"واشنطن بوست": انتقام الفلسطينيين سيستمرّ ما استمرّ العنف الإسرائيلي ضدهم
ما دام الفلسطينيون محاصرين تحت الاحتلال العسكري العنيف، ومحرومين من حقوقهم الأساسية، فإن الإسرائيليين سوف يعيشون تحت تهديد الانتفاضات والأعمال الانتقامية
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تنشر مقال رأي للكاتبة ميغان ستاك، قالت فيه إنّ "إسرائيل" تزداد وحشية، وتشير إلى أنّ الانتفاضات الفلسطينية رد فعل طبيعي، وتسرد الإجراءات التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي على مرّ السنين بحق الفلسطينيين.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
كانت صور الفلسطينيين وهم يسبحون ويستمتعون بأشعة الشمس على شاطئ غزة هي التي أزعجت الصحافي الإسرائيلي يهودا شليزنغر، الذي عبّر عن اشمئزازه من الصور "المزعجة" أثناء ظهوره على "القناة 12" الإسرائيلية.
شليزنغر، مراسل الشؤون الدينية لصحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية، قال إنّ "هؤلاء الناس في غزّة يستحقون الموت، موتاً صعباً، موتاً مؤلمًا، وبدلاً من ذلك نراهم يستمتعون على الشاطئ ويمرحون.. كان ينبغي أن نرى المزيد من الانتقام والمزيد من أنهار دماء الغزيين".
سيكون من اللطيف الاعتقاد بأن شليزنغر شخصية هامشية، أو أنّ الإسرائيليين سوف يصدمون من خيالاته الدموية، لكنه ليس كذلك، والكثير من الإسرائيليين ليسوا كذلك أيضاً.
لقد أصبحت "إسرائيل" أكثر وحشية، وعلامات ذلك واضحة للعيان، من خلال اللغة اللاإنسانية ووعود الإبادة من القادة العسكريين والسياسيين. كما أنّ استطلاعات الرأي وجدت تأييداً واسعاً لسياسة التدمير والخراب والمجاعة في غزة، ذلك عدا عن صور الجنود الإسرائيليين الذين ظهروا وهم يتباهون بفخر بتدمير الأحياء الفلسطينية.
كذلك، اليسار الإسرائيلي والجهات التي تنتقد احتلال الأراضي الفلسطينية وتفضّل المفاوضات والسلام بدلاً من ذلك، أصبحت الآن جذعاً ذابلاً لحركة كانت نشطة ذات يوم.
التصريحات الأميركية تظهر أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو السبب الرئيسي للوحشية في غزة، حيث قتل "الجيش" الإسرائيلي أكثر من 35 ألف فلسطيني. لكن المذبحة التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة، والمجاعة، والتدمير الشامل للأحياء – أرادها الجمهور الإسرائيلي، بحسب ما أظهرت استطلاعات الرأي.
ووجد استطلاع للرأي أجري في شهر كانون الثاني/يناير أنّ 94% من الإسرائيليين قالوا إن القوة المستخدمة ضد غزة كانت مناسبة أو حتى غير كافية. وفي شهر شباط/فبراير، أظهر استطلاع للرأي أنّ معظم الإسرائيليين يعارضون دخول الغذاء والدواء إلى غزة.
لم يكن نتنياهو وحده، بل أيضاً أعضاء حكومته الحربية، بمن في ذلك بيني غانتس، الذي غالباً ما يتم النظر إليه كبديل معتدل لنتنياهو، هم الذين رفضوا بالإجماع صفقة حماس لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وإقامة دولة فلسطينية، وبدلاً من ذلك، بدأوا هجوماً على مدينة رفح التي تكتظ بالمدنيين النازحين.
قال الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي إنّه "من الأسهل بكثير أن تلوم نتنياهو على كل شيء، لأنك حينها تشعر بالرضا تجاه نفسك ويكون نتنياهو هو الظلام، ولكن الظلام في كل مكان في إسرائيل".
إنّ بناء الجدار في الضفة الغربية، زاد من بؤس المدنيين الفلسطينيين الذين أصبحوا مقيّدين أكثر من أي وقت مضى، والذين يشير العديد منهم إليه باسم جدار الفصل العنصري.
قالت هيرمان إنّ العديد من الإسرائيليين يشعرون بالحيرة عندما يُطلب منهم تحديد الحدود حيث تنتهي "إسرائيل" وتبدأ الضفة الغربية. ووجد بحثها في عام 2016، أنّ نسبة صغيرة فقط من الإسرائيليين يعرفون على وجه اليقين أن الخط الأخضر هو الحدود التي رسمتها هدنة عام 1949. لقد كانت مسألة ما إذا كان ينبغي رسم هذه الحدود على خرائط المدارس الإسرائيلية موضوعاً ساخناً للنقاش داخل "إسرائيل"؛ وبضحكة حزينة، ذكرت هيرمان أنّ العديد من خرائط الفصل الدراسي بأنّها "من النهر إلى البحر".
إنّ مثل هذا الجهل بالحدود يعتبر ترفاً حصرياً للإسرائيليين، مقابل أنّ الفلسطينيين شغلهم الشاغل أن يعرفوا ما هي نقاط التفتيش المفتوحة في يوم معيّن، وما هي الطرق التي يجوز لهم استخدامها وما لا يجوز لهم استخدامها. هذه ليست أموراً عادية، بل هي تملي التحرّكات اليومية للفلسطينيين، وإرباكهم قد يكون قاتلاً.
وقبل فترة طويلة من عاصفة العنف الحالية، عملت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة على تعزيز التفوّق اليهودي، كما حدثت أكبر عملية استيلاء إسرائيلية على الأراضي منذ أكثر من 30 عاماً في شهر آذار/مارس، عندما أعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الاستيلاء على 10 كيلومترات مربعة من الضفة الغربية. وتقول وزارة الصحة الفلسطينية إنّ عمليات الاستيلاء على الأراضي ترافقها حملة إرهاب دموية.
ويواصل مسؤولو إدارة بايدن الحديث عن إقامة دولة فلسطينية، لكن الأراضي المخصصة للدولة أصبحت مغطاة بشكل مطرد بالمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.
ومنذ بدء الحرب، يتم تداول عدد من الأغاني الإسرائيلية التي تحتوي كلماتها على "إبادة"، و"محو غزّة"، و"الموت". كما يتم بيع ملابس في المتاجر الإسرائيلية تشجّع على استكمال الحرب، وقلائد لخريطة مزعومة لـ "إسرائيل" تضم القدس والضفة الغربية وغزة. وفي الوقت نفسه، قامت الشرطة الإسرائيلية بتوزيع الأسلحة على المدنيين وأنشأت ميليشيات فعلية.
لقد خرج المتظاهرون الإسرائيليون مراراً وتكراراً إلى الشوارع للتعبير عن الألم بسبب الأسرى المحتجزين في غزة، لكن الاحتجاجات لا تعكس موجة من التعاطف مع الفلسطينيين أو رغبة شعبية في إعادة التفكير في الوضع الذي كان قائماً قبل الاحتلال والسلام.
لاقت كل إجراءات "إسرائيل" هذه غضباً في السابع من أكتوبر. وما دام الفلسطينيون محاصرين تحت الاحتلال العسكري العنيف، ومحرومين من حقوقهم الأساسية، فإن الإسرائيليين سوف يعيشون تحت تهديد الانتفاضات والأعمال الانتقامية. لا يوجد جدار سميك بما يكفي لصدّ شعب ليس لديه ما يخسره إلى الأبد. ولم يستوعب الإسرائيليون حتى الآن هذا الدرس.
نقلته إلى العربية: بتول دياب