مجلة إسرائيلية: الصحف الاسرائيلية تتجاهل مقتل الأطفال الفلسطينيين
إن مصير الأطفال الفلسطينيين الذين قصفتهم الطائرات الإسرائيلية في غزة هو بالكاد خبر ثانوي بالنسبة للصحافة الإسرائيلية.
كتب إيدو كونراد، رئيس تحرير مجلة "972+" الإسرائيلية، مقالة نشرت في موقع المجلة، تناول فيها الصحف الإسرائيلية لقتل قوات الاحتلال الإسرائيلي للأطفال الفلسطينيين عبر عدوانها على البيوت الآمنة في غزة.
وقال الكاتب إنه العديد من القراء الإسرائيليين الذين تصفحوا الصحف صباح الثلاثاء يرجح أنهم توصلوا إلى استنتاج مفاده أن حركة "حماس" الفلسطينية قد قررت إعلان الحرب على "إسرائيل"، وأن "إسرائيل" نفسها هي الضحية كما في الجولات السابقة للحروب.
وأضاف أنه فقط أولئك الذين يأخذون الوقت الكافي للقراءة - وربما يجرون المزيد من البحث - سيكتشفون أنه وفقاً للتقارير الإخبارية، قتلت القوات الإسرائيلية 24 فلسطينياً، تسعة منهم أطفال، وجرحت العديد من الفلسطينيين في الليلة السابقة (ليل الإثنين). وسيكتشف هؤلاء القراء كذلك أنه بينما كان الآلاف في جنوب "إسرائيل" مرهوبين من قصف صواريخ "حماس"، لم يُقتل أي يهودي إسرائيلي أمس الإثنين (أطلقت صواريخ "حماس" بعد أن تحدثت منشورات الصحف عن 20 جريحاً على الأقل).
وأوضح الكاتب أن الصحف الإسرائيلية، بدءاً من صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية إلى صحيفة "يديعوت أحرونوت" الأكثر انتشاراً، تجاهلت مصير الأطفال الفلسطينيين الذين قُصفوا من السماء وهم يعيشون تحت قسوة حصار دام 14 عاماً، فهم بالكاد خبر غير مهم بالنسبة للصحافة الإسرائيلية.
فقد اتبعت العناوين الرئيسية (المانشيتات) في الصحف الأربع الكبرى في إسرائيل اليوم - يديعوت أحرونوت، وهآرتس، ومعاريف، و"يسرائيل هيوم" - بشكل أساسي نفس النمط: هيمنت صواريخ "حماس" على كل من العناوين الرئيسية والصورة المميزة لكل قصة.
فقد عرضت "يسرائيل هيوم"، التي لطالما اعتبرت منفذأً أخبارياً موالياً لرئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو، عنواناً مقتبساً من تهديدات نتنياهو بأن "حماس ستدفع ثمناً باهظاً" فيما يشير العنوان الفرعي فقط إلى "أعمال الشغب" التي يقوم بها الفلسطينيون في جميع أنحاء البلاد و"الصواريخ" التي يتم إطلاقها على "إسرائيل". وقررت الصحيفة دفن أي ذكر للأطفال في نهاية المقال، والذي ظهر أيضاً في الصفحة الثالثة.
صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الصحيفة الإسرائيلية الأكثر شعبية، نشرت قصتها في الصفحة الرابعة تحت عنوان "150 صاروخاً في خمس ساعات". تم ذكر الأطفال الفلسطينيين القتلى مرة واحدة في منتصف مقال قصير نسبياً، تمت صياغته بين الإبلاغ عن هجوم إسرائيلي على الجناح العسكري لحركة حماس والذي ورد أنه قتل أيضًا ثمانية من أعضاء الحركة. يُحسب لصحيفة "يديعوت احرونوت" أنها نشرت تقريراً فلسطينياً أفاد بمقتل 20 شخصاً في غزة بغارات جوية إسرائيلية.
صحيفة "معاريف" اليومية نشرت مقالة تحت عنوان "الجنوب الأحمر"، في تشبيه يشير إلى زهرة شقائق النعمان التي تتفتح في جنوب فلسطين المحتلة، ونشرت عنواناً فرعياً يشير إلى مقتل 10 فلسطينيين فقط (من المحتمل أن الصحيفة ذهبت للنشر قبل أن يتم حساب جميع القتلى) وتهديد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن "حماس ستدفع ثمناً باهظاً لسلوكها".
وذكرت "معاريف" أن عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا في الغارات الجوية الإسرائيلية بلغ ثلاثة بينما هم في الحقيقة تسعة، وذكرتهم مرة واحدة في قصة نُشرت في الصفحة الرابعة.
أخيراً، نشرت صحيفة "هآرتس"، التي تتمتع بتوزيع أقل بكثير من "يسرائيل هيوم" أو "يديعوت أحرونوت"، مقطعين عن العدوان على غزة. يظهر الأول في الصفحة الثالثة ويحمل العنوان: عشرات الصواريخ أطلقت على القدس والتجمعات المحيطة بغزة. يستعد الجيش الإسرائيلي لأيام عدة من القتال". وإلى جانب العنوان صورة لصواريخ أطلقت على "إسرائيل".
أما أطفال غزة التسعة الذين قُتلوا فقد ذُكروا مرة واحدة في قصة "هآرتس" في نهاية الفقرة الأولى.
كما نشرت "هآرتس" مقالاً منفصلاً عن 20 شخصاً قتلوا إجمالاً في غزة، مع إشارة مباشرة إلى الأطفال، في الصفحة الخامسة. الصورة المرفقة مع المقالة الثانية مطابقة للصورة المنشورة في "معاريف".
على عكس الصحف الثلاث الأخرى، التي اختارت أن تعرض صوراً لصواريخ تُطلق من غزة، اختار محررو "معاريف" التقاط صورة لغارة جوية إسرائيلية ليلية في قلب ما يبدو أنها منطقة سكنية في قطاع غزة. الانفجار المرعب على شكل قنديل البحر يضيء المباني المحيطة بوهج برتقالي، حيث يتصاعد الدخان من مبنى مجاور يبدو أنه تعرض للقصف قبل لحظات فقط.
وخلص الكاتب إلى القول إنه من خلال تصفح الصحف الإسرائيلية، لا يمكن للواحد سوى إجراء تجربة فكرية قصيرة، عبارة عن مقارنة افتراضية. تخيلوا للحظة مقتل تسعة أطفال يهود إسرائيليين بنيران صواريخ "حماس" في غضون ساعات قليلة. سيفتتح بهذا الخبر في كل برنامج إخباري تلفزيوني، في "إسرائيل" وخارجها. لن يفكر محررو الصحف مرتين في نشر القصة على الصفحة الأولى لكل صحيفة، فكل عنوان سيروي القصة المروعة للأطفال الذين قتلوا بنيران الصواريخ. وسيعرف الإسرائيليون أسماء هؤلاء الأطفال ووجوههم ومخاوفهم وأحلامهم وقصص العائلات التي تركوها وراءهم.
وقال الكاتب: مع ذلك، فإن الأطفال الفلسطينيين الذين قُتلوا يوم الاثنين – من دون سبب سوى ولادتهم في واقع من الحصار والفصل العنصري - ماتوا موتاً مختلفاً عندما التقط الإسرائيليون صحفهم ولم يعرفوا شيئاً عنهم على الإطلاق بخلاف حقيقة أنهم، في لحظة، تحولوا إلى إحصائية مجهولة الهوية.
وأضاف: هذه ليست المرة الأولى التي تدفن فيها الصحف الإسرائيلية أو تمحو قصص الفلسطينيين الذين قتلوا على أيدي الجيش، بمن في ذلك الأطفال. وهي بالتأكيد ليست المرة الأولى التي تصوّر فيها وسائل الإعلام الإسرائيلية مثل هذه التصعيد على أنه "تحريض من الإرهابيين الفلسطينيين"، وليس حملة عنف الدولة التي تشنها "إسرائيل" على الفلسطينيين بما في ذلك في الأسابيع الأخيرة.
واعتبر الكاتب أن هذا الإنكار، الذي يمتد إلى ما هو أبعد من صفحات الصحف الإسرائيلية، له تأثير تراكمي ودائم على النفس الإسرائيلية. وقال إن استخدام وسائل الإعلام التي تقنع الإسرائيليين بأنهم ضحايا دائمون للعدوان الفلسطيني لا يؤدي إلا إلى تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم ، سواء كانوا أمواتاً أو أحياء.
وختم إيدو كونراد بالقول: "يقع على عاتق الصحافيين والمحررين العاملين في وسائل إعلام إسرائيلية ودولية مسؤولية تغيير هذه الرواية. وهذا يعني أن معظم الإسرائيليين سيستمرون في رفض التفكير في عواقب سيطرتهم على حياة الفلسطينيين. إنه يعني، باختصار، المزيد من إراقة الدماء".
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم