"ذا ناشونال انترست": زوال الاستثنائية الأميركية
أفضل شيء يمكن أن تفعله النخبة السياسية للولايات المتحدة والعالم هو إخراج أنفسهم من العمل.
كتب ديفيد برومفيتش مقالة في مجلة "ذا ناشونال انترست" الأميركية قال فيها قبل أن يأخذ تحقيقنا الذاتي الوطني بشأن دونالد ترامب مجراه، سيُطلب منا أن نتذكر مرة أخرى أن العالم موجود. فمن المرجح أن تشمل تعيينات الرئيس المنتخب جو بايدن في وزارات الدفاع والخارجية ومجلس الأمن القومي مزيجاً من ميشيل فلورنوي وجيك سوليفان وآن ماري سلوتر وآخرين من مجموعة العولمة حول بيل وهيلاري كلينتون وباراك أوباما.
وأضاف: يؤمن هؤلاء الأشخاص بصواب عالم تكون فيه الولايات المتحدة في قلبه، وينشرون القوة التجارية، والاتفاقيات التجارية، والإقناع الدبلوماسي، والتحالفات العسكرية في توليفة حكيمة. يتم الاحتفاظ بالتدخل المسلح، ويفضل أن يكون متعدد الأطراف. إنهم يثقون في السياسة العالمية للنيوليبرالية. بالنسبة لهم، كانت رئاسة ترامب، برغم أنها غير متوقعة، مجرد فجوة بغيضة. لم يتوقفوا أبداً عن التخطيط لعودتهم.
لم يدرسوا كارثة فيتنام ولم يتعلموا منها. وكما أوضح غاريث بورتر في كتابه "مخاطر الهيمنة"، فإن تلك الحرب، التي يتذكر العالم فظائعها بوضوح أكثر مما يتذكره الأميركيون، لم تطل بسبب السذاجة المرضية فيما يتعلق بنظرية الدومينو، بل بسبب الخوف البدائي من فقدان ماء الوجه. وقد تم تنفيذها من خلال رئاسات في كلا الحزبين بأقصى قدر من الخداع. وبالمثل امتدت الحرب في أفغانستان إلى ثلاث رئاسات.
ومع ذلك، بالنسبة للمؤسسة الليبرالية الجديدة، فإن أفغانستان في عام 2020 هي إلى حد كبير مثل فيتنام في عام 1971 ولا يجب "التخلي عنها".
وأشاد تقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز ببعض الجنرالات لـ"تلطيف" اندفاع محاولة دونالد ترامب الانسحاب مرة واحدة وإلى الأبد.
لأسباب شخصية يصعب النظر إليها، مثّل ترامب في السياسة الخارجية انفصالاً عن العولمة العسكرية التي تبنتها الولايات المتحدة مع سقوط الاتحاد السوفياتي وظهور عالم أحادي القطب. كان المختبر لهذا النهج هو التدخل في يوغوسلافيا بقيادة بيل كلينتون وتوني بلير. انكشف الجنون في ظل المثالية في قصف العراق وغزوه واحتلاله عام 2003.. والأكثر نسياناً هو الحرب الأهلية الليبية - محاولة الرئيس باراك أوباما الكارثية لإظهار الدعم لـ"الربيع العربي" - مع كل الدمار الذي أحدثه: الحرب الأهلية التي أعقبت ذلك، والهجرات الجماعية المتضخمة من شمال إفريقيا إلى جنوب أوروبا، وفتح أسواق العبيد في ليبيا نفسها. بعد ليبيا جاءت سوريا، التي دعمت فيها الولايات المتحدة فرعاً من فروع القاعدة في قضية إنسانية أخرى. بعد سوريا جاء دعم أوباما وترامب لمحو السعودية لليمن.
لطالما واجهت الولايات المتحدة الخيار الغريب - الخلاصي من كلا الجانبين - لخدمة العالم كدولة نموذجية أو كأمة إنجيلية. كان أفضل رسم للصورة السابقة هو أبراهام لنكولن عندما قال إن اقتراح "كل الرجال خلقوا متساوين" كان المقصود به "مبدأ قياسي للمجتمع الحر".. على النقيض من ذلك، تم تجسيد الصورة الإنجيلية في خطاب تنصيب جون كينيدي البليغ والخطير: "سندفع أي ثمن، نتحمل أي عبء، نواجه أي مشقة، ندعم أي صديق، نعارض أي عدو، من أجل ضمان بقاء ونجاح الحرية".
تعني حكمة لينكولن القياسية قوة مثالنا. تعني مقولة كينيدي قوة أسلحتنا.
دخلت أميركا في حرب باردة جديدة مع روسيا في عامي 2013-2014. بدأت العملية في أولمبياد سوتشي ووقعت في طريق رد الفعل الأميركي على رد الفعل الروسي على الانقلاب في أوكرانيا.
تقرر النخبة النيوليبرالية، في هذه اللحظة، ما إذا كانت ستفضل روسيا أو الصين باعتبارها العدو الأول للولايات المتحدة في الأفق. لكن هل يجب أن يكون لدينا واحد؟
يعلم المواطنون المطلعون اليوم في الولايات المتحدة والصين وروسيا جميعًا أن مثل هذه العودة إلى العادات الراسخة للقوى العظمى القديمة ستكون غير مسؤولة إلى حد كبير. إن أشد المواجهات التي نواجهها الآن هي مع الطبيعة، التي تتمثل في تغيّر المناخ. فإذا كانت الحرائق والفيضانات التي حدثت في السنوات العديدة الماضية، في أستراليا وكاليفورنيا، وفي براغ وهيوستن، ليس لديها ما تقوله لك، فليس من الواضح ما هو الكوكب الذي يمكنك العيش فيه.
أفضل شيء يمكن أن تفعله النخبة السياسية للولايات المتحدة والعالم هو إخراج أنفسهم من العمل، والبدء في سلسلة من الاتفاقيات الدولية للتعاون في إبطاء تقدم تغيّر المناخ، وفي توقع أسوأ آثاره والدفاع عنها. من الناحية العملية، سيتطلب هذا أخلاقيات جديدة للتعاون الدولي، لا حرباً، ولا حتى حرباً تجارية معززة، وليس مع الصين وروسيا، أكثر من أي شيء آخر.
*ديفيد برومفيتش أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة ييل.
ترجمة بتصرف: هيثم مزاحم