"فورين أفيرز": "أميركا اللاتينية ستصبح أولوية في السياسة الخارجية الأميركية

يبدو أنّ رئاسة دونالد ترامب ستولي المزيد من الاهتمام على دول أميركا اللاتينية أكثر من أي إدارة أميركية سابقة.

0:00
  • ترامب يزور الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك
    ترامب يزور الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك

مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب بريان وينتر، يتحدث فيه عن مستقبل العلاقات بين إدارة الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب، وحكومات دول أميركا اللاتينية وخصوصاً اليسارية منها، والتوقعات بأن يمارس ترامب سياسة الضغط القصوى لثنيها عن التعامل الاقتصادي مع الصين.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

في السنوات الأخيرة، يتفق قادة الأعمال والأكاديميون والسياسيون من اليسار واليمين على أنّ الولايات المتحدة تفتقر إلى استراتيجية واضحة للمشاركة في أميركا اللاتينية وتفقد نفوذها وفرصها الاقتصادية، و لا سيما لصالح الصين. مثل هذا الحديث ليس جديداً. وقد حذّرت مقالة نشرت عام 1973 في مجلة الشؤون الخارجية من أنّ "الولايات المتحدة ليس لديها سياسة تجاه أميركا اللاتينية، باستثناء سياسة الإهمال الحميد". لكن، يبدو أنّ هذه المرثيات وصلت إلى ذروتها خلال إدارة بايدن، التي كانت تركز بشكل مفرط على التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة وبكين والحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط.

ويبدو أنّ رئاسة دونالد ترامب الثانية مقدّر لها أن تركز المزيد من الاهتمام على أميركا اللاتينية أكثر من أي إدارة أميركية منذ ربما 30 عاماً، بما في ذلك فترة الولاية الأولى للرئيس القادم. والسبب واضح: فالأولويات المحلية القصوى لترامب، المتمثلة في القضاء على الهجرة غير المصرح بها، ووقف تهريب المخدرات، والحد من تدفق السلع الصينية إلى الولايات المتحدة، تعتمد جميعها بشكل كبير على السياسة تجاه أميركا اللاتينية. والواقع أنّ تفويضه الانتخابي الأقوى من المتوقع، أي الفوز بالتصويت الشعبي بالإضافة إلى السيطرة على مجلسي الكونغرس، إلى جانب الزيادة الكبيرة في تدفقات المهاجرين والمخدرات منذ توليه البيت الأبيض لأول مرة يعني أنّ ترامب سوف يكون أكثر جرأة من ذي قبل للضغط على حكومات أميركا اللاتينية لمساعدته في تحقيق أهدافه. وسوف يلجأ إذا لزم الأمر إلى تدابير عقابية بما في ذلك التعريفات الجمركية والعقوبات، وربما العمل العسكري المحدود، مثل ضربات الطائرات من دون طيار ضد الكارتلات المكسيكية، لمحاولة تحقيق هدفه.

وسوف يرحب المحافظون، مثل الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، والرئيس السلفادوري نجيب بوكيلي، وغيرهما، باهتمام ترامب المتزايد بالمنطقة.

ولكن، في الأمد القريب على وجه الخصوص، من المرجح أن تكون سياسات ترامب تجاه المنطقة شديدة الاضطراب، وقد تخاطر بدفع بلدان أميركا اللاتينية الرئيسية بعيداً من واشنطن بدلاً من عكس مسار السنوات الأخيرة. وتواجه المكسيك أكبر التحديات، بما في ذلك إمكانية إلحاق أضرار جسيمة بالتجارة مع الولايات المتحدة، وجهة أكثر من 80% من صادراتها، ما لم تستجب لمطالب ترامب بالمساعدة في تأمين الحدود المشتركة بين البلدين والتي يبلغ طولها 2000 ميل. وكانت تهديدات ترامب الأخيرة بتطبيق تعريفة جمركية بنسبة 25% على المكسيك عند توليه منصبه مجرد بداية لمفاوضات مطولة ومتوترة لا ينبغي لأحد أن يفترض أنها خدعة.

والواقع أن المكسيك ليست وحدها. إذ ستواجه بلدان أخرى، تمتد من غواتيمالا إلى كولومبيا، تعريفات جمركية أو عقوبات أخرى ما لم توقف تدفق المهاجرين شمالاً عبر فجوة دارين ونقاط عبور رئيسية أخرى وتستعيد المواطنين الذين اجتاحتهم عمليات الترحيل الجماعي التي وعد بها ترامب. وستحاول إدارة ترامب الثانية الضغط على حكومات أميركا اللاتينية بما في ذلك البرازيل وبنما وبيرو لوقف قبول الاستثمارات الصينية في مشاريع حساسة مثل الموانئ والشبكات الكهربائية وشبكات الاتصالات 5G.

و ما إذا كانت سياسات ترامب تجاه المنطقة ستؤدي إلى ردود فعل عنيفة واسعة النطاق، أو سلسلة من التسويات الهادئة، أو عصر من العلاقات القوية بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، سوف يعتمد على عدة عوامل، منها الأزمات التي أدت إلى الهجرة القياسية في السنوات الأخيرة من عدة بلدان في مختلف أنحاء المنطقة، وسوف تكون إلى حد كبير خارج سيطرة الرئيس المنتخب.

إنّ المكسيك لن تكون بالتأكيد الدولة الوحيدة التي تواجه ضغوطاً مكثّفة. فخلال فترة ولاية ترامب الأولى، كان المهاجرون يأتون إلى حد كبير من المكسيك ودول المثلث الشمالي التي تسمى السلفادور وغواتيمالا وهندوراس. وفي الآونة الأخيرة، أصبح الوضع أكثر تنوعاً، مع تدفقات قياسية من كوبا وهايتي وفنزويلا، وكذلك من الإكوادور وبيرو ودول أخرى في المنطقة.

كما ستتلقى الحكومات اليسارية في كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا معاملة أكثر صرامة، وإن كان من غير الواضح مدى الاهتمام الذي سيكرسه ترامب لها. خلال فترة ولايته الأولى، تبنّى ترامب استراتيجية "الضغط الأقصى" من خلال فرض عقوبات على فنزويلا ورئيسها نيكولاس مادورو، والاعتراف بشخصية المعارضة خوان غوايدو كرئيس شرعي للبلاد - وهو القرار الذي دعمته العديد من الحكومات الأخرى في أميركا اللاتينية، وكذلك كندا والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فشلت الاستراتيجية في نهاية المطاف في إزاحة مادورو، ولم تؤد العقوبات إلا إلى تعميق الأزمة الاقتصادية في فنزويلا، ما ساهم في هجرة أكبر للمهاجرين الفنزويليين إلى الولايات المتحدة وأماكن أخرى في المنطقة.

ومن المؤكد تقريباً أنّ ترامب سيعود إلى نهج أكثر عدائية تجاه هذه الحكومات الثلاث. ولكن هناك من يعارض هذا التوجه من الجمهوريين، الذين يرون أنّ العقوبات الكبرى الجديدة وغيرها من تكتيكات الضغط لن يكون لها فرصة كبيرة لتغيير النظام، وتخاطر بإطلاق موجة كبيرة أخرى من الهجرة الخارجية.

الواقع أنّ ترامب وفريقه قد يدخّرون طاقتهم لما يعدّونه التهديد الأكبر: الصين. فقد ارتفعت تجارة أميركا اللاتينية مع الصين من 18 مليار دولار في عام 2002 إلى 480 مليار دولار في عام 2023، وأصبحت بكين على نحو متزايد مستثمراً رئيسياً في مشاريع البنية الأساسية بما في ذلك الموانئ، ووسائل النقل العام، وشبكات الكهرباء. ولا يعتقد أحد في فريق ترامب أنّ الإدارة الجديدة قادرة على إقناع دول أميركا اللاتينية بإدارة ظهرها لبكين تماماً، ولكن المسؤولين يخططون ليكونوا أكثر عدوانية في محاولة إبعاد الصينيين عن الأصول المدنية والعسكرية الأكثر حساسية في المنطقة، والتي يرونها مسألة تتعلق بالأمن القومي.

على سبيل المثال، اقترح مؤخراً مساعد ترامب السابق لشؤون أميركا اللاتينية، ماوريسيو كلافير كاروني، تطبيق تعريفة جمركية بنسبة 60% على أي واردات إلى الولايات المتحدة تمر عبر ميناء تشانكاي الضخم الجديد في بيرو، والذي بنته الصين بتكلفة 1.3 مليار دولار. ووصف كلافير كاروني اقتراحه بأنّه "محاولة ردع" تهدف إلى ردع أي دولة في أميركا اللاتينية عن قبول الاستثمار الصيني في البنية الأساسية الحيوية. كما اعتبر مسؤولو ترامب شركة "هواوي" الصينية للاتصالات والشركات الصينية التي تنتج المركبات الكهربائية في المكسيك تهديدات استراتيجية. ومن غير الواضح كيف ستتفاعل الحكومات في جميع أنحاء المنطقة مع مثل هذه الضغوط، لأنّ العلاقات مع الصين غالباً لا علاقة لها بالأيديولوجية. وقد تأتي محاولات الضغط بنتائج عكسية وتقنع بعض البلدان، بما في ذلك البرازيل وكولومبيا، بتعميق علاقاتها مع بكين وغيرها من المجموعات غير المنحازة مثل مجموعة "بريكس"، وهي الشراكة التي كانت البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا أول أعضائها.

ولعل من عجيب المفارقات أنّ بعض أنصار ترامب يعتقدون أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين قد تكون في نهاية المطاف هي التي تدفع الرئيس المنتخب إلى السعي إلى إقامة علاقة أكثر إيجابية مع أميركا اللاتينية. ولكن، من غير الواضح ما إذا كان ترامب، بمجرد توليه منصبه، سوف يرى في أميركا اللاتينية فرصة أكثر من كونها تهديداً.

نقلته إلى العربية: بتول دياب