"بلومبرغ": الاقتصاد العالمي يدخل حقبة من الاضطراب
تقرير في وكالة "بلومبرغ" الأميركية يقول إنّ التوترات التي ظهرت بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عملت على تحويل الاستثمارات إلى البلدان ذات التفكير المماثل، في علامة على أن الشركات أصبحت تخوض مراهنات جيوسياسية.
تحدث موقع بلومبرغ الأميركي في مقال مشترك للكتاب شون دونان وإندا كوران، مايفا كوزين، عن الدور المستجد للجيوبوليتيك (الجغرافيا السياسية) في تحويل الاستثمارات إلى الدول ذات الخيارات الجيوسياسية المماثلة للدول التي تنتمي لها الشركات الأصل، في مؤشر على الأدوار التي أصبحت الشركات تلعبها إلى جانب دولها، وخوضها مغامرات جيوسياسية بعد أن كانت حساباتها سابقاً تعتمد (على الأقل ظاهرياً) على أسس اقتصادية بحتة.
فيما يلي النص منقولاً إلى العربية:
تعمل التوترات التي ظهرت بين الولايات المتحدة والصين،إضافة إلى الحرب في أوكرانيا، على تحويل الاستثمارات إلى البلدان ذات التفكير المماثل، في علامة على أن الشركات أصبحت تخوض مراهنات جيوسياسية.
كلمة واحدة ظهرت بشكل متزايد في مكالمات الأرباح وفي ملفات بعض أكبر الشركات في العالم، من عمالقة وول ستريت إلى عمالقة المستهلكين مثل شركة كوكا كولا، وحتى تسلا، هي "الجيوبوليتيك".
استخدم الرؤساء التنفيذيون ومعاونوهم كلمة "الجيوبوليتيك" (الجغرافيا السياسية) قرابة 12000 مرة في عام 2023، أو ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما فعلوه قبل عامين فقط.
وظهرت أدلة دامغة على أن كل النقاشات الدائرة بخصوص العلاقات الدولية المتوترة، وأكثر من عقد من التحذيرات بشأن نهاية عصر العولمة، تعمل أخيراً على دفع الشركات إلى الانحياز إلى جانب رؤوس أموالها.
الشركات الغربية متعددة الجنسيات، والتي تجنبت لسنوات طويلة مسألة الفرز المبنى على أسس "الجيوبوليتيك" من أجل تحقيق الأرباح، في الأسواق الأقل نضجاً، تعمل اليوم، على نحو متزايد، في بناء مصانعها المستقبلية في الدول ذات التفكير المماثل.
يشير تحليل بلومبرغ إيكونوميكس لبيانات الاستثمار الأجنبي المباشر للأمم المتحدة، إلى عالم يعيد تنظيم نفسه في كتل متنافسة، رغم أنها لا تزال مرتبطة.
نظام اقتصادي جديد تتم صياغته
ووجد التحليل أنه من بين 1.2 تريليون دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر في المجالات الجديدة المستثمرة في عام 2022، تحول ما يقرب من 180 مليار دولار عبر الكتل الجيوسياسية من البلدان التي رفضت إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إلى البلدان التي أدانتها.
يقول يو هان كو، وزير التجارة الكوري الجنوبي السابق، الذي يرى أن العالم يدخل عصر الاضطرابات: "هذا تغيير تاريخي، نظام اقتصادي جديد تتم صياغته الآن، وهذا من شأنه أن يسبب عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ".
إن مسرّعات هذا التحول واضحة، تضغط الحكومات التي تعاني من الجائحة على الشركات لوضع المصالح الوطنية في الاعتبار، وتقديم الإعانات والحوافز الأخرى، كمحفز لإعادة الإنتاج إلى الوطن.
فكانت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والمنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، سبباً في التعجيل بنهاية نموذج ما بعد الحرب الباردة الهش، الذي شهد ازدهار التجارة والعولمة.
وفي لغة مباشرة غير معتادة، أعلنت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد في وقت سابق من هذا العام، "أننا نشهد تجزئة الاقتصاد العالمي إلى كتل متنافسة، حيث تحاول كل كتلة تقريب أكبر قدر ممكن من بقية العالم من مصالحها الاستراتيجية، وقيمها المشتركة".
سبب وجيه للقلق
قدّر الاقتصاديون في صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا العام أنه خلال السيناريوهات الأكثر تطرفاً، التي ينقسم فيها الاقتصاد العالمي إلى كتل صلبة، يتوقع أن يُسحق ما يصل إلى 7% من الناتج العام على المدى الطويل، وهو تحول يعادل محو اقتصادات فرنسا وألمانيا.
وأعلن خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا العام أن تدفقات الاستثمار والسلع لم تعد تتبع المسارات المعتادة.
وبينما كان الوعد بالأسواق الجديدة المربحة هو السائد ذات يوم، وجدت نظرة صندوق النقد الدولي لبيانات عقدين من الزمن، أن دور الجيوبوليتيك لعب دوراً متسارعاً في دفع تدفقات رأس المال في السنوات الأخيرة.
وتكمن وراء هذا التغيير الأهمية المتزايدة في قرارات الاستثمار لما أطلق عليه خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي وآخرون "المسافة الجيوسياسية".
وباستخدام مؤشر مبني على سبعة عقود من تصويتات الأمم المتحدة، وجد الاقتصاديون في صندوق النقد الدولي أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأخيرة أصبحت أكثر احتمالاً للذهاب إلى البلدان المتحالفة جيوسياسياً بدلاً حتى من تلك القريبة جغرافياً.