تهوّر بن سلمان سيحوّل رؤيته إلى سراب
حملة الاعتقالات التي تنفذها السلطات السعودية ما تزال تستحوذ على اهتمام الصحافة الغربية التي حذرت من انعكاساتها السلبية على خطة ولي العهد محمد بن سلمان الإصلاحية خصوصاً في ظل ما نقلته عن كتاب سعوديين بأن الواقع بات مخيفاً.
إذا كانت السعودية تعتزم إطلاق حملة للتأثير في الرأي العام العالمي كما كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" قبل أسبوع، ربما قد حان وقتها بالفعل الآن، خصوصاً مع الأصداء السلبية التي خلّفتها حملة الاعتقالات التي طالت في الأيام الماضية رجال دين وكتاباً وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، في الصحافة الغربية بعد أن تركزت الانتقادات في الفترة الماضية على الحرب المستمرة في اليمن ومؤخراً على الخلاف الخليجي.
وإذا كانت المقالة التي نشرتها "واشنطن بوست" للكاتب والإعلامي السعودي جمال خاشقجي هي الأبرز اليوم بلحاظ هوية الكاتب، فإن كلاماً مشابهاً ذكرته صحف غربية أخرى ذهب بعضها إلى حدّ إسداء ما يشبه النصيحة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان من أجل تجنب تحوّل رؤيته الإصلاحية إلى سراب.
صحيفة "فايننشال تايمز" تطرقت إلى تنفيذ رجال أمن سعوديين ملثمين الأسبوع الماضي حملة مداهمات ليلية كما لو أنهم يطاردون مسلحين بيد أن الاعتقالات طالت رجال دين وأكاديميين ورجال أعمال في ما وصفه ناشطون بـ"أكبر حملة قمع للمعارضة" في المملكة منذ بداية الأحداث في العالم العربي عام 2011.
الصحيفة نقلت عن خاشقجي نفسه قوله إنه كان يتم استدعاء الناشط في الماضي وإبلاغه بأنه موقوف، أما بالنسبة للرجال الملثمين فالأمر كان يقتصر حصراً على مطاردة الإرهابيين.
وقال كاتب سعودي آخر لم تذكر الصحيفة اسمه "لقد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الشمولية عندما يتعلق الأمر بإدارة وسائل الإعلام والعلاقات مع الناس" مضيفاً "لطالما كان في السعودية هامش للنقد المحدود والمقبول وبعض المساحة للمناورة. لكن الأمر الآن بات مخيفاً حقاً وغير عادي".
ونقلت "فايننشال تايمز" عن أندرو بوين الباحث في معهد "أميركان انتربرايز" أن ولي العهد محمد بن سلمان يوسّع من جهة الحريات الاجتماعية والاقتصادية وهو ما يلاقي شعبية في أوساط الشباب السعودي، لكنّه يضيّق من جهة أخرى هامش توجيه انتقادات لإصلاحاته من قبل المجتمع المدني وأفراد في العائلة المالكة. وفق بوين الأمر عبارة عن سلوك استبدادي في الأساس، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي يواجه البرنامج الإصلاحي مطبات لا يتردد ولي العهد باستخدام طرق استبدادية لإبقاء المواطنين تحت السيطرة.
وتابعت الصحيفة أن الناشطين في المملكة يخشون من أن تؤدي أي انتكاسات في خطة بن سلمان إلى مزيد من القمع وأضافت "إذا كان لا بدّ من فتح نقاش داخل المجتمع السعودي حول كيفية التقدم نحو الأمام فإن الوقت قد حان لذلك" مشيرة إلى أن "السعودية كانت مهد الجهاديين وأن استقرارها مصدر قلق على مستوى العالم".
من جهته قال الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش آدم غوغل لـ"فايننشال تايمز" "تبدو رؤية محمد بن سلمان 2030 بمثابة سجن كبير حيث لا يمكن لأحد أن يتحدث بحرية أو يعبّر عن وجهات نظر مستقلة".
كاتب سعودي لـ"فايننشال تايمز": الوضع في السعودية بات مخيفاً وغير معتاد
هذه الرؤية وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية ستتحوّل إلى سراب إذا واصل ولي العهد السعودي سلوكه المتهور. وقالت الصحيفة في افتتاحية لها إن تولي بن سلمان منصب ولي العهد كان بمثابة اختبار بالنسبة للمراقبين في الشأن السعودي. وكان السؤال منذ البداية عما إذا كان بن سلمان إصلاحياً مستعداً لجرّ المملكة بما تمثله من نظام قمعي إلى القرن الواحد والعشرين، أم أنه فتى قليل الخبرة من شأن صعوده إلى السلطة أن يزعزع استقرار المنطقة؟ تجيب الصحيفة أنه إذا كانت الأشهر القليلة الماضية دليلاً يمكن الركون إليه فإن المستقبل لا يبشّر بالخير.
الصحيفة قالت إن الأمر عبارة عن فوضى على المستوى المحلي، أما على المستوى العالمي فقد أجبرت السعودية على التراجع على وقع الأحداث وعجزها بدءاً من الحرب في اليمن التي حصدت أرواح المدنيين إلى الحصار على قطر اللذين لجأت إليهما السعودية من أجل تقويض نفوذ إيران في العالم العربي والقضاء على أي أثر للإسلام السياسي، لكن من دون أن تنجح في أي منهما. بدلاً من ذلك تتابع "الغارديان" شكّل الأمران حرجاً لولي العهد، حيث تحاول السعودية اليوم التودد للقيادة العراقية خصوصاً الشخصيات القريبة من إيران فضلاً عن انسحابها من سوريا تاركة مستقبل البلاد بيد موسكو وأنقرة وطهران وصولاً إلى موقفها الصعب في أفغانستان بين حليفيها الباكستاني والأميركي. وخلصت الصحيفة إلى أن لدى ولي العهد رؤية لكن سلوكه المتهور الذي يفتقر للحكمة يعرّض هذه الرؤية لخطر التحوّل إلى مجرد سراب.