"ذا كونفرزيشن": لماذا تلجأ الإمارات إلى الخيار النووي؟
إن انتشار المواد المشعة في البيئة البحرية بعد حادث أو حادث متعمد في مفاعل البركة ستكون له عواقب تلوث كبيرة على تحلية المياه ومياه الشرب في المنطقة.
كتب الباحث في معهد الطاقة في جامعة كاليفورنيا مقالة في صحيفة "ذا كونفرزيشن" الأميركية تناول فيها المفاعلات الأربعة التي تبنيها دولة الإمارات العربية المتحدة في موقع البركة مشككاً بجدواها الاقتصادية ومستوى الأمان فيها خصوصاً في حال تعرضت لحادث أو هجوم عسكري. والآتي ترجمة أبرز ما جاء في المقالة:
تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة ببناء أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، وقادرة على توليد 700 ميغاوات. خلال النهار، ستوفر الطاقة الشمسية الكهرباء الرخيصة، وفي الليل ستستخدم الإمارات الحرارة الشمسية المخزنة لتوليد الكهرباء.
ولكن في الوقت نفسه، توشك أربعة مفاعلات نووية على الاستكمال في دولة الإمارات، التي بنتها شركة الطاقة الكهربائية الكورية الجنوبية، كيبكو. محطة الطاقة النووية تسمى "البركة".
إن استثمار الإمارات في هذه المفاعلات النووية الأربعة ينطوي على خطر زعزعة الاستقرار في منطقة الخليج المضطربة، والإضرار بالبيئة وزيادة إمكانية الانتشار النووي.
يظل العقد النووي الإماراتي هو أمر التصدير الوحيد لكوريا الجنوبية، على الرغم من محاولات "كيبكو" للفوز بعقود في ليتوانيا وتركيا وفيتنام والمملكة المتحدة.
تقع محطة البركة، التي بدأ تشييدها في عام 2011، في المنطقة الغربية من إمارة أبو ظبي على الساحل.
وعلى الرغم من تطور تصميم المفاعل النووي مع الوقت، لكن لم يتم تضمين ميزات السلامة الرئيسية فيه. وهذا مهم، لأن هذه المفاعلات قد لا تكون قادرة على الدفاع ضد أي حادث عرضي أو متعمد لسقوط طائرة، أو هجوم عسكري.
ومما يثير القلق بشكل خاص هو عدم وجود "الماسك الأساسي" الذي، إذا فشل نظام تبريد قلب مفاعل الطوارئ، يعمل على الاحتفاظ بالوقود النووي الساخن إذا اختُرق وعاء ضغط المفاعل. (الماسك الأساسي core-catcher هو جهاز يتم توفيره لالتقاط المواد الأساسية المنصهرة (كوريوم) للمفاعل النووي في حالة الانصهار النووي ومنعه من الهروب من مبنى الاحتواء).
كل هذا معقد أكثر بسبب تزوير واسع النطاق لوثائق "كيبكو" لمراقبة الجودة، والتي أدت إلى تحقيق جنائي بعيد المدى وإدانات في عام 2013.
إن الوضع الجيوسياسي الإستراتيجي المتوتر في الخليج يجعل البناء النووي المدني الجديد في المنطقة أكثر إثارة للجدل من أي مكان آخر، حيث يمكن أن يعني ذلك تحركاً نحو امتلاك أسلحة نووية، كما أظهرت التجربة مع إيران.
في أعقاب الضربات العسكرية ضد مصافي النفط السعودية في أواخر عام 2019، أصبحت سلامة الطاقة النووية في المنطقة تدور حول قضية الأمن الأوسع نطاقاً. هذا هو الحال بصفة خاصة لأن بعض الجماعات المسلحة قد تنظر إلى العمليات العسكرية لدولة الإمارات في اليمن كسبب لاستهداف المنشآت النووية، أو اعتراض نقل وقود اليورانيوم المخصب أو نقل النفايات النووية.
إن مثل هذا التأثير الخارج عن السياسة الخارجية - والسياسة بشكل عام - سيتوافق بشكل متزايد مع اعتبارات الأمان النووي في المنطقة.
ربما من المقلق، أن المقاتلين اليمنيين يزعمون بالفعل أنهم أطلقوا صاروخاً على موقع محطة البركة للطاقة النووية في عام 2017. رغم أن الإمارات نفت هذا الادعاء، قائلة إن لديها نظام دفاع جوي قادر على التعامل مع أي تهديد، فإن حماية مفاعل البركة لن تكون مهمة سهلة.
قد يكون الوقت اللازم لتدافع الطائرات المقاتلة أو إطلاق صواريخ أرض جو محدوداً، كما تشير الهجمات في السعودية. ليس ذلك فحسب، بل إن الزيادة في نقل المواد المشعة إلى الخليج وعبره بمجرد بدء تشغيل المفاعلات في مفاعل البركة ستشكل، لسوء الحظ، خطراً بحرياً كبيراً.
يعد الخليج أحد أكثر المناطق الشحيحة بالمياه في العالم، وتعتمد دول الخليج على تحلية المياه. إن انتشار المواد المشعة في البيئة البحرية بعد حادث أو حادث متعمد في مفاعل البركة ستكون له عواقب تلوث كبيرة على تحلية المياه ومياه الشرب في المنطقة.
وساحل الإمارات العربية المتحدة هو بيئة معرضة للخطر، وهو أمر بالغ الأهمية لمجموعة كبيرة للغاية من الحياة البحرية. إذ تنمو البيئات الواسعة لشجرة المانغروف في الرواسب الناعمة والسهول الطينية الساحلية، وهي ملحوظة لقدرتها على عزل النشاط الإشعاعي. فهي تعمل كـ"بالوعة" وتقوم بتركيز النشاط الإشعاعي مع مرور الوقت، لذا فإن التفريغ النووي التشغيلي العادي من البركة سيؤدي حتماً إلى استنشاق الإنسان وابتلاعه.
يتصاعد النقاش حول الطاقة النووية والمناخ، حيث يشير بعض العلماء إلى منشآت نووية جديدة يمكن أن تساعد. ومع ذلك، فقد وجد الفريق الدولي المعني بتغير المناخ أخيراً أن الارتفاع الشديد في مستوى سطح البحر سيزيد بشكل كبير، سواء تم كبح الانبعاثات أم لا. ستكون جميع المنشآت النووية الساحلية، بما في ذلك موقع البركة، أكثر عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر وضرب العواصف والفيضان في المفاعلات ومخازن الوقود المستهلك. إن التقييم البيئي الحكومي لدولة الإمارات لتأثير الانحباس الحراري العالمي على موقع البركة جلي نتيجة غيابه.
نظراً لعدم تكافؤ جميع خيارات سياسة الطاقة، لم تكن قضية الطاقة النووية في الشرق الأوسط قوية على الإطلاق. في حين أن انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتحسين في التكنولوجيا المتجددة يعد أحد التفسيرات للارتفاع العالمي الديناميكي في الطاقة المتجددة والهبوط في الطاقة النووية الجديدة - يبدو أن الدافع الرئيسي هو انخفاض تكاليف الأول والتكاليف المتزايدة للأخيرة.
لذا، من الغريب أن الإمارات العربية المتحدة قد خصصت موارد كبيرة للطاقة النووية، بينما توجد لديها بالفعل خيارات أخرى قابلة للتطبيق. ونظراً لأن الطاقة النووية الجديدة تبدو غير ذات جدوى اقتصادية في الخليج، الذي يمتلك بعضاً من أفضل موارد الطاقة الشمسية في العالم، فقد تكون طبيعة اهتمام الإمارة بالطاقة النووية مخفية في مرمى البصر – أي امتلاك الأسلحة النووية.
*بول دورمان، باحث أول فخري في معهد الطاقة، جامعة كاليفورنيا.
ترجمة: الميادين نت