"وول ستريت جورنال": الصين تكسب حرب المعادن
الشركات الصينية اليوم أكثر قوة وهيمنة على قطاع تصنيع المعادن وإنتاجها، وهي تقوم بتوسيع عملياتها وزيادة عروضها التنافسية والتحكم في أسعار السوق من دون أن يتمكن أحد من منافستها.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب جون إيمونت، يشرح فيه كيف كسبت الصين حرب المعادن ضد الدول الغربية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
جهدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على مدى السنوات القليلة الماضية في محاولات كف قبضة الصين عن تصنيع وإنتاج المعادن المهمة في مجال الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة والطاقة الخضراء، لكن هذه الجهود ضاعت هباء، لأن الشركات الصينية اليوم أكثر قوة وهيمنة على هذا القطاع، ولأنها تقوم بتوسيع عملياتها وزيادة عروضها التنافسية والتحكم في أسعار السوق من دون قدرة أحد على منافستها.
مدير معهد "باين" في كلية كولورادو للمناجم مورغان بازيليان يقول عن ذلك إنّ "الصين لا تقف مكتوفة الأيدي في انتظار أن نلحق بالركب، وهي تضاعف استثماراتها التي هي بالأصل ضخمة جداً في جميع جوانب سلاسل توريد المعادن المهمة".
يعدّ النيكل، على سبيل المثال، من المعادن الأساسية في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وتنتج الصين منه كميات هائلة من مصانعها المنتشرة في الأرخبيل الإندونيسي، وتتوسع على الدوام، وتمسك بالأسواق، من العرض والطلب إلى التحكم في الأسعار.
وفي الوقت نفسه، علّقت شركة التعدين العملاقة "جلينكور"، ومقرها سويسرا، عملياتها في مصنع النيكل التابع لها في كاليدونيا الجديدة الخاضعة للهيمنة الفرنسية، وخلصت إلى أنّها لا تستطيع البقاء على قيد الحياة على الرغم من عروض المساعدة المالية المقدمة لها من باريس. وقالت شركة "هوريزونتي مينيرالز" البريطانية، التي كان من المتوقع أن يصبح منجمها الجديد في البرازيل مصدراً للدول الغربية، إنّ تدفق الأموال الاستثمارية أنقذ البلاد في الشهر الماضي، مستشهدين بزيادة العرض في السوق.
كذلك، تم إغلاق ما لا يقل عن 4 مناجم للنيكل في غرب أستراليا وتأجيل مشاريع الليثيوم في الولايات المتحدة وأستراليا بعد زيادة الإنتاج الصيني في الداخل وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. كما أوقفت أعمال منجم معدن الكوبالت الوحيد بعد 5 أشهر من حضور كبار الشخصيات المحلية حفل افتتاحه. ويتذرع أصحاب المنجم بأنّهم لم يصمدوا في وجه طوفان إنتاج الصين من الكوبالت في مصانعها في إندونيسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. والعام الماضي، انخفض الإنتاج غير الصيني من الكوبالت المكرر إلى أدنى مستوى له منذ 15 عاماً، بحسب شركة "دارتون كوموديتيز"، وارتفعت حصة تعدين الليثيوم من قبل الشركات الصينية داخل البلاد وخارجها من 14% عام 2018، إلى 35% هذا العام. كذلك، ارتفعت معالجة الليثيوم داخل الصين من 63% عام 2018 إلى 70% وفقاً لشركة "فاست ماركت" المعلوماتية.
التوسع الصيني وغزارة الإنتاج يضعفان القدرة التنافسية لشركات التعدين الغربية، وخصوصاً إذا لم يستوعب الاقتصاد المحلي الصيني تدفق المعادن الذي تجلبه شركاتها إلى السوق، ما يساهم في انهيار الأسعار العالمية، كما حصل في نمو أقل من المتوقع في عمليات بيع السيارات الكهربائية الصينية.
إنّها الطريقة التي تفعل بها الصين ما تريد. يقول رئيس أبحاث المعادن في "فاست ماركت" ويليام آدامز: "لقد اتجهوا إلى بناء المزيد من القدرات، سواء كان ذلك في إنتاج معدن الألومنيوم أو الإسمنت أو النيكل، والشركات الصينية تفرض بعددها وحجمها الحصول على حصة في السوق، والنتيجة هي الحصول على فائض في العرض".
ويدق المسؤولون الغربيون أيضاً ناقوس الخطر. في ردها على سؤال الشهر الماضي حول هيمنة الصين على معدن النيكل، اعتبرت نائبة رئيس الوزراء الكندي كريستيا فريلاند أنّ "السوق غمرت، ما يجعل من الشركات في ديمقراطيات السوق الحرة غير مجدية وبلا قيمة اقتصادية".
وأضافت: "نعتقد أنّ هذا السلوك يمكن أن يكون متعمداً، ويمكن أن يحدث بغرض دفع الشركات في بلادنا، وفي شركات حلفائنا، إلى التوقف عن العمل". ولم تقدم فريلاند مزيداً من التفاصيل أو أي دليل على هذا الادعاء. كذلك، لم ترد وزارة الخارجية الصينية على التعليقات الكندية الرسمية.
وتستمر الشركات الصينية في تنمية استثماراتها بفضل سنوات من عمليات الاستحواذ القوية. وتقول شركة "زاجين مانينغ" الصينية المدعومة من الدولة إنّها ستزيد إنتاج الليثيوم بنحو 85 مرة هذا العام من مستويات منخفضة، ثم تتبعها بـ 5 أضعاف أخرى العام المقبل.
وينبع النمو المتوقع من شرائها عام 2022 أصولاً غربية، منها منجم ممتاز غير مستغل في الأرجنتين من المقرر أن يبدأ بضخ الليثيوم في وقت قريب جداً. وقد تم اكتشاف المنجم عام 2015، حين أخذ عالم جيولوجي أرجنتيني عينات من بحيرة نائية على ارتفاع 13000 قدم فوق مستوى سطح البحر في جبال الأنديز، وتبين أنّها جزء من رواسب ضخمة من الليثيوم، وقام بتأسيس شركة تدعى "نيو ليثيوم" مع شركاء غربيين وفي كندا، وحصل على حقوق التعدين، وأدرجها في بورصة تورونتو، وكثف عمليات الاستكشاف، ثم بحلول عام 2021 قرر بيع المنجم.
ويقول رئيس مجلس إدارة شركة "نيو ليثيوم" قسطنطين كارايانوبولوس إنّه سعى إلى جذب "الخاطبين المحتملين" من المستثمرين في المناجم وصانعي بطاريات السيارات الكهربائية على حد سواء، من اليابان وألمانيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وأستراليا، ولكن "كان هناك القليل من الاهتمام". ومع ارتفاع أسعار الليثيوم في ذلك الوقت، قال إنّهم لم ينخرطوا في "جنون غزارة الإنتاج"، ولم يستطيعوا ضخ الأموال الاستثمارية المطلوبة، إلى أن أدركوا الإفلاس.
وفازت الشركات الصينية المملوكة للدولة بعقد شراء المنجم المذكور، واجتازت عملية البيع مراجعة الحكومة الكندية، لكنها أثارت قلق المشرعين "المحافظين" في واشنطن وتورنتو.
وصرح كارايانوبولوس أنه كان يحمي مصالح المساهمين، ولم يكن هناك الكثير مما يمكن فعله حيال "شكوى بعض المساهمين البعيدين جداً من غير أصحاب الخبرة من أنّه لا ينبغي لنا أن نبيع المنجم للذئب الكبير السيئ".
وقال الجيولوجي الذي اكتشف المنجم، وكان الرئيس التنفيذي لشركة "نيو ليثيوم" في وقت البيع، إنّ "الصينيين مؤمنون حقيقيون. أما أقرانهم في الغرب، فهم ليسوا كذلك".
"أوبك" مؤلفة من عضو واحد
تتمتع الصين بالعديد من المزايا في سباق المنافسة في هذا القطاع، وتوفر مصارف الدولة الصينية التمويل لمحطات الطاقة والمجمعات الصناعية، ما يمهد الطريق أمامها لمزيد من الاستثمارات في قطاعات مهمة أخرى.
إنّ التطور الصناعي السريع في الصين يعني أيضاً أنّ شركاتها أمضت عقوداً من الزمن في تحسين فن تحويل المواد الخام إلى معادن. كذلك، تستطيع إنشاء مرافق جديدة بسرعة وبتكلفة زهيدة، كما تظهر ورقة بحثية نشرها معهد "أوكسفورد لدراسات الطاقة" منذ شهرين أنّ تكاليف بناء مصفاة لتكرير الليثيوم خارج الصين تصل إلى 4 أضعاف تكلفة بنائها داخل البلاد.
في شرق إندونيسيا، قامت الشركات الصينية ببناء أسطول من مصانع النيكل والكوبالت عالية الكفاءة على مدى السنوات القليلة الماضية، بعد إتقان تقنية اعتبرها عمال المناجم الغربيون منذ مدة طويلة معقدة ومكلفة.
يقول المدير الإداري لاستراتيجية السلع في مصرف "ماكواري" الأسترالي جيم لينون إنّها "مجرد قدرة هندسية بسيطة ومباشرة يمتلكها الصينيون. وقد ضعفت في بقية العالم. هذه ميزة تنافسية ساحقة، ولا يمكن مواجهتها فعلاً".
تحاول شركة "تالون متيلز" أن تنافس من مقرها الرئيسي في تورونتو على احتياطي غني بالنيكل تحت الأرض في وسط ولاية مينيسوتا في الولايات المتحدة، وهو منجم يقول البيت الأبيض إنّه جزء من خطته لكسر اعتماد البلاد على المعادن القادمة من الصين. وكانت وزارة الطاقة الأميركية قد خصصت أكثر من 100 مليون دولار للشركة لبناء مصفاة في داكوتا الشمالية لمعالجة الخام من مينيسوتا وأماكن أخرى في أميركا الشمالية، في حين وافقت شركة السيارات الكهربائية "تسلا" على شراء النيكل لبطاريات السيارات من "تالون ميتلز"، التي يقول رئيس مجلس إدارتها شون فيرغر إنّ "صانعي السياسة على ضفتي الأطلسي يدركون أننا لا نستطيع السماح للصين بأن تصبح عضواً وحدها في (أوبك المعادن)، وخصوصاً الحيوية منها، مثل النيكل".
لكن بعض المستثمرين رفضوا شراء أسهم الشركة المذكورة بعدما انخفض سعر سهمها في بورصة تورنتو بنحو الثلثين خلال العامين الماضيين وسط تدفق النيكل الصيني من إندونيسيا. ويقول العديد من المحللين الاقتصاديين أنّ مشاريع التعدين خارج إندونيسيا ستواجه صعوبة في الانطلاق ما لم ترتفع أسعار النيكل بشكل كبير. وتصف شركة "تالون" خاماتها بالجودة العالية، ما يمنحها ميزة، وأنها تستخدم تقنيات مبتكرة لتعزيز الإيرادات، ولا يزال هناك طلب على المعادن التي تستخرجها في أسواق الولايات المتحدة.
معظم شركات التعدين الغربية تعتبر أنّها تخوض حرباً غير عادلة، لأنّ شركات النيكل الصينية تحصل على تمويل حكومي بفوائد مصرفية رخيصة في سبيل "ضرورة استراتيجية للسيطرة على الأسعار"، في وقت لا تحصل "جميع المشاريع الغربية على الدعم لأنّه يخالف المعايير الاقتصادية القائمة على العرض والطلب في الأسواق".
تقوم شركة "كوينزلاند باسيفيك ميتلز" بتطوير مصنع لمعالجة النيكل في أستراليا لتكرير الخام المستورد من كاليدونيا الجديدة وبيعه لشركة "جنرال موتورز "، لكن "كوينز" أعلنت الشهر الماضي أنّها ستحد من الإنفاق الإضافي على مشروع النيكل، وستركز بدلاً من ذلك على التنقيب عن الغاز، مشيرة إلى انخفاض أسعار النيكل وظروف السوق الصعبة.
تعد صناعة المعادن أولوية وطنية لبكين. وصلت استثمارات المعادن والتعدين في إطار مبادرة الحزام والطريق إلى مستويات قياسية العام الماضي. ووفقاً لتقرير صادر عن معهد "غريفيث آسيا" الأسترالي، عادة ما يقدم الإقراض الصيني الحكومي لمشاريع المعادن في البلدان النامية بأسعار فائدة أقل من القروض التجارية. وفي الوقت نفسه، تكافح الشركات الغربية للحصول على القروض. واعتبر أحد كبار مستشاري الطاقة في البيت الأبيض آموس هوكستين هذا الشهر أنّ المصارف الغربية مترددة في تمويل المشاريع في الدول الغنية بالمعادن المحفوفة بالمخاطر، وأنّ "الصين غالباً ما تكون اللاعب الوحيد".
يقدم التشريع الأميركي الذي تم إقراره عام 2022 لمصنعي السيارات الكهربائية حوافز لشراء المعادن محلياً أو من البلدان التي أبرمت معها الولايات المتحدة اتفاقيات تجارة حرة. وبدءاً من العام المقبل، قد يتم استبعاد البطاريات من الدعم إذا كانت تحتوي معادن يتم استخراجها أو معالجتها من خلال الشركات الصينية.
كذلك، أعلن البيت الأبيض في الأسبوع الماضي عن تعريفات جمركية جديدة على الصين، بما في ذلك المعادن المهمة، مثل الغرافيت الطبيعي الذي تهيمن عليه أيضاً بكين. ويأمل عمال المناجم الغربيون أن تؤدي هذه الأحكام في نهاية المطاف إلى زيادة الطلب على معادنهم، على الرغم من أنّ البعض يشعر بالقلق من أنّ شركات صناعة السيارات قد تجد حلولاً بديلة، ويأملون أيضاً أن تخفض الشركات الصينية إنتاجها.
الرئيس التنفيذي لشركة "ألبيمارل" كينت ماسترز، وهي أكبر منتج لليثيوم في الولايات المتحدة، يعتبر أنّ أسعار السوق اليوم لا تحظى بالدعم في اقتصاديات المشاريع الجديدة في الغرب، و"إذا لم ترتفع الأسعار"، فهو لا يعتقد أن "هناك حالة تجارية سليمة ومتكاملة لسلسلة توريد الليثيوم الغربية".
نقله إلى العربية: حسين قطايا