"بلومبرغ": سقوط إمبراطورية النفط الخليجية يلوح في الأفق

انخفض صافي الأصول المالية التي تمتلكها دول الخليج الست بنحو نصف تريليون دولار، وفقاً لدراسة أجراها صندوق النقد الدولي الشهر الماضي. وحتى إذا لم تصل ذروة الطلب على النفط حتى عام 2040، فيمكن استنفاد التلريليونين المتبقيين بحلول عام 2034.

  • "بلومبرغ": سقوط إمبراطورية النفط الخليجية يلوح في الأفق
    أغرقت دول الخليج سوق النفط برغم انخفاض الطلب العالمي عليه بسبب انتشار فيروس كورونا.

كتب ديفيد فيكلينغ، وهو كاتب عمود في موقع "بلومبرغ" الاقتصادي الأميركي، تحليلاً في الموقع رأى فيه أن بالنسبة لجزء كبير من العالم، تعد الثروة النفطية لعنة. فهنالك دول حظيت باحتياطيات وفيرة من الهيدروكربونات (النفط والغاز)، مثل نيجيريا وأنغولا وكازاخستان والمكسيك وفنزويلا، لكنها أفسدت هذه النعم.

ويضيف أنه فقط في دول الخليج العربية كان النفط نعمة لبناء الدولة. إن اكتشافات البترول في أواسط القرن العشرين حولت منطقة فوضوية وشديدة الفقر إلى واحدة من أكثر الأماكن ثراء على ظهر هذا الكوكب. فقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة هي أغنى من سويسرا. حتى السعودية والبحرين وعُمان هي على قدم المساواة مع اليابان أو المملكة المتحدة. 

كان التحول كاملاً إلى درجة أن من السهل تصديق أن الثروة مستمدة من قانون أبدي للطبيعة. هذا ليس صحيحاً على أية حال، يقول الكاتب. إن حرب الأسعار الحالية في أسواق النفط ستعجل فقط اللحظة التي تواجه فيها الطبيعة غير المستدامة لاقتصادات الخليج تواجه يوم حساب قاس.

فحالياً، ستنضم الدول الخليجية الست إلى روسيا لفتح الصنابير لإغراق سوق النفط الخام وطرد المنتجين ذوي التكلفة الأعلى في إشارة إلى النفط الصخري الأميركي. في حين أن الزيادة المخطط لها يومياً من السعودية، 2.5 مليون برميل، هي إلى حد بعيد أكبر موجة في هذا التسونامي، فإن جيرانها بدورهم لا يتراجعون. فدولة الإمارات ستضيف يوميا حوالى 200 ألف برميل أو أكثر، وفقاً لشركة الاستشارات "ريستاد إنرجي"، في حين سترفع الكويت الإنتاج بمقدار 110 آلاف برميل. بينما سترفع روسيا الإنتاج اليومي بمقدار 200 ألف برميل.

ويرى الكاتب أن هذا التزايد في العرض لا يعود إلى الجغرافيا السياسية، بل هو نتيجة حسابية رياضية لانخفاض سعر النفط. فمع وصول عدد أقل من الدولارات لكل برميل من النفط الخام، تحتاج دول الخليج إلى ضخ المزيد من النفط للحفاظ على إيرادات توازي الإيرادات الحالية.

من حيث المبدأ، هناك قوة نيران كافية لخوض هذه الحرب. فضخ برميل نفط من حقل نفط في الخليج يكلف نفس تكلفة شراء زجاجة من المياه المعدنية الفاخرة. حتى في سيناريو متطرف حيث تنخفض أسعار النفط الخام إلى مستوى 10 دولارات للبرميل وتخسر صناعة النفط العالمية بأكملها تقريباً الأموال، سيظل المنتجون الخليجيون في وضع صعب. 

وأوضح المحلل الاقتصادي أن المشكلة، كما كتب الأسبوع الماضي، تواجه اقتصاداتها، التي تحتاج إلى سعر أعلى بكثير كي توازن ميزانياتها ودعم العملات المرتبطة بالدولار. فقد جمعت البنوك المركزية في المنطقة وصناديق الثروة السيادية مبالغ هائلة للاستفادة منها خلال مثل هذه الأزمة، بالإضافة إلى مخاطر انخفاض الطلب على المدى الطويل. وفي مواجهة انخفاض الأسعار، يمكن أن تتآكل هذه الاحتياطات المالية بسرعة.

فعلى سبيل المثال، فإن صافي الأصول المالية التي تحتفظ بها حكومة السعودية - احتياطيات البنك المركزي، بالإضافة إلى أصول صندوق الثروة السيادية، ناقص الدين الحكومي، انخفضت إلى 0.1٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي من 50٪ على مدى السنوات الأربع حتى عام 2018 حيث انخفض الخام من مستويات حوالى 100 دولار للبرميل في نهاية عام 2014. والآن يُرجح أن تكون المملكة مدينة في المستقبل المنظور، حتى لو ارتفعت الأسعار فوق 80 دولاراً.

وعلى مدى السنوات الأربع نفسها بين عامي 2014 و2018، انخفض صافي الأصول المالية التي تمتلكها دول الخليج الست بنحو نصف تريليون دولار، من 2.5 تريليون إلى حوالى 2 تريليون دولار، وفقاً لدراسة أجراها صندوق النقد الدولي الشهر الماضي. وحتى إذا لم تصل ذروة الطلب على النفط حتى عام 2040، فيمكن استنفاد هذا المبلغ المتبقي بحلول عام 2034، وفقاً للصندوق نفسه. 

ويخلص المحلل إلى أن بقاء سعر برميل النفط عند 20 دولاراً سيعمل على انخفاض هذه الأصول المالية الخليجية بشكل أسرع، مما يؤدي إلى إفراغ الخزائن بحلول عام 2027. 

وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي العام الماضي، فإنه مع انخفاض أسعار النفط بين 50 و55 دولاراً للبرميل، ستنخفض الاحتياطيات المالية الدولية للمملكة العربية السعودية إلى حوالى خمسة أشهر فقط من تغطية الواردات في أقرب وقت عام 2024. 

ويرى الكاتب أن ذلك يجب أن يكون احتمالاً منذراً جداً، حيث يجعل المملكة في غضون أشهر في خضم أزمة ميزان مدفوعات لا يمكن تصورها وطرح التخلي عن ربط عملتها بالدولار، والتي دعمت تجارة النفط العالمية على مدى جيل. ومع ذلك، فإن الأسعار التي نراها الآن تجعل هذا يبدو تقريباً وكأنه سيناريو متفائل. إذ لا يزال هناك وقت لتجنب هذا المستقبل، ولكنه سيشمل تغييرات كبيرة في أفكارنا حول الخليج ودوره في الاقتصاد العالمي.

فقد قامت الحكومات في منطقة الخليج بتخفيضات الميزانية المفرغة في أعقاب انخفاض أسعار النفط في عام 2014، وألغت الدعم وفرضت ضرائب المبيعات بطريقة تسببت في تآكل حواف الدول الرعوية الفخمة. فإذا تراجعت موازنات هذه الدول إلى مرحلة أدنى، فسيكون هناك ضغط لإضافة المزيد من الضرائب وتقليص عدد موظفي الخدمات المدنية المتضخم. لن يكون أي من الأمرين شعبياً لدى المواطنين الذين لم يُسمح لهم مطلقاً بالتصويت الديمقراطي.

إن الإنفاق الدفاعي والأمني ​​الهائل، الذي يمثل ما يقرب من ثلث ميزانية السعودية، قد يضطر إلى الانكماش.

فالعصر الذي كانت فيه دول الخليج وصناديقها السيادية آلات نقدية سحرية مستعدة لدفع السعر الأعلى لشراء الأصول في كل قارة قد يقترب من نهايته. فقد تضطر هذه الدول إلى بيع هذه الأصول، وسيؤثر ذلك على مؤسسات أميركية من وزارة الخزانة، حيث تحتفظ السعودية بنحو 183 مليار دولار من الأوراق المالية؛ إلى شركة "سوفتبنك غروب كورب Softbank Group Corp ، والتي قد تجد الرياض شريكا أقل سخاء لتمويل الرؤى الواسعة لإبن ماسايوشي.

ويختم الكاتب قائلاً إن الملكيات الخليجية قد عامت على موجات هائلة من الثروة على مدى نصف القرن الماضي أو نحو ذلك، لكن كل موجة تنكسر في النهاية. فلن ترى الأجيال القادمة مرة أخرى الثروة التي يتمتع بها الجيل الحالي. وربما لم يسلم الخليج من لعنة النفط بعد كل شيء، بل تم تأجيل تلك اللحظة فقط.

ترجمة: الميادين نت