"فورين بوليسي": ما هو التحالف الذي سيشكّل كابوساً للولايات المتحدة؟
صحيفة "فورين بوليسي"، تتحدث عن المجموعات العالمية، ودور الصين في تشكيلها، وتحديداً مجموعة "بريكس"، كما تناولت تأثيرها على الولايات المتحدة ونظام الأحادية القطبية.
أجرت صحيفة "فورين بوليسي" مقابلة مع الأستاذ في جامعة برينستون الأميركية، جيلفورد جون إكينبيري، وهو أحد منظّري العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، حول القمم التي عقدت خلال هذا العام، وعن طبيعة التحالفات المتنافسة في العالم اليوم، وتزايد نفوذها.
أدناه نص المقابلة منقولاً إلى العربية:
إنه موسم القمم في السياسة العالمية. استضافت جاكرتا اجتماع رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) هذا الأسبوع. وتستضيف نيودلهي قمة زعماء مجموعة العشرين. وفي وقت لاحق من هذا الشهر، سيجتمع زعماء العالم في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويأتي كلّ هذا في أعقاب اجتماع مجموعة "بريكس" في جنوب أفريقيا الشهر الماضي، وفي الفترة التي سبقت قمة المناخ "COP-28" في دبي في وقت لاحق من هذا العام.
وبينما تتنافس الولايات المتحدة والصين على النفوذ، شعرت بقية دول العالم بالضغط للانحياز إلى أحد الجانبين، أو تشكيل تحالفات، أو تحقيق أقصى استفادة من الجلوس على الحياد.
جون إيكنبيري: نحن في عالم مجزّأ. من المؤكد أن الوعد بالتقارب بين الاقتصاد العالمي ونظام الأمن العالمي، والذي نتج عن نهاية الحرب الباردة، لم يتحقّق بعد. إن الغزو الروسي لأوكرانيا لم يوحّد العالم، بل دفع المجموعات المختلفة إلى زواياها إلى حد ما. فقد أتاح الفرصة للديمقراطيات الصناعية الغنية في العالم للتقدّم إلى الأمام، ليس فقط لدعم أوكرانيا، بل وأيضاً لإعادة تأكيد أهمية النظام العالمي متعدد الأطراف الذي بنته ورعته هذه البلدان على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية.
إنّ مجموعة السبع هي المكان الذي تولد فيه الليبرالية والأممية الليبرالية من جديد. وهي تؤدي دوراً في بناء التحالفات، ووضع الأجندة، وتقديم الأفكار لأجندة الحوكمة العالمية. وهي من المؤسسات القليلة التي تتمتع بمجموعة من الخصائص المتوافقة مع اللحظة الراهنة، وتمتد عبر المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي. كما أنها غير رسمية، لذا يمكنها التكيّف مع القضايا الجديدة. إنها منظمة تتكوّن من دول ذات تفكير مماثل، وتتمتع بروح القيادة المشتركة. وتُمرّر الراية كل عام إلى عضو آخر يتولى زمام المبادرة في وضع جدول الأعمال. وهذا العام كانت اليابان، وقد قام رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بعمل رائع للغاية في دفع الأجندة والتوصّل إلى الاتفاق.
ما هي بعض إنجازات مجموعة السبع هذا العام؟
كان هناك العديد من النجاحات في جدول أعمال اجتماع مجموعة السبع في هيروشيما. لقد نجح كيشيدا في إقناع التحالف بالتوصل إلى اتفاق صريح وقوي بشأن دعم أوكرانيا، وساعد في جعل هذا الأمر ليس مجرد التزام أوروبي أو عبر الأطلسي فحسب، بل وأيضاً شيئاً من شأنه أن يجلب ديمقراطيات صناعية أخرى ودولاً أخرى خارج أوروبا، وهذا له أهمية رمزية وحقيقية.
ثانياً، كيشيدا دعا دولاً أخرى لحضور قمة مجموعة السبع، بما في ذلك زعيم كوريا الجنوبية، يون سوك يول. وهدف من ذلك توفير مناسبة، لإجراء حديث مع الرئيس الأميركي جو بايدن، ويون عن تعزيز علاقتهما الثلاثية، التي كانت دائماً حلقة ضعيفة في شرق آسيا. كل هذه الديمقراطيات ذات المصالح والقيم المشتركة تواجه جميعها منطقة جيوسياسية صعبة، ولكنها لا تجري محادثات بين بعضها البعض. ومن خلال مجموعة السبع، تمكّنت من تشكيل مستويات جديدة من الثقة، وقد وضعوا أجندة للعمل معاً، وتحديداً بين سيول وطوكيو.
ومن الدروس المهمة الأخرى التي تعلّمناها من قمة السبع هيروشيما، هي تحرّك إدارة بايدن لإيجاد أرضية مشتركة بشأن أجندتها التجارية والتكنولوجية، والتي تتضمن تشديد القيود على التكنولوجيا المتطورة والاستثمار في الصين. إذا كان للولايات المتحدة أن تنجح في بناء "ساحة صغيرة وسياج عالٍ"، كما قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وفي حماية تقنيات معيّنة في هذه البلدان، فلا بدّ أن يتم ذلك بالتعاون معاً. ولا يزال هذا العمل قيد التقدّم، ولكن تم دفعه إلى الأمام من قبل مجموعة السبع.
ما هو دور الصين كقوة صاعدة وكيف ساهم ذلك في تشكيل انتشار مجموعات مثل مجموعة السبع والرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، و"أوكوس" (أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، و"بريكس"؟ وهل يصبح تشكيل هذه المجموعات متعلقاً نوعاً ما بالمنافسة بين الولايات المتحدة والصين؟
تحتل الصين مكانة كبيرة في هذه المناقشة، وتحديداً فيما يتعلق بالتحالفات الناشئة والآليات المؤسسية للحكم. وهناك أهمية لكل من التعاون والمنافسة، وأنا على قناعة بأنّ العالم قادر على القيام بالأمرين معاً. هناك هيئات عالمية سوف تستمر في الجمع بين الصين والولايات المتحدة، مثل مجموعة العشرين. ورغم أنها لم تكن هيئة ناجحة كما تصوّر كثيرون، لكنّها تعد المكان الذي تجري فيه المحادثات بين الشمال والجنوب والشرق مقابل الغرب.
في نهاية هذا الأسبوع، هناك اجتماع لمجموعة العشرين تستضيفه نيودلهي. وبينما لن يحضر الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن بايدن سيكون حاضراً، وهناك فرصة حقيقية للنظر إلى المصالح الأوسع. وبعد ذلك، في تشرين الثاني/نوفمبر، سيكون هناك اجتماع لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في سان فرانسيسكو، وقد يكون هذا هو المكان التالي الذي يلتقي فيه بايدن وشي. وفي هذا النوع من العالم متعدّد الطبقات، سنرى الكثير من المنصات المختلفة حيث تجتمع مجموعات مختلفة معاً لأغراض مختلفة.
ما هو رأيك في النفوذ المتزايد للدول المتأرجحة مثل الهند؟
في أعقاب أزمة في أوكرانيا، تم إنشاء نظام من ثلاثة عوالم، حيث هناك الغرب العالمي، وليس الغرب الجغرافي فحسب، وهذه المجموعة الأكبر القائمة على القيم والمصالح والتقاليد؛ والشرق العالمي، وهو روسيا والصين؛ والجنوب العالمي، وهو العالم المتأرجح، والجزء الذي لا يلتزم بتحالفات أو أيديولوجية مع الشرق أو الغرب.
هناك طريقة يتنافس فيها الشرق العالمي والغرب العالمي على هذه الدول المتأرجحة، مع العلم أنّهما لن يُدخلاها بالكامل في مدارهما. إنّ الجنوب العالمي لديه فرصة حقيقية للمشاركة في هذه المناقشات حول الحقبة المقبلة من الحكم، والموقف المتأرجح لهذه الدول يمنحها نفوذاً متزايداً. كما أنه يساعد على إعادة الأمم المتحدة إلى الصورة لأن الجمعية العامة، التي كان يُنظر إليها دائماً على أنها منطقة جيوسياسية منعزلة عن عواصم القوى العظمى، لديها دور جديد.
كيف تنظر إلى مجموعة "بريكس" وتحرّكها الأخير للتوسّع ليشمل دولاً مثل إيران؟
"بريكس" مجموعة مهمة رمزياً، تحرّكها أجندات مختلفة، وتعد محاولة لجلب أصوات من خارج الغرب إلى طاولة المفاوضات. هناك جهد حقيقي لتوفير جبهة مشتركة للدفع باتجاه نظام عالمي ما بعد الغرب. إنه نقد للهيمنة الغربية. هناك الكثير من الخلافات المختلفة داخل هذه المجموعة، ومع تزايد حجم المجموعة، ستنمو هذه الخلافات وتجعل من الصعب تحديد رؤية لها.
ما هو التحالف الكابوس للولايات المتحدة؟ كيف سيكون التحالف الكابوس في الصين؟
بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها، سيكون التحالف الكابوس هو أن يتجه الجنوب العالمي، وخصوصاً الهند، نحو الصين ويعزز شكل كتلة من النظام من شأنه أن يترك الغرب في الخارج. وقد يصبح التحالف كابوساً إذا التقت هذه التجمعات على النحو الذي يجعل الغرب نظاماً أصغر حجماً وأقل عالمية.
بالنسبة للصين، سيكون الكابوس هو العكس، في حال حدث انفصال حاد عن الدول التي كانت تاريخياً، على الأقل من وجهة نظر بكين، جزءاً من تحالفها.
لن نصل إلى أي من هذه الكوابيس في أي وقت قريب، لأن هناك استقراراً لدى الكثير من دول العالم التي ترغب في البقاء على الحياد، وإبقاء خياراتها مفتوحة، وإقامة علاقات جيدة مع كل من الصين والولايات المتحدة.