"ذي ماركر": العاصفة أصبحت على الباب.. هل "إسرائيل" مستعدة لأزمة مالية؟
المزيج القاتل بين الأزمة الأمنية والسياسة الفاشلة للحكومة التي لا تدفع قدماً التعامل مع موازنة 2025 يمكن أن يؤدي إلى انهيار سندات دين الحكومة الإسرائيلية وتدهورها إلى أزمة مالية خطيرة.
صحيفة "ذي ماركر" الإسرائيلية تنشر تقريراً تتحدث فيه عن الوضع الاقتصادي في "إسرائيل"، واحتمال حدوث أزمة مالية على غرار أزمة عام 2002.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
المزيج القاتل بين الأزمة الأمنية والسياسة الفاشلة للحكومة التي لا تدفع قدماً التعامل مع موازنة 2025 يمكن أن يؤدي إلى انهيار سندات دين الحكومة الإسرائيلية وتدهورها إلى أزمة مالية خطيرة. في هذه الحالة، الحكومة والمشرفون الماليون يبنون على المستثمرين المؤسساتيين الذين سينقذون الوضع. لكن، هل هذا واقعي؟
هناك سؤال واحد ينهمك به الجميع، لكن همساً، ويخيّم مثل غمامة سوداء فوق سوق رأس المال والنظام المالي والاقتصاد الإسرائيلي برمته منذ اندلاع الانقلاب على النظام، بل وأكثر من ذلك منذ اندلاع الحرب: هل "إسرائيل" مستعدة لأزمة مالية؟
إن القلق البالغ ليس من أزمة مالية بتعريفها الكلاسيكي، بل من أزمة مالية على النمط الإسرائيلي، أي فقدان ثقة المستثمرين في السهم الذي اسمه "دولة إسرائيل"، يعني هروباً جماعياً من الشيكل ومن سندات دين الحكومة الإسرائيلية، ما يُحدث انهياراً ثلجياً في الأسواق.
ويأتي فقدان الثقة على هذا النحو، نتيجة لعجز الميزانية وتضخم الدين الوطني، الأمر الذي يضطر الدولة إلى بيع المزيد والمزيد من السندات لتمويل الدين. تؤدي الزيادة في المعروض من السندات إلى انخفاض الأسعار، ما يعني ارتفاع العائدات. ويتسبب انخفاض أسعار السندات وارتفاع العائدات عليها في حدوث ضرر مزدوج. فأولاً، تتسبب العائدات المرتفعة في حد ذاتها في إحداث أضرار اقتصادية جسيمة من ارتفاع أسعار الفائدة، وخسائر فادحة في سوق رأس المال، والركود، والبطالة، والإفلاس، وفي نهاية المطاف الإضرار باستقرار البنوك.
ثانياً، قد يصل ارتفاع العائدات إلى نقطة يتوقف عندها المستثمرون عن شراء السندات، إمّا لأنهم يتوقعون المزيد من انخفاض الأسعار، أو لأنهم يخشون من أنّ البلاد لن تتمكن من تمويل ديونها، وأن تكون على حافة الإفلاس. وعندما لا يكون هناك مشترون لسندات دين الدولة، فإنها تواجه الانهيار.
الخوف من حدوث انهيار مثل الذي حدث عام 2002
هذا السيناريو، الذي ربما يستحق أن نطلق عليه أزمة ديون وليس أزمة مالية، ليس مبالغاً فيه. وقد شهدته "إسرائيل" منذ وقت ليس ببعيد نسبياً، في سنة 2002. ثم، كما اليوم، جاءت الأزمة نتيجة عاصفة مثالية: تدهور الوضع الأمني بسبب اندلاع الانتفاضة الثانية، والذي رافقه تدهور اقتصادي بسبب أزمة "الدوت كوم" في ناسداك عام 2000، والهجمات في المدن الإسرائيلية التي تسببت في توقف الجمهور عن الاستهلاك وتدهور الاقتصاد إلى أعمق ركود في تاريخه. وما أدّى إلى تفاقم الوضع هو سياسة الحكومة الفاشلة، التي لم تفشل فقط في وقف التدهور في عجز الميزانية والديون، بل أدت إلى تفاقم الوضع من خلال الضغط السياسي على بنك "إسرائيل" لخفض أسعار الفائدة.
كان الهدف هو إنعاش الاقتصاد الراكد، لكن تخفيض سعر الفائدة حقق تأثيراً معاكساً: فقدان الثقة في استقلال بنك "إسرائيل" وفي استعداد الحكومة لاتخاذ خطوات اقتصادية جريئة. وكانت النتيجة انهيار يونيو/حزيران 2002. وقد أدّى استرداد مليارات الشواكل في سوق الأوراق المالية، والهروب الهستيري من الشيكل، إلى ارتفاع سعر الشيكل إلى 5 شيكل مقابل الدولار، وسندات الحكومة الإسرائيلية إلى عائد (فائدة) بأكثر من 12%. وهذا هو أعلى عائد وصلت إليه سندات دين الحكومة الإسرائيلية على الإطلاق.
الظروف الملائمة لعاصفة مثالية مماثلة موجودة حتى اليوم. إنّ التركيبة القاتلة التي تتألف من الأزمة الأمنية، وهي الأصعب التي عرفتها "إسرائيل" منذ خمسين عاماً، فضلاً عن السياسة الحكومية الفاشلة التي لا تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة بدلاً من تخفيفها، تضرب "إسرائيل" بكل قوّتها. حتى الآن، يجب أن نلاحظ بإعجاب أنّ الاقتصاد الإسرائيلي يصمد أمام هذه الضربة المركبة.
على ما يبدو كل شيء لا يزال على ما يرام، ولكن على ما يبدو فقط. استمرار القتال حتى 2025، والتدهور إلى فتح جبهة شمالية أو حتى حرب إقليمية، واستمرار تسويف حكومة نتنياهو في إقرار موازنة 2025، كل هذا يسلب النوم من عيون رؤساء المنظومة المالية. إنّ احتمال حدوث أزمة ثقة تؤدي إلى ارتفاع العائد على سندات الحكومة الإسرائيلية إلى 7% أو 9% ليس مستبعداً كلياً.