"المونيتور": "إسرائيل" تستعد للجولة التالية من الصراع مع غزة
كبار القادة الإسرائيليين في المستويين السياسي والأمني مقتنعون بأن وقف إطلاق النار الحالي مع حركة حماس لا يعني الهدوء لفترة طويلة.
كتب المحلل الإسرائيلي المعروف بن كسبيت مقالة في موقع "المونيتور" الأميركي تناول فيها نتائج العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وقال الكاتب إنه حتى الحروب لها لحظات كوميدية. فقد انتهت عملية "حارس الأسوار" الإسرائيلية الأسبوع الماضي بمثل ذلك عندما أعلن تساحي هنغبي، عضو مجلس الوزراء الأمني الوزاري، للصحافة أنه متفائل بأن حركة حماس لن تجرؤ على مهاجمة "إسرائيل" لمدة 15 عاماً قادمة.
وأضاف: لقد دخل وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" و"حماس" حيز التنفيذ في الساعة 2 من صباح يوم 21 أيار / مايو الجاري. وبعد ثلاثة أيام، في 23 أيار / مايو، سقطت بالونات عدة أطلقت من قطاع غزة في الحقول الإسرائيلية وعليها صور شهداء "حماس". وهكذا، يبدو أن العد التنازلي للاشتباك العسكري المقبل قد بدأ... فلا أحد في الجيش أو الحكومة في إسرائيل لديه أي وهم فيما يتعلق بالمستقبل".
وخلال المعركة التي استمرت 11 يوماً، ألمح رئيس العمليات العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي اللواء أهارون حليفا، إلى تغيير في سياسة "إسرائيل" المستقبلية بشأن الهجمات الصاروخية التي تقوم بها "حماس" ضدها، لكن طبيعة التغيير في قواعد اللعبة لا تزال غير واضحة. وقال حاليفا: "لم أقدر أن حماس ستطلق صواريخ على القدس. لكن الخطأ الكبير كان خطأ حماس. لقد دفعت ثمنه، وستستمر في دفع ثمنه".
وقال الكاتب إن "إسرائيل" ظنت في البدء أن القائد العسكري لحركة حماس محمد الضيف، الذي كسر سنوات من الصمت أخيراً لتوجيه تهديدات ضد "إسرائيل"، كان وراء قرار الضربة. لكن يبدو الآن أن يحيى السنوار، رئيس الحركة في غزة، كان المحرض الرئيسي. ونقل عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن هويته قوله: "لقد خضع [السنوار] لتغيير مفاجئ للغاية"، وعزا ذلك إلى التجربة المؤلمة إذ كادت انتخابات آذار / مارس الماضي أن تخشره قيادة المنظمة في غزة. ووصف المصدر كيف انتقل السنوار "بين عشية وضحاها" من كونه زعيماً مسؤولاً يتفاوض مع "إسرائيل" لتحقيق حياة أفضل لشعبه من خلال تزويدهم بالكهرباء والوظائف والمدارس، إلى "نسخة حديثة من صلاح الدين" (الأيوبي).
قال ضابط إسرائيلي كبير لـ"المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته: "لقد دفع السنوار ثمناً باهظاً لنشاطه المتشدد. عندما يخرج من المخبأ وينظر حوله، سيدرك مدى خطئه".
وقال الكاتب إنه بشكل عام، فإن "الجيش" الإسرائيلي راضٍ عن نتائج حملته العسكرية. وفي حال عدم صدور أمر حكومي إسرائيلي بإزالة "حماس" من السلطة في قطاع غزة، سيضطر الجيش الإسرائيلي لقبول حقيقة أنه يمكنه فقط "الرد بإطلاق النار" بشكل دوري على هجمات "حماس" من أجل تحقيق الهدوء حتى المرة المقبلة من الحرب.
وزعم بن كسبيت "أن التقييم الإيجابي للجيش الإسرائيلي لإنجازاته ينبع من فشل "حماس" في تحصيل أي خسائر كبيرة لإسرائيل، على عكس الضرر الذي ألحقته إسرائيل بحماس. فبالإضافة إلى تحطيم شبكة الأنفاق الواسعة التابعة لحماس وقتل وحدتين من الكوماندوز كانت في طريقهما لشن غارة على إسرائيل عبر الأنفاق، تقول إسرائيل إنها قضت على الوحدة البحرية التابعة لحماس، بما في ذلك الغواصات غير المأهولة التي يُحتمل أن تكون مصممة لتفجير منصات الغاز الإسرائيلية البحرية، وكذلك ترسانة طائراتها الانتحارية".
ونقل الكاتب عن مصدر عسكري قوله: "كل ما تبقى لديهم هو الصواريخ، التي ردها [نظام الدفاع الصاروخي] القبة الحديدية بمعدل مرضٍ.. إن كفة الميزان مالت نحو هزيمة حماس وانتصار إسرائيل"، على حد زعمه.
لكنه رأى أن "إسرائيل" تدرك جيداً أن "حماس" قد حققت نصراً مدوياً في الوعي العام الإسرائيلي، إذ أدى هجومها العسكري إلى تهميش السلطة الفلسطينية المنافسة تماماً، وعرقل الاحتفالات الإسرائيلية بذكرى إعلان توحيد القدس، ودفع المشرعين الإسرائيليين في الكنيست إلى الفرار بحثاً عن ملجأ خلال جلسة عامة لهم. كما استحوذت "حماس" على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوجّت نفسها الوصي الرسمي على أقدس موقع في القدس الإسلامية، المسجد الأقصى. وقال "إن الدبلوماسية العامة الإسرائيلية أظهرت عدم فعاليتها في ضوء التدمير في غزة والنصر الحاسم الذي تباهت به "حماس" على وسائل التواصل الاجتماعي عندما اندلعت أعمال شغب في القدس الشرقية وفي المدن المختلطة بين اليهود" وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948.
وأضاف أن "الجيش الإسرائيلي يمكنه فقط أن يبتهج بنجاحه العملياتي، وبذكاء تكتيكيه عالي الجودة، وكونه أجبر حماس على إخفاء نخبة الكوماندوز لديها بعد قتل وحدتين من وحداتها في الأنفاق". قال مسؤول إسرائيلي كبير خلال إحدى جلسات التقييم، في إشارة إلى لواء المشاة الإسرائيلي الشهير، "إن الأمر يبدو كما لو كنا نخفي لواء غولاني والمظليين أثناء الحرب".
ويزعم "الجيش" الإسرائيلي أنه حدد بدقة الأنفاق التي خططت "حماس" لشن من خلالها حرب عصابات ضده وقصفها، وكذلك خطط قادتهعا للاختباء من القصف الإسرائيلي ومحاولات الاغتيال في هذه الأنفاق.
وقال كسبيت "إن إسرائيل مقتنعة بأنها حرمت "حماس" من جميع منصات العمل والدفاع تحت الأرض، والتي كانت السلاح الاستراتيجي الرئيسي للتنظيم، مما جعلها مكشوفة أكثر من أي وقت مضى".
كما يزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن حركة حماس قد فشلت في إثارة الانتفاضة ضد "إسرائيل" في ساحتين مهمتين هما الضفة الغربية وبلدات الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 المختلطة بين الفلسطينيين واليهود. إذ تم إخماد النيران التي أشعلتها "حماس" في كلا المكانين خلال المعركة مع "إسرائيل".
وقد توقعت التقييمات الإسرائيلية أن يستمر السنوار في الاختباء خوفاً من محاولات الاغتيال الإسرائيلية. لكن بعد يوم واحد فقط من وقف إطلاق النار، خرج السنوار ليرحب بطلاً في شوارع قطاع غزة.
وقد قدم جيش الاحتلال الإسرائيلي للحكومة توصيات عدة، من بينها إصرار إسرائيلي على تحويل التمويل القطري لغزة عبر السلطة الفلسطينية لمشاريع اقتصادية بدلاً من منحه مباشرة إلى "حماس" كما كان الحال في السنوات الأخيرة. كما أوصى بوقف مساعدات إعادة الإعمار لغزة إلى أن تسلم "حماس" جثتي جنديين إسرائيليين قتلا في حرب عام 2014 و"مدنيين" إسرائيليين عبرا إلى غزة عن طريق الخطأ ويعتقد أن "حماس" احتجزتهما.
وأضاف الكاتب أن التوصية العسكرية الأكثر أهمية هي أن ترفض "إسرائيل" بعد الآن قبول ما تسميه "رذاذ الصواريخ" وبالونات النار التي يطلقها الفلسطينيون من قطاع غزة والتي اعتادت عليها "إسرائيل" كمصدر إزعاج دائم. وقال ضابط إسرائيلي كبير آخر لـ"المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته: "كل ما يتم إطلاقه من هناك - حتى لو لم يصب أي شيء - يجب الرد عليه برد هجومي حقيقي، مميت ومؤلم".
وختم الكاتب بالقول إنه "بغض النظر عن التصريحات، تظهر التجربة أن الروتين الغريب بين إسرائيل وغزة له ديناميكية خاصة به. يُزعم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لديه مشاكل أكثر أهمية للتعامل معها بالنظر إلى فشله المستمر في تشكيل حكومة وزيادة احتمالية إجراء انتخابات خامسة". وأوضح أن الإسرائيليين ليس لديهم القدرة على تحمّل جولة أخرى من القتال مع اقتراب حرارة الصيف الشديدة. وخلص إلى أن الإرهاق في كلا الجانبين سيولّد فترة أخرى من الهدوء مع مناوشات دامية من حين إلى آخر على طول الحدود...
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم