خطة ترامب "صفقة قرن" أم صفقة مغشوشة؟
يطرح موقع صحيفة "كانديان جويش نيوز" مجموعة من القضايا الجوهرية حول بنود وخفايا خطة ترامب على كل من خبيرين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
هل الخطة، أو ما يسمى بـ"صفقة القرن"، التي اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستطبق على أرض الواقع، أم أنها ستكون طي النسيان خلال فترة قصيرة؟
يطرح موقع صحيفة "كانديان جويش نيوز" مجموعة من القضايا الجوهرية حول بنود وخفايا خطة ترامب على كل من خبيرين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهما ستيفان عمار وهو كاتب وصحفي عبري وايمانويل نافون وهو باحث وأستاذ علوم سياسية بجامعة تل أبيب في فلسطين المحتلة.
صفقة قرن أم صفقة مغشوشة؟
ستيفان عمار: الخطة بوابة مفتوحة لضم "إسرائيل" للمستوطنات في الضفة الغربية، السفير ديفيد فريدمان صرّح بذلك قبل أيام من الإعلان عنها، داعياً إلى البدء الفوري بضمّ جزء من أراضي الضفة الغربية. الضم الجزئي يعني الضم الكلي، إنها عملية معقدة ورهينة الاستحقاقات الانتخابية والتيار السياسي الذي سيحكم "إسرائيل"، ديناميكية هذه العملية تحتاج إلى ما يسمى بـ"القوة الخشنة"، أي عاملين أساسيين وهما الديمغرافيا والقوة العسكرية، و"إسرائيل" متفوّقة فيهما.
ايمانويل نافون: وسائل الإعلام الأوروبية عموماً حاولت تشويه محتوى خطة ترامب. وفي الحقيقة هذه الخطة لا تختلف كثيراً مع الخطط التي قدمتها الإدارات الأميركية السابقة، والاختلاف الرئيسي هو بمساحة ضم الأراضي لكلا الطرفين، وأصر على كلمة (كل منهما) لأن منتقدي "إسرائيل" يزعمون أنها فقط من سيضم أراضي الفلسطينيين، بينما الوثيقة تمنح للطرفين مساحة الأراضي نفسها.
تغييب فلسطين خلال اعلان الخطة!
ستيفان عمار: "خطة السلام" هي تلاعب باللغة، لا يمكن الحديث عن خطة أو عقد للسلام مع أنفسنا، يجب أن يكون هناك طرف آخر مقابل لنا، والاعلان عن هذه الخطة ليس في الحقيقة سوى ضوء أخضر من ترامب ومن خلاله الإنجيليين الأميركيين لبنيامين نتانياهو، لتوسيع بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة.
ايمانويل نافون: ترامب دعا الفلسطينيين إلى واشنطن لحضور الإعلان عن خطته، لكن محمود عباس يرفض الرد على اتصالاته منذ نقل السفارة الأميركية إلى القدس. عباس يرى أن من أعد الخطة هما اليهوديان جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، ولذلك جاءت وفق أهواء "إسرائيل". القادة الفلسطينيون رفضوا الخطة حتى قبل الإعلان عنها، رغم أن محتواها في صالح الشعب الفلسطيني، فهي تمنحهم 50 مليار دولارا وفرصة لإقامة دولة. صحيح أنها لن تكون بالشكل الحالي، أي في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنها ستكون بالمساحة نفسها!
"الأرض الفلسطينية" في خطة ترامب!
ستيفان عمار: هذه الخطة ستمنح 14 % للفلسطينيين من أرضهم التاريخية، وشعورهم بالإهانة ليس مستغرباً، لم نقدم لهم سوى الفتات بسيادة محدودة جداً، الفلسطينيون الذين يعيشون ظروف الاحتلال يومياً والذين يرون بأم أعينهم المستوطنات الممتدة، يدركون جيداً أن المسار التاريخي وديناميكية توازن القوى لا يتجه نحو بناء دولة فلسطينية مستقلة، بل على العكس، باتوا متيقنين أن "إسرائيل" ستحتلّ الضفّة الغربية كاملة. ما يجري هو "جنازة" للدولة الفلسطينية.
ايمانويل نافون: "إسرائيل" ستضم 20% أو 30% من أراضي الضفة الغربيةـ بينما يحصل الفلسطينيون على أراضي من داخل "دولة إسرائيل" كتعويض، منها أجزاء في جنوب الخط الأخضر وغرب البحر الميت وأرضين جنوب قطاع غزة بين الحدود مع "إسرائيل" ومصر، لكن الفلسطينيين يرفضون ذلك، بالرغم من قرار مجلس الأمن 242 الذي لا يلزم "إسرائيل" بالانسحاب إلى خطوط ما قبل 1967.
رد العربي "معتدل" والأوروبي "مهادن"!
ستيفان عمار: الدول العربية وخاصة السعودية رحبت بخطة ترامب، وهذا كان بمثابة ترخيص للإدارة الأميركية، أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فالردود إيجابية، حتى ايمانويل ماكرون الذي يعتبر "مناصراً" للفلسطينيين، طلب وقتاً لدراسة الخطة بتأني.
ايمانويل نافون: رد فعل العالم العربي يشبه إلى حد كبير ردة فعله على توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، المحور "الشيعي" وتركيا يعارضون الخطة بينما الدول الخليجية ومصر ترحب بها، المستغرب أن صناع الرأي والاعلام في الغرب يعارضون وبشدة الخطة، بينما قادتهم وافقوا عليها باستخدامهم عبارة "دراسة بنودها بعناية"!
غموض حول القدس!
ستيفان عمار: خطة ترامب متضاربة بشأن القدس، فهي تعد الإسرائيليين بأن تبقى القدس عاصمة لهم غير مجزأة، وفي الوقت نفسه تعد الفلسطينيين بإمكانية إنشاء عاصمة لهم في القدس الشرقية، وهذا موقف غير منطقي.
"أبو ديس" عاصمة للقدس!
ستيفان عمار: بالنسبة للفلسطينيين أبو ديس هي قرية نائية لا علاقة لها بالقدس، إنهم يريدون القدس عاصمة لهم مثل اليهود، الخطة طرحت عدة مسائل بصيغتين، كما تم طرح أفكار حلول غير ناضجة. الخطة عبارة عن باب مفتوح لتضم "إسرائيل" جزءاً من الأراضي الفلسطينية، والهدف النهائي هو توحيد كل الأراضي بين البحر ونهر الأردن.
ايمانويل نافون: وضع القدس في الخطة واضح، القدس ستبقى عاصمة غير مجزأة لإسرائيل داخل حدود 1967، أما أجزاء من المدينة في شرق أو شمال الجدار الأمني فستكون للفلسطينيين مع إنشاء مقر للعاصمة الفلسطينية، هذا وستقيم الولايات المتحدة فيها سفارتها!
الجديد في خطة ترامب
نافون: لأول مرة تقترح واشنطن خطة تتحدث عن وجود لاجئين فلسطينيين ويهود عام 1948، ففي يوم إعلان عن دولة إسرائيل، طرد مليون يهودي من دول عربية، إن حق العودة الذي يطالب به الفلسطينيون مجرد "وهم"، ومع ذلك سيتم تعويض الفلسطينيين واليهود بهذا الخصوص.
نهاية "حل الدولتين"
ستيفان عمار: حل الدولتين هو النهاية الفعلية لهذه المهزلة الكئيبة، أعتقد أن العالم بات يدرك أنه لا يمكن تقسيمه هذه الأرض الصغيرة إلى دولتين، لا يمكن إقامة قطاع غزة في الضفة الغربية، وإلا سيكون انتحاراً لـ"إسرائيل"، نقطة ثانية وهي أن الفلسطينيين لن يقبلوا بدولة بدون يافا وحيفا والرملة والناصرة وغيرها من المدن داخل حدود 1966. إنهم يريدون دولة مستقلة. وترامب يسعى إقامة "حكم ذاتي" للفلسطينيين بدون سيادة.
الحل الوحيد والإنساني لهذا الصراع هو ضم الضفة الغربية وبناء دولة من البحر إلى نهر الأردن، مع دولة فلسطينية مستقلة في غزة.
ايمانويل نافون: بعد العديد من الإخفاقات المتتالية، يتبين لنا ان حل الدولتين ليس الحل المعجزة لهذا الصراع الطويل، يجب الترحيب بخطة إدارة ترامب، ومنطقياً بات حل الدولتين قائماً على أساس ديني. "فزاعة" النمو الديمغرافي التي يلوح بها أنصار فكرة حل الدولتين، لم تعد تخيف الإسرائيليين، والاحصائيات الأخيرة بهذا الشأن تؤكد أن عدد اليهود أكبر.
الخطة وحملة نتانياهو!
ستيفان عمار: توقيت إعلان الصفقة واضح ويظهر مدى ارتباطها بالانتخابات الإسرائيلية والأميركية، نتانياهو لديه انتخابات في 2 آذار/ مارس المقبل، وترامب بحاجة إلى جمع تأييد ودعم الانجيليين لانتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، السؤال الأهم هل دعم ترامب لنتانياهو غير المشروط سيؤثر على الحملة الانتخابية لهذا الأخير، لا يمكن الجزم بذلك. خصوم نتانياهو والرأي العام الإسرائيلي ينتقد نتانياهو بسبب قضايا الفساد، إضافة إلى أن الكثير من الإسرائيليين قد سئموا منه لطيلة الفترة التي حكمهم فيها.
نافون: إذا استطاع نتانياهو ضم الأراضي الفلسطينية قبل الانتخابات، سيتمكن من الفوز وبولايات مقبلة، ولكن لا أعتقد أن هذا السيناريو ممكن، فالمستشار القانوني للرئاسة الحكومة الإسرائيلية أفيخاي ماندلبليت، قد أكد أن مشروع الضمّ من قبل حكومة منتهية الولاية "انتقالية" غير قانوني.
بيني غانتس وترحيب بالخطة!
ايمانويل نافون: ليس لدى غانتس خيار سوى دعم الخطة الأميركية، التي استقبلها معظم الإسرائيليين بحفاة كبيرة، بهدف جذب الناخبين الوسطيين وعدم تخويف ناخبي اليسار، هو يعتبر أن الخطة يجب أن تكون "حزمة كاملة"، عدم قبول فقط ضم الأراضي الفلسطينية لـ"إسرائيل" بل أيضاً إعلان دولة فلسطينية، وذلك من أجل احراج نتانياهو وحزب الليكود.
ستيفان عمار: لقد رحّب غانتس بالخطة، ولكن ما يجب التركيز عليه هو أن هذه الخطة ما هي إلا مرحلة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي يتجاوز سلطة الزعماء الإسرائيليين، التحديات والضغط الديمغرافي والقوة العسكرية هما من سينسفان قيام دولة فلسطينية.