كان من الممكن أن يكونوا على ما يرام معها، وإذا تم شرحها بشكل صحيح، لفهموا أنه لا يوجد شيء اسمه صفقة سلام مجانية، حتى لو كان رئيس الوزراء يحب التظاهر بأن هذه كانت صفقة "سلام مقابل سلام" وليست صفقة سلام مقابل F-35s وعدم الضم.
لكن طرح هذا النوع من العرض على الجمهور يتعلق بالثقة، وللأسف، الثقة مفقودة بشدة في "إسرائيل" في الوقت الحالي. يكاد يكون من المستحيل العثور عليها في أي مكان؛ ليس بين الحكومة والشعب، ليس بين الأحزاب المختلفة في الحكومة، وليس بين مختلف قطاعات المجتمع.
الجميع يشك بالآخر، ولا أحد يعتقد أنه يتصرف بحسن نية. لهذا السبب لم يكن مفاجئاً عندما أخفى بنيامين نتنياهو أنباء الصفقة الإماراتية عن وزير الأمن بيني غانتس، ونفى التقارير الأولية حول مكوّن الـ F-35.
عندما ذهب رئيس الوزراء إلى الولايات المتحدة الأسبوع الماضي لتوقيع اتفاقيات السلام، تساءل الناس عن سبب حاجته للذهاب مع أبنائه، وما إذا كان يركز على إجازة عائلية أكثر من صحتهم. عندما ذهب غانتس إلى واشنطن هذا الأسبوع، تساءل الناس كيف يمكنه مغادرة البلاد في وقت كانت فيه الأمة في حالة إغلاق، وإذا لم يكن ذاهباً فقط حتى يتمكن من الخروج من الضغط السياسي.
عندما بدأ نتنياهو بالضغط، صباح الأربعاء، من أجل الإغلاق التام، اتهمه شركاؤه في التحالف من "أزرق أبيض" باستخدام فيروس كورونا لوقف الاحتجاجات الأسبوعية ضده. عندما دعا الوزراء لإغلاق الكُنس، قال الحريديم إنهم سيفعلون ذلك فقط إذا توقفت الاحتجاجات أيضاً، والعكس صحيح لشركاء التحالف الآخرين عندما يتعلق الأمر بالمحتجين.
هذه هي المشكلة: لا أحد يخوض هذه المعركة معاً، ولا أحد على استعداد لتحمل المسؤولية. بدلاً من الاعتراف بالأخطاء، يبحث الجميع عن شخص يلومه. شوهد مثال ممتاز ليلة السبت الماضي، عندما شوهد اثنان من أقرب مستشاري نتنياهو - عوفر غولان وتوباز لوك - وهما يصوران متظاهرين بالقرب من شارع بلفور.
لم يكن من المفترض أن يكون لوك خارج منزله. كان مع نتنياهو في واشنطن الأسبوع الماضي، وكان من المفترض أن يخضع للحجر الصحي المنزلي. لكنه خرج، يصور مجموعة من المتظاهرين يلوحون بإشارات تنكر وجود فيروس كورونا. رداً على الأخبار، أصدر مكتب رئيس الوزراء بياناً قال فيه إن لوك كان في طريقه لإجراء اختبار فيروس كورونا، وهو أمر طُلب من كل من كان على متن طائرة نتنياهو القيام به.
لكن اختبارات فيروس كورونا كانت تجري في مكتب رئيس الوزراء على بعد أميال قليلة، وليس في مقر الإقامة في بلفور. عندما رفع لوك وغولان في وقت لاحق دعوى قضائية ضد 2 من الصحفيين، زعما أنهما شكلا الاحتجاجات ضد كورونا لنزع الشرعية عن غالبية المتظاهرين، تغيرت روايتهما للأحداث.
في الدعوى، اعترفا بأنها شاركا في المسيرة لتصوير المحتجين. إذن أيهما كان، يا غولان ولوك؟ هل كنت في طريقك للاختبار أم أنك خرجت لتصوير المحتجين؟
الحقيقة هي أنه ليس هناك فرق حقاً، لأنه بغض النظر عما يقولانه، سيكون من المستحيل تصديقهما. إليكم 2 من أقرب الأشخاص إلى رئيس الوزراء، لا مشكلة لديهما في قول كذبة في يوم من الأيام وحبك قصة أخرى في اليوم التالي. ببساطة ليس هناك حياء. لا شيء، صفر.
إليكم الخلاصة: بدون الثقة لا توجد طريقة يمكننا فيها هزيمة هذا الفيروس. بدون الثقة ببعضنا البعض، بالحكومة، وبسلطاتنا المحلية، كيف يمكن توقع التزام الإسرائيليين بالقيود الصارمة المفروضة عليهم مرة أخرى؟
لسوء الحظ، لا توجد إجابة جيدة. طالما لا توجد ثقة، لا توجد طريقة حقيقية للفوز. وأسوأ ما في الأمر أنه ربما فات الأوان.