"واشنطن بوست": قد يغادر ترامب البيت الابيض لكن ممكّني السعودية العالميين باقون

يواصل المجتمع الاقتصادي الدولي إعطاء الحياة والشرعية للنظام السعودي. ومن المقرر أن تستضيف السعودية قمة مجموعة العشرين في 21 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري.

  • محمد بن سلمان يقود حفلة القرن للتطبيع المجاني
    محمد بن سلمان استند إلى دعم ترامب لتثبيت شرعيته الداخلية والخارجية.

قالت الكاتبة في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية كارين عطية في مقالة لها إنه في تشرين الثاني / نوفمبر 2017، قال لها الكاتب السعودي المعارض جمال خاشقجي إنه "في السعودية، لا يمكننا اختيار قادتنا. لا يسعنا إلا أن نأمل أن يكونوا جيدين".

وأضافت أنه بعد أقل من عام، قُتل خاشقجي، كاتب العمود المساهم في "واشنطن بوست" على يد عملاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو زعيم لم يختره.

وتابعت الكاتبة أنه طوال فترة صعوده الملطخ بالدماء إلى السلطة ولتوطيدها، وضع محمد بن سلمان آماله في الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره ومستشاره جاريد كوشنر. لكن يوم السبت، كانت الأخبار رسمية: صوتت الولايات المتحدة ضد ترامب، وانتخبت جوزيف بايدن كرئيس 46 للولايات المتحدة.

وقالت عطية: بحسب الحكمة التقليدية، بعد أن أخرج الشعب الأميركي الآن إدارة ترامب من الحكم، يجب أن يرتجف محمد بن سلمان في ثوبه. لكن الحقيقة الأكثر قسوة هي أن الأنظمة التي ساعدت في تمهيد الطريق أمام المسار الحالي للاستبداد في المملكة العربية السعودية لا تزال قائمة إلى حد كبير.

فقد أشار ترامب وكوشنر، منذ بداية إدارة ترامب تقريباً، إلى أن السعودية ستحصل على معاملة خاصة إضافية. يقال إن ترامب تفاخر عندما أصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد: "لقد وضعنا رجلنا في المقدمة" بعد انتزاع السلطة من ابن عمه الأكبر، محمد بن نايف، في عام 2017. كانت السعودية أول دولة سافر إليها ترامب في وقت مبكر في عام 2017، لحدث باهظ وضعه النظام السعودي إذ قيل إنه أنفق ما يصل إلى 68 مليون دولار على القمة. 

سيستمر محمد بن سلمان في القول: "كان ترامب الشخص المناسب في الوقت المناسب" للسعودية. وبحسب ما ورد عرضت الحكومتان السعودية والإماراتية على حملة ترامب المساعدة للفوز في انتخابات 2016، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز. في عام 2018، ورد أن محمد بن سلمان تفاخر بأن كان كوشنر "في جيبه"، وفقاً لموقع إنترسبت.

أثناء تولي ترامب منصبه، اعتقلت السعودية شخصيات ونشطاء وناشطات مؤثرين، بمن في ذلك دعاة حقوق المرأة. كما حاولت خوض حرب متهورة ضد قطر، وفرضت حصاراً عليها. وقيل إن كوشنر قدم نصائح لمحمد بن سلمان حول كيفية تجاوز العاصفة بعد جريمة القتل الشنيعة لجمال خاشقجي، وتباهى ترامب لاحقاً للصحافي الشهير بوب وودوارد بشأن حماية محمد بن سلمان من رقابة الكونغرس.

كان اغتيال جمال شخصياً ومدمراً. لكن الدولة اليمنية بأكملها تعرضت للضرب من قبل السعودية وشركائها في التحالف الخليجي الذي نظم غارات جوية ضدها منذ عام 2015. كانت الولايات المتحدة أحد الموردين الرئيسيين للقنابل للسعوديين في مستنقع من الدماء- حرب لا يمكن الانتصار فيها؛ وقُتل حوالى 13500 مدني يمني نتيجة هذه الهجمات المستهدفة. 

وحتى بعد مقتل جمال، عندما كان الضغط السياسي المتزايد يستهدف الولايات المتحدة لوقف تسليح السعوديين، لم ترفض إدارة ترامب التزحزح فحسب، بل استخدم ترامب أيضاً صفقات الأسلحة وسعر النفط كسبب لتبرير الاستمرار في الانخراط مع السعوديين. 

ورأت الكاتبة أن الوضع سيء للغاية إلى درجة أن المسؤولين الأميركيين قلقون الآن من احتمال تعرضهم للمحاكمة بتهمة جرائم الحرب لمواصلة بيع الأسلحة للسعوديين على الرغم من تزايد عدد القتلى في اليمن.

وبينما كان ترامب على استعداد لتجريد نفسه من أي آداب أخلاقية والتورط مع نظام محمد بن سلمان، إلا أنه، في الواقع، ليس المُمكّن الوحيد للسعودية. ومن المفارقات أن التركيز على ترامب يبدو وكأنه يتجاهل حقيقة أن "مجموعة العشرين" قد استمرت إلى حد كبير في العمل كالمعتاد مع السعودية.

وأضافت الكاتبة: بعد مقتل جمال، تعهدت كندا بتعليق مبيعات الأسلحة للسعودية. لكن هذا الصيف، استأنف جيراننا في الشمال الصفقات، واستنتجوا على ما يبدو أن مقتل أكثر من 13000 يمني لا يساوي عقداً قيمته 14 مليار دولار. لم تقرر بريطانيا استئناف مبيعات الأسلحة إلى السعودية هذا العام فحسب، بل حاولت كذلك الضغط على ألمانيا لفعل الشيء نفسه.

كما يواصل المجتمع الاقتصادي الدولي إعطاء الحياة والشرعية للنظام السعودي. تولت السعودية رئاسة "مجموعة العشرين" هذا العام ومن المقرر أن تستضيف قمة مجموعة العشرين في 21 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري. وعلى الرغم من أن النظام حاول فعلياً حصار كندا دبلوماسياً وترهيبها بسبب سلسلة تغريدات، وسجن وعذب ناشطات، واغتال أحد أبرز أصوات الناشطين، قررت "مجموعة العشرين" تجميل نظام محمد بن سلمان وإلحاقه بالعالم كنموذج مسؤول للحكم.

وقد تعهدت المنظمات غير الحكومية وجماعات الشفافية حول العالم بمقاطعة "مجموعة العشرين" احتجاجاً على سجل السعودية. لكن المملكة بذلت قصارى جهدها في البرمجة والأحداث الجانبية، ودعت بعض كبار المفكرين في العالم للانضمام إلى تطبيق زوم.

استغل الاقتصادي جوزيف ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل وقت التحدث في حدث سعودي الأسبوع الماضي لانتقاد محمد بن سلمان ولفت الانتباه إلى جمال. ومع ذلك، استمرت تمثيلية السعودية في "مجموعة العشرين". ومن المتوقع أن يحضر القمة وزير الخارجية الأميركي المنتهية ولايته مايك بومبيو.

لدى إدارة بايدن فرصة لإعادة العلاقة مع السعودية إلى علاقة تبني المزيد من الضمانات ضد الإفلات من العقاب المتفشي الذي تفاقم في السنوات الخمس الماضية. ولكن طالما استمر المجتمع الدولي في غض الطرف عن أسوأ دوافع المملكة، فإن أيدي الحراس المزعومين للنظام العالمي الليبرالي ملطخة بالدماء أيضاً.

ترجمة بتصرف: الميادين نت