"فورين بوليسي": علامَ حصل نتنياهو من خطابه في الكونغرس؟
لم تؤدي الزيارة إلى ما كان يأمله نتنياهو، ففي ظل صعود كامالا هاريس كمرشحة ديمقراطية مفترضة وتنحي جو بايدن، لم يكن نتنياهو هو الحدث الرئيسي في الولايات المتحدة وحتى في "إسرائيل".
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب والباحث آرون ديفيد ميلر، يتحدّث فيه عن زيارة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية، وخطابه الذي ألقاء أمام الكونغرس الأميركي الأربعاء الفائت، وما حقّقه من ذلك.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
بعد أن تحدّى وأذلّ رئيساً مؤيّداً حقيقياً لـ "إسرائيل" لما يقرب من 10 أشهر، وأدّى إلى نفور قطاعات كبيرة من الحزب الديمقراطي المؤيّد لـ "إسرائيل" إلى حد كبير وجزء كبير من الجمهور الأميركي، استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على الرغم من كل ذلك، تأمين اجتماع في البيت الأبيض. ومن المشكوك فيه أنّ غزوة واشنطن هذه، ستفعل الكثير لتعزيز استطلاعات الرأي الباهتة في الداخل.
وفي الواقع، كانت الزيارة مهمة ليس بسبب ما حقّقته بالفعل، بل أكثر بكثير لما تعكسه بأنّ نظام التشغيل الأميركي الإسرائيلي لا يزال يعمل. فلا تزال السياسة الداخلية للولايات المتحدة تتشكّل من خلال الالتزام العميق بأمن "إسرائيل"، وهذا الواقع يزيد من نفوذ "إسرائيل" على الولايات المتحدة، ويقلّل من نفوذ الولايات المتحدة على "إسرائيل".
لكنّ هذا النظام يتعرّض لضغوط شديدة لأنّ "إسرائيل" في عهد نتنياهو أصبحت قضية حزبية ومثيرة للخلاف في السياسة الأميركية. ويبقى أن نرى ما إذا كانت إدارة هاريس المفترضة ستتبنّى نهجاً أكثر صرامة تجاه "إسرائيل"، وخاصة فيما يتعلّق بسياساتها تجاه الفلسطينيين. لكن بالنسبة لنتنياهو، الذي تحالف مع الحزب الجمهوري، أصبح إصلاح علاقاته مع دونالد ترامب أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ففي الوقت الحالي، فإنّ الدعامة الأساسية لنظام التشغيل الأميركي الإسرائيلي هو الحزب الجمهوري. ولم يكن من الممكن دعوة نتنياهو لزيارة واشنطن لولا الحزب الجمهوري؛ حزب "إسرائيل" الحقيقي.
وإذا أصبح الحزب الجمهوري الآن حزب ترامب، فقد كان لبعض الوقت الحزب المفضّل لنتنياهو. في الواقع، يعتمد جزء كبير من استراتيجية نتنياهو للتعامل مع العلاقات الأميركية الإسرائيلية وإدارتها على ترسيخ العلاقة بين "إسرائيل" التي تحرّكت نحو اليمين خلال فترات ولايته المختلفة والحزب الجمهوري الذي، على عكس الديمقراطيين، لا يدعم "إسرائيل" فحسب، بل يدعمها بشكل أعمى ومن دون أي اعتراض.
لقد قام نتنياهو بتعزيز هذه العلاقة ليس فقط لتسهيل السياسات المؤيّدة لـ "إسرائيل" بينما كان الجمهوريون يسيطرون على البيت الأبيض، ولكن أيضاً لكسب الدعم ضد الديمقراطيين عندما يكونون في السلطة. كانت علاقات نتنياهو مع الرؤساء الديمقراطيين عاصفة، على أقل تقدير. فعلى سبيل المثال عندما انفجر بيل كلينتون غضباً من جرأة رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي عيّن حديثاً في حينها، وميله إلى إلقاء المحاضرات، قائلاً: "من هي القوة العظمى اللعينة هنا؟".
ومن المؤكد أنّ علاقات نتنياهو مع الجمهوريين تكاملية. فالجمهوريون يتودّدون إلى "إسرائيل" بفارغ الصبر لكسب ودّ الإنجيليين ويحاولون، قدر استطاعتهم، اجتذاب اليهود الأميركيين الذين لديهم أوراق اعتماد قوية مؤيدة لـ "إسرائيل".
وكان رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر هو الذي دعا نتنياهو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس في عام 2015 لإحباط، إن لم يكن تقويض، المفاوضات النووية لإدارة أوباما والاتفاق مع إيران. وليس هناك شك في أنّ دعوة رئيس مجلس النواب الحالي مايك جونسون لنتنياهو هذا العام للتحدّث أمام الكونغرس كانت محاولة لتصوير الحزب الجمهوري باعتباره الحزب الوحيد المؤيد لـ "إسرائيل" بشكل موثوق. وفي الأسبوع الماضي فقط، أكد جونسون أنّ الحزب الجمهوري هو الحزب الوحيد المؤيد لـ "إسرائيل"، وهدّد باعتقال أي شخص يعرقل خطاب رئيس الوزراء.
ومع ذلك، ليس كلّ من في أرض الحزب الجمهوري سعيداً بنتنياهو. في الواقع، وردّ أنّ ترامب كان غاضباً من نتنياهو في عام 2020 لعدم دعمه ادّعاءه بأنّ الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 قد سُرقت ولتهنئة بايدن في رسالة فيديو. وقال ترامب لمراسل "أكسيوس" باراك رافيد خلال مقابلة اشتكى فيها من الفيديو: "اللعنة عليه".
وأما بشأن غزّة، فلم يقل ترامب الكثير. لكنّه انتقد "إسرائيل" لوقوعها على حين غرّة وعدم استعدادها لـ 7 أكتوبر، وحثّ على إنهاء الحرب بسرعة، واشتكى من أنّ "إسرائيل" تخسر حرب العلاقات العامة.
يعرف نتنياهو أنّ لديه مشكلة بما يخصّ علاقته بترامب، فسارع إلى إرسال فيديو مصوّر يوم محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق، أعرب فيه عن دعمه وصلواته له. وربما يكون اجتماعهما في مارالاغو يوم الجمعة هو الإنجاز الأكثر أهمية في رحلة من غير المرجّح أن تسفر عن الكثير من الفوائد.
واستناداً إلى ولاية ترامب الأولى، يعرف نتنياهو أنّ ترامب سيكون أقل ميلاً للضغط على "إسرائيل"، وأكثر استعداداً لمنحها الحرية عندما يتعلّق الأمر بالقضايا الأمنية. ومع ذلك، فإنّ قيام ترامب بنشر رسالة تلقّاها من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أشاد به، يجب أن يذكّر نتنياهو بأنّ قرارات ترامب لا يمكن التنبؤ بها على الإطلاق.
الديمقراطيون: يسقطون "إسرائيل" ولكن لا يخرجون منها
ويؤدّي الديمقراطيون دوراً رئيسياً في الحفاظ على نظام التشغيل الأميركي الإسرائيلي أيضاً. وعلى الرغم من أنّ زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، ألقى خطاباً في آذار/مارس دعا فيه إلى إقالة نتنياهو، إلا أنّه وقّع جنباً إلى جنب مع زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، على دعوة الجمهوريين لنتنياهو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس.
ومن الواضح أنّ الديمقراطيين، الذين يخشون من تنفير جزء كبير من ناخبيهم المؤيّدين لـ "إسرائيل"، وقعوا في فخ جونسون من دون قتال كبير، ولم يكونوا مستعدّين لمنح الجمهوريين فرصة لتصوير الحزب على أنّه مناهض لـ "إسرائيل" من خلال عدم التوقيع على دعوة جونسون، على الرغم من تحفّظاتهم بشأن نتنياهو.
وهناك الكثير من التحفّظات، وليس فقط بين الديمقراطيين التقدّميين. وقد دعا الديمقراطيون السائدون، مثل السيناتور كريس فان هولين، وكريس مورفي، وكريس كونز، إلى سياسات أكثر صرامة تجاه حكومة نتنياهو. وقد اقترح الثلاثة فرض شروط على بعض المساعدات العسكرية المقدّمة لـ "إسرائيل".
ويعكس غياب الديمقراطيين عن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس، والذي يقدّر عددهم بنحو 135، استياءً عميقاً، وابتعاداً عن "إسرائيل"، ويشير إلى نقاش حقيقي وشيك داخل الحزب حول ما يعنيه بالضبط أن تكون مؤيداً لـ "إسرائيل".
لعبة نتنياهو: شراء الوقت والبقاء في السلطة
ولم يأتِ نتنياهو إلى واشنطن للتفاوض أو تقديم تنازلات بشأن وقف محتمل لإطلاق النار. وبدلاً من ذلك، جاء لتعزيز رصيده السياسي في الداخل، وإدارة التوترات مع بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس، وإصلاح العلاقات مع ترامب. وكان خطابه أمام الكونغرس بمثابة دعامة له، ولم تكن هناك مفاجآت في خطابه، بل لقد كان دفاعاً قاسياً وساخطاً عن أهداف "إسرائيل" من الحرب، وخطاباً أدائياً يهدف إلى تأمين قاعدته اليمينية، وإرضاء أنصاره الجمهوريين، وتسليط الضوء على أنّه وحده الذي لا غنى عنه لإدارة أعداء "إسرائيل" والوقوف في وجههم. ولا ينبغي لأحد أن يتوقّع أيّ شيء خلاف ذلك.
ولم تؤدِ الزيارة إلى ما كان يأمله نتنياهو، ففي ظلّ صعود هاريس كمرشّحة ديمقراطية مفترضة ورحيل بايدن، لم يكن نتنياهو هو الحدث الرئيسي في الولايات المتحدة وحتى في "إسرائيل".