"واشنطن بوست": روسيا اخترقت عقول الأميركيين بالتضليل الإعلامي

إن الأساليب الروسية الحالية تختلف اختلافاً كبيراً عن دعاية حقبة الحرب الباردة، وتعمل مع التقنيات السائدة ومنصات التواصل الاجتماعي.

  • الكرملين: تم تبادل وجهات النظر بين بوتين وترامب حول الوضع في سوق النفط العالمية وتطورات كورونا
    ترامب كان معجباً بشدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كتب المعلق الأميركي المعروف فريد زكريا مقالة في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية قال فيها إنه كلما عرفنا المزيد عن الاختراق الأخير لعشرات شبكات الكمبيوتر الأميركية، المنسوب إلى روسيا، كلما أصبح من الواضح أنه هائل وغير مسبوق ومعيق. 

فقد كتب توم بوسرت، الذي عمل مستشاراً للأمن الداخلي للرئيس دونالد ترامب، "أن الأمر سيستغرق سنوات لمعرفة الشبكات التي يسيطر عليها الروس وأيها يشغلونها للتو". 

وأضاف الكاتب: نحن نعلم أنهم نجحوا في اختراق أنظمة وزارة الأمن الداخلي بالإضافة إلى أنظمة الخزانة والتجارة وغيرها. 

ويصف أليكس ستاموس من جامعة ستانفورد عملية الاختراق بأنها "واحدة من أهم حملات القرصنة في التاريخ". 

وشارك ديفيد إي سانغر من صحيفة "نيويورك تايمز"، والذي كتب عدة كتب عن الأسلحة السيبرانية، في كتابة مقال وصف الاختراق بأنه "من بين أعظم الإخفاقات الاستخباراتية في العصر الحديث".

وزعم زكريا أن روسيا بقيادة فلاديمير بوتين قد وسعت بشكل كبير حربها الهجينة، باستخدام أساليب جديدة لنشر الفوضى بين خصومها. وقالت إنه سيتعين على الولايات المتحدة تقوية بنيتها التحتية الرقمية والاستجابة بقوة أكبر للهجمات الإلكترونية المتصاعدة التي يشنها الكرملين. 

وتساءل قائلاً: لكن ماذا عن الجهود الروسية التي قد تكون أكثر مكراً في التضليل الإعلامي، والتي ساعدت في إعادة تشكيل بيئة المعلومات في جميع أنحاء العالم؟

وأجاب الكاتب بالقول: في عام 2016، كتب اثنان من الباحثين في مؤسسة "راند كورب" Rand Corp، ورقة بحثية عن نموذج الدعاية الروسية قالا فيها إن الأساليب الروسية الحالية تختلف اختلافاً كبيراً عن دعاية حقبة الحرب الباردة، وتعمل مع التقنيات السائدة ومنصات التواصل الاجتماعي. فهناك سمتان رئيسيتان لها هما: "عدد كبير من القنوات والرسائل، والاستعداد المخزي لنشر حقائق جزئية أو خيال صريح. إذ لا يوجد جهد في الاتساق أو المصداقية".

وينقل التقرير عن أحد المحللين قوله: "الدعاية الروسية الجديدة تسلي الجمهور وتربكه وتغمره".

وبحسب زكريا، تشبه طريقة روسيا إلى حد كبير استراتيجية الدعاية الخاصة بالرئيس ترامب. إذ يصدر ترامب عاصفة من الرسائل، باستخدام كل وسيلة يمكنه العثور عليها. وعادة ما يكون غير صادق ولكنه دائماً يكون مسلياً. إنه لا يقلق أبداً بشأن الاتساق، ويسأل فقط أنك تتذكر ادعاءاته الأخيرة. فأثناء حملته الانتخابية في عام 2016، جادل ترامب بأن معدل البطالة كان خدعة، وأن الاحتياطي الفيدرالي كان يبقي أسعار الفائدة منخفضة بشكل خطير وأن سوق الأسهم كان فقاعة على وشك الانفجار. وبمجرد دخوله البيت الأبيض، سرعان ما قال أموراً عكس الثلاثة. 

وأضاف الكاتب أنه عن قصد أو عن غير قصد، يستخدم ترامب النموذج الروسي، الذي يقوم على مبدأ إقناع الناس عندما يسمعون نفس الرسالة مرات عدة من مصادر متنوعة، بغض النظر عن مدى انحيازهم. يضيف إلى هذا فهماً بديهياً لكيفية عمل وسائل التواصل الاجتماعي. إذا قدمت ادعاءً شائناً حقاً، فسوف يجذب الانتباه وينتشر على نطاق واسع، ويضمن أن يسمعه الناس بشكل متكرر، ومع مرور الوقت يبدأون في تصديقه. تموت الحقيقة المملة على تويتر، بينما تنتشر الكذبة المثيرة على نطاق واسع ومع مرور الوقت تصبح نصف الحقيقة. 

وقال الكاتب: "لقد اختبرت هذا بنفسي أخيراً. فقد تم تحرير تعليقي بحيث يبدو أنني أقول قريباً من عكس ما كنت عليه بالفعل، مما يضمن بعد ذلك نشره على نطاق واسع.

لقد وضع ترامب معياراً جديداً لأنه ببساطة لا يرى الحقيقة على أنها قيد. وقد يشرح المحافظ المبدئي أن الجمهوريين ليس لديهم بديل لـ"أوباما كير" لأنهم لا يعتقدون أنه يجب مطالبة الحكومة الفيدرالية بضمان الرعاية الصحية كحق. إن طريقة ترامب أسهل، فهو يؤكد ببساطة أن لديه خطة أفضل من "أوباما كير". وأعلن ترامب أنه سيستخدم حق النقض ضد مشروع قانون مخصصات الدفاع، على ما يبدو لأنه يزيل أسماء الكونفدرالية من القواعد العسكرية ولا يلغي المادة 230، وهي قاعدة حول شركات وسائل التواصل الاجتماعي. لكنه قرر أنه سيكون من الأسهل الادعاء بأن "الفائز الأكبر في فاتورة دفاعنا الجديدة هو الصين". في الواقع، سيخلق مشروع القانون في الواقع مبادرة ردع رسمية ضد التوسع الصيني. لكن ترامب يدرك أن الكذبة المثيرة أكثر فاعلية من الحقيقة المعقدة.

وختم زكريا مقالته قائلاً: "ربما أدى الوباء إلى تسريع هذه الاتجاهات نحو المعلومات المضللة. يبدو الأميركيون معزولين اجتماعياً ومنفصلين عن معظم المجتمعات، وأكثر عرضة للنظريات التي تؤكد معتقداتهم الحزبية. والحقيقة الأكثر إثارة للدهشة حول عام 2020 ليست أن ترامب حاول قلب نتائج الانتخابات، فقد توقع الكثير منا أنه سيحاول ذلك. لكن المذهل هو أنه بحسب استطلاعات الرأي، فإن 60 مليون أميركي يصدقون تأكيداته وسلسلة الأكاذيب التي تدعمها. لا تكمن المشكلة فقط في أن روسيا اخترقت أنظمة الكمبيوتر الأميركية، بل يبدو أنها اخترقت عقولنا".

ترجمة بتصرف: الميادين نت