"بوليتيكو": علاقة ترامب بقطر تشهد توتراً.. فما هو مستقبلها؟

تشهد العلاقات بين الدولة العربية الخليجية والولايات المتحدة حالة من عدم الاستقرار، تمتد تداعياتها إلى جامعة تكساس "إيه آند إم". فما القصة؟

  • لقاء سابق بين ترامب وأمير قطر
    لقاء سابق بين ترامب وأمير قطر

مجلة "بوليتيكو" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب ناحال طوسي، يتحدث فيه عن العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية بقيادة إدارة الرئيس المقبل دونالد ترامب، وقطر، التي تلعب دور الوساطة في عدد من القضايا الإقليمية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

قبل 21 عاماً، افتتحت جامعة تكساس الأميركية "إي اند إم"، فرعاً لها في دولة قطر بعد اتّفاق مع مؤسسة تربوية محلّية. لكن، قريباً ستودّع الجامعة الدوحة، في انسحاب ناتج، على ما يبدو، عن السياسات الغريبة التي توسم العلاقة بين الولايات المتّحدة وقطر.

وكان مجلس أمناء الجامعة قد أقرّ التفكيك التدريجي لمقرّ الدوحة في شهر شباط/فبراير الماضي، الأمر الذي أذهل مئات الطلّاب وأعضاء هيئة التدريس الذين أعربوا عن أنّ القرار جاء من دون تحذير أو إنذار مسبق وبلا تشاور. في وقت قال  المسؤولون في "إيه اند إم"، إنّهم سيغادرون قطر؛ لأنّ الجامعة بحاجة إلى تركيز مواردها بالقرب من الوطن، ولعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

لكنّ الشكوك تحوم حول هذه الأسباب. ذلك أن مؤسسة قطر، وهي مؤسسة غير ربحية تدعمها الدولة، تغطي تكاليف تشغيل جامعة "إي اند إم"، وتكاليف فروع أخرى في الولايات المتحدة في حي حديث معروف باسم المدينة التعليمية. والشرق الأوسط ليس غريباً على عدم الاستقرار؛ فقد تم إطلاق فرع جامعة "تكساس آند إم"، الذي يركز على الهندسة، في عام 2003، وهو العام الذي غزت فيه الولايات المتحدة العراق، في حين أنّ قطر نفسها منطقة آمنة في منطقة مضطربة.

ويعتقد العديد من القطريين أنّ السياسيين الأميركيين، وخاصّة الجمهوريين الذين يسيطرون على الجامعات العامّة في ولاية تكساس، حثّوا على قرار الإغلاق بسبب الشكوك والمعلومات المضلّلة حول قطر. وقبل أسابيع، أصدرت مجموعة تبحث في "معاداة السامية" تقريراً حذّر من أنّ قطر يمكنها أن تستخدم الكلّية للوصول إلى أبحاث الأمن القومي الأميركية. لكن رئيس "إيه اند أم" ندّد بالتقرير، ووصفه بالكاذب و "غير المسؤول"، واعتبر أنّ لا صلة لهذا بقرار إغلاق الحرم الجامعي. مع ذلك، أثار توقيت القرار الدهشة. ولكن في النهاية، "هي السياسة ونقص المعرفة حول هذا المكان"، حسب ما قال لي المسؤول الكبير في مؤسّسة قطر التربوية فرانسيسكو مارموليخو، حين سألته عن الأسباب الكامنة وراء الإغلاق.

زرتُ قطر لفهم المناورات الجيوسياسية لهذه الدولة العربية الخليجية الصغيرة والغنية بالطاقة الفائضة، وما إذا كان سيتعيّن عليها إحداث تغييرات الآن بعد عودة دونالد ترامب إلى منصب رئاسة الولايات المتّحدة، وهو المحاط ببعض الحلفاء المناهضين لقطر.

 لقد أذهلني قرار مغادرة "إيه اند إم" المخطّط له، خاصّة وأنّ وسائل الإعلام الأميركية تجاهلته إلى حدّ كبير، باعتباره مثالاً محتملاً على التداعيات السلبية لنهج قطر تجاه العالم. مع أنّه وببساطة شديدة، قطر مستعدّة لأن تكون "تقريباً" صديقة للجميع. وعلى سبيل المثال، تستضيف قطر مندوبين عن حركة "حماس" وحكومة "طالبان"، إلى جانب سفارة وقاعدة عسكرية أميركية، حتّى إنّ المسؤولين الإسرائيليين يزورون الدوحة بين الحين والآخر. فلقد جعلت سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها قطر منها وسيطاً في العديد من الصراعات في العالم. في الواقع، تعدّ الوساطة ركيزة من ركائز السياسة الخارجية لهذا البلد، الأمر الذي يمنح الدوحة حيوية وتأثيراً كبيراً. لكن، هذا النهج ترك قطر أيضاً عرضة للأسئلة في الولايات المتّحدة و"إسرائيل" وخارجها، حول ما إذا كانت الدوحة حقّاً صديقة لأيّ أحد، في حين ينصح البعض بأنّ الولايات المتّحدة لا ينبغي لها أن تعتمد على قطر كشريك أو وسيط.

وكان دور الدوحة في التوسّط لإنهاء الحرب بين "إسرائيل" و"حماس"، قد وضعها تحت مجهر قاس على نحو خاصّ خلال العام الماضي، حين تدفّقت الانتقادات من المسؤولين الإسرائيليين من ضمنهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والناشطون والأكاديميون المؤيّدون لـ "إسرائيل" في الولايات المتّحدة.

وعلى مدار العام الماضي، أرسل العديد من المشرّعين الأميركيين رسائل إلى إدارة بايدن يزعمون فيها أنّ قطر لا تفعل ما يكفي للضغط على "حماس" للموافقة على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى. وجاء في إحدى هذه الرسائل، "يجب أن نوضّح لقطر أنّها ستحاسب على كلّ رهينة لا تعاد إلى الوطن".

ومن بين المشرّعين الذين وقّعوا على مثل هذه الخطابات السناتور ماركو روبيو الذي اختاره ترامب لمنصب وزير الخارجية، والنائب مايك والتزّ مستشار الأمن القومي المقبل. واختار ترامب العديد من مساعديه الآخرين من "الجمهوريّين" المؤيّدين الشرسين لـ  "إسرائيل".

وفي حين أنّ "الديمقراطيين" لديهم شكوكهم أيضاً بشأن قطر، إلّا أنّ الكثير من الانتقادات للدوحة مؤخّراً كانت من جانب اليمين الأميركي. وكما أنّ علاقات قطر بإيران وبجماعة "الإخوان المسلمين"، أضرّت بسمعتها في الغرب، كذلك، قوّضت علاقاتها مع جيرانها العرب الذين ينظرون إلى الجهتين باعتبارهما تهديدات. وكانت العديد من الدول العربية قد قطعت علاقاتها مع قطر في عام 2017 وحتّى العام 2021، لكنّ تلك الدول لا تزال تتساءل عمّا إذا كانت قطر تحاول تقويض حكوماتها.

أمام هذا الواقع، يتذمّر المسؤولون القطريون من هذه الانتقادات، ويشيرون إلى أنّ الولايات المتّحدة كانت راضية على مدى سنوات عن وجود مكتب حركة "حماس" في قطر، لأنّها كانت بحاجة إلى وسيلة للتواصل مع المجموعة. كذلك، كانت قطر قد أرسلت أموالاً إلى غزّة في أثناء إدارتها من حكومة "حماس". وتقول قطر، إنّ الأموال ربّما تصل إلى مليارات الدولارات على مرّ السنين، بهدف مساعدة الفلسطينيين في غزّة على البقاء على قيد الحياة، ومن المعروف على نطاق واسع أنّ نتنياهو دعم المدفوعات كوسيلة للحفاظ على الهدوء في المنطقة. ومع ذلك، يقول المنتقدون إنّ قطر موّلت فعلياً "حماس"، ويرون أنّ الضغط على قطر هو وسيلة للضغط على "حماس".

حين سألت المسؤولين القطريين، إذا كانوا يخطّطون لتعديل نهجهم في عهد ترامب إلى نهج أكثر وضوحاً مؤيّداً للولايات المتّحدة أو لـ "إسرائيل" أو مناهضاً لـ "حماس" أو لإيران، أو أي شيء من شأنه أن يهدّئ الانتقادات، شعرت بأنّهم يأملون ألا يضطرّوا إلى القيام بذلك. وأشار المسؤولون القطريون والمحلّلون وغيرهم إلى أنّ مساعدي ترامب سيكونون أقلّ مهاجمة للدوحة بمجرّد تولّيهم السلطة وعليهم التعامل مع تعقيدات الشرق الأوسط. وحسب ما قال مسؤول قطري فضّل عدم الكشف عن هويته، "يحتاج شركاؤنا وأصدقاؤنا إلى حليف في المنطقة يمكنه التحدّث إلى الجهات السياسية الفاعلة السياسية التي لا يتعاملون معها بشكل مباشر".

ويبلغ عدد سكّان قطر نحو 3 ملايين نسمة، لكنّ نحو 10% فقط هم من المواطنين، و5 رجال يديرون هذا البلد، وهم يشعرون بالفزع من استيلاء ترامب على السلطة، ومن هيمنة "الجمهوريين" في واشنطن. وكان أمير البلاد ورئيس وزرائها تميم بن حمد آل ثاني قد زار ترامب حتّى قبل الانتخابات، كذلك رحّبت الدوحة بمبعوثي ترامب لمناقشة المفاوضات بين "إسرائيل" و"حماس"، على الرغم من أنّ رئاسته لم تبدأ بعد.

يقول طارق يوسف، المحلّل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ومقرّه الدوحة، إنّ "المسؤولين القطريين يشعرون بالقلق، ويتوقّعون ردّ فعل عنيفاً ضدّ دور الوساطة الذي أدّته قطر في العام الماضي، خاصّة في ظلّ السيطرة الكاملة على المؤسّسة السياسية من قبل حزب قريب جدّاً من "إسرائيل"، وهذا ما يجعل من الأمر أكثر خطورة وأهمّية".

وفي حديث مع الناطق باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري قال إنّ "تواصل قطر مع فريق ترامب الانتقالي يسير على ما يرام". وأضاف: "في كلّ مرّة نجتمع فيها نناقش الملفات النشطة في قضايا مختلفة، واللغة إيجابية للغاية، لأنّهم يرون العمل الذي نقوم به، وقد أذهلني مدى تكرار إشادة المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين من كلا الحزبين بقطر لنجاحها في التعامل مع قضايا حسّاسة".

لقد ساعدت قطر في التفاوض على اتّفاق لإنهاء الحرب الأميركية في أفغانستان، وحاولت المساعدة على حلّ الأزمة في فنزويلا، وأدّت أدواراً أخرى لا تتصدّر عناوين الأخبار.

وعن ذلك يقول مسؤول في إدارة بايدن، "قطر دولة معقّدة لكنّها في بعض النواحي هي الحليف الأكثر مباشرة والأفضل في المنطقة". وقال مسؤول آخر مطّلع على ديناميكيّات الشرق الأوسط، إنّ "القطريين الذين يستضيفون آلاف الجنود الأميركيين في قاعدة العديد هم شركاء دفاعيون ممتازون، ونادراً ما يقولون لا للطلبات الأميركية. ولكن، حين يتعلّق الأمر بحمل "حماس" على التوقيع على اتّفاق، فإنّ المصريين وليس القطريين، هم الأكثر استعداداً للضغط على الحركة".

مع ذلك، يقول المنتقدون إنّ الولايات المتّحدة لا بدّ وأن تقطع علاقاتها بقطر، وتتعامل مباشرة مع جماعات مثل حماس إذا لم يكن أمامها أيّ خيار آخر. لأنّ الاعتماد على قطر لا يؤدّي إلّا إلى إرباك الرسالة الموَجّهة إلى مثل هذه الجماعات. ويقول الأكاديمي الإسرائيلي أرييل أدموني المتخصّص في الشؤون القطرية، "إذا كانت قطر هي الخيار الوحيد، فمن الأفضل للولايات المتّحدة ألّا تعتمد على وسيط على الإطلاق".

وكان ترامب قد قدّم تقييمات مختلفة ومتفاوتة عن قطر، في إحداها اتّهَمها بتمويل الإرهاب. لكن، ورد أنّ صهره جاريد كوشنر لديه علاقات مالية كبيرة مع قطر، كما هي الحال مع آخرين في فلك ترامب. وقال أحد المساعدين السابقين إنّه على الرغم من "المشاعر المناهضة لقطر بين بعض مؤيّدي ترامب"، فمن المرجّح أن يُدعى أمير الدولة العربية إلى حفل البيت الأبيض حين يتولّى ترامب منصبه.

مع ذلك، تبدو قطر بحاجة إلى التحوط بشكل أكبر ضدّ الولايات المتّحدة في السنوات المقبلة، وعليها أن تتقارب مع السعوديين والإماراتيين، وتحتاج إلى البدء في التعامل مع الآسيويين بجدّية أكبر، من ضمنهم الصين، مع أنّ هذا قد يثير غضب ترامب.

يتجنّب المسؤولون الحكوميون القطريون طلباتي للتعليق على الوضع في جامعة "إيه اند إم". ومن غير المرجّح أن تهدأ الانتقادات الموجّهة إلى قطر، سواء كانت مشروعة أو كاذبة. ولكن، في نهاية المطاف، لن أراهن ضدّ الدوحة. مع ذلك، لا يتوقّع أن تتخلّى أيّ حكومة أميركية سواء بقيادة ديمقراطية أو جمهورية عن قطر، التي أصبحت لاعباً حيويّاً للغاية في العديد من الساحات، وهذا أمر ليس من السهل استبداله.

نقله إلى العربية: حسين قطايا