"ذي غارديان": ما المبررات التي تستخدمها "إسرائيل" للدفاع عن نفسها؟
"التهديد الوجودي" ذريعة واهية، والقوة الخارجة عن السيطرة التي تدفع الشرق الأوسط إلى حافة الهاوية هي "إسرائيل" نفسها.
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً للكاتبة نسرين مالك تتحدث فيه عن المبررات التي تطلقها "إسرائيل" للدفاع عن نفسها بعد أن تقوم بالإبادات الجماعية، وتشنّ الحروب، وتقتل الأبرياء.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
"التهديدُ الوجوديّ" الذي تزعمه الدولة الصهيونية هو عُذر واهٍ تستخدمه لأجل إطلاق العنان لِعدوانها الوحشي الخارج عن السيطرة، الذي يضع المنطقة برمّتها على شفير الهاوية. ولا تقتصر عُدوانية "إسرائيل" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بل تتعدّاها إلى عموم البلدان المحيطة والقريبة من فلسطين، إذ تدّعي "تلّ أبيب" أنّها تقومُ بجرائمها لأنّها مُحاطة ببلدان تُحاول القضاء عليها.
هذه الحُجج الواهية يُحاول من خلالها الاحتلال تبرير هُجومه غير المتناسب على أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول في العام الماضي، التي تقلبُ الحقائق رأساً على عقب. وما اعتداء حكومة "تلّ أبيب" في الأشهر القليلة الماضية على لبنان إلّا دلالة على أنّها هي التي تُشكّل تهديداً لـ "جيرانها".
وفي يوم الاثنين الماضي وحده، قتلت الغارات الجوّية الإسرائيلية 558 مدنيّاً في لبنان، وهو نصف عدد الضحايا الذين اُستشهدوا خلال شهر كامل من المواجهة مع رجال المقاومة في عُدوان تمّوز عام 2006. وكان من بين الضحايا 50 طفلاً، فضلاً عن العاملين في المجال الإنساني والمُسعفين وسواهم من المدنيّين، إضافة إلى نُزوح نحو مليون لبناني من منازلهم في الجنوب، ومن مناطق أخرى.
وفي يوم الجمعة الفائت، دمّرت "إسرائيل" 6 مبانٍ سكنية لأجل اغتيال زعيم حزب الله السيّد حسن نصر الله، مُكرّرة أفعالها في غزّة في لبنان، ولا يُوجد حدّ لِجرائمها بحقّ الأبرياء لتحقيق أهدافها.
ومُنْذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزّة، انخرط الجيش الصهيوني وحزب الله في مُواجهة أظهرت القدرة العسكرية والعزيمة لدى الطرفين، وتبادلا الصواريخ والخطابات القويّة، لكنّهما لم يشرعا أبداً في حرب مفتوحة وبلا أسقف، إلى أن ارتكبت "إسرائيل" جريمتها المروّعة بتفجير أجهزة البيجر وأجهزة لاسلكية بعناصر من المقاومة وبعدد كبير من العاملين في القطاعات المدنية الصحّية والخدمية الأخرى اللبنانية، ثُمّ أتبعتها بتصعيد عُدوانها بالغارات الجوّية على مدى الأسبوع الماضي، وهي مُستمرّة حتّى الآن، وحكومة بنيامين نتنياهو غارقة في مستنقع غزّة وغير قادرة على تحقيق نصر تُشهّره أمام مُستوطنيها. لذلك، تُحاول أن تُحصّله من المواجهة مع المقاومة في لبنان، من دُون أن تأخذ بعين الاعتبار أنّ حزب الله ومحور المقاومة امتنعوا حتّى الآن عن الولوج إلى الحرب الكبرى التي قد يُقرّونها.
ومُجدّداً، يَجدُ فِيه المدنيّون اللبنانيّون أنفسهم عالقين في التبريرات الدولة الصهيونية بأنّها تقتلهم؛ لأنّهم "يُهدّدونها وجوديّاً"، مع أنّ التهديدات الحقيقية والخطيرة للاستقرار الإقليمي وحتّى العالمي تتسبّب به "إسرائيل"، وهي القوّة المتوحشة الخارجة عن السيطرة الوحيدة في المنطقة، وربّما في العالم، حتّى إنّها لا تستمع إلى الولايات المتّحدة الداعم الرئيسي لها، والتي تزعم أيضاً أنّ "إسرائيل" تعملُ ضدّ رغباتها في الحرب على لبنان، ولم تُعلمها بخطّة ارتكاب جريمة اغتيال السيّد حسن نصر الله، كما تُحاول أن تُؤكّد إدارة الرئيس جو بايدن.
لقد حجبت الحرب الإسرائيلية الطويلة على الفلسطينيين في غزّة صُور الجرائم الأخرى التي ترتكبها الدولة الصهيونية في الضفّة الغربية ولبنان وسوريا ومناطق أوسع.
كلّ ذلك، ولم يظهر بين الدول الجارة لفلسطين المحتلة من يُريد تدمير "إسرائيل"، وبعضها يعتبر أن الصراع سُوّي إلى حد كبير وفقاً لشروط "إسرائيل"، إذ وقعت مصر مُعاهدة "كامب ديفيد" معها قبل أكثر من 40 عاماً، وانسحبت من الصراع. وعلى منوالها، وقع الأردن اتّفاقية مُشابهة مع الدولة الصهيونية في العام 1994، مع أنّها ما زالت تحتلّ الضفّة الغربية التي كانت تحت وصايته، ومن ضمنها مدينة القدس. كذلك، ترتبط دُول عربية باتّفاقيات إذعان مُشابهة، تتقدّمها دولة الإمارات العربية والسودان ومملكتا البحرين والمغرب، ما منح "إسرائيل" شرعيةً واعترافاً من أشقّاء الضحايا الأبرياء الذين تقتلهم "إسرائيل" كلّ يوم. مع ذلك، يجمع المحلّلون والمراقبون على أنّ المملكة العربية السعودية لا تنظر إلى الحرب على غزّة على أنها قد تُؤثّر في قواعد سياق مشروع تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" الذي تحرص عليه الدولة الخليجية.
وبالنسبة إلى هذه الدول، تُشكّل القضية الفلسطينية اختباراً لها، وتُعطّل علاقتها مع الحلفاء الغربيين. مصر مثلاً في خضمّ أزمة اقتصادية، وتتعرّضُ لضغوط شديدة لاتّخاذ قرار بشأن السماح بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ما يُؤدّي إلى تمكين التطهير العرقي الإسرائيلي في غزّة. والإمارات مُتورّطة بالفعل في الحرب في السودان، والسعودية راغبة بشدّة في التخلّي عن قُوّتها باستخدام النفوذ الديني والثروة، والشروع في أعمال بناء المدن الضخمة اللامعة على الطريقة الغربية، وشراء الامتيازات الاستثمارية الرياضية، و"تطهير" سُمعتها كدولة محافظة. وعلى هذا المنوال، دولة قطر الحليف "الجذريّ" للولايات المتحدة، وعلى أرضها أكبر منشأة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، والأردن بلد فقير الموارد واقتصاده هشّ، ويعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات الأميركية للبقاء على قيد الحياة.
مع ذلك، تُصوّر "إسرائيل" وضعها بأنّها مُحاصرة ومُهدّدة من أنظمة دول معظمها دجن مُنذ فترة طويلة، أو أنّها غارقة في مشكلاتها الخاصّة، وما تزعمه "إسرائيل" هو فقط لتبرير عدوانها، وتصويره على أنّه ردّ ضروري من دولة مُحاطة بِمن يرفضُ وجودها.
إنّ مصدر التحدّيات الأمنية التي تُواجهها الدولة الصهيونية نابع في الأصل بسبب عُدوانيّتها المتصاعدة في فلسطين المحتلّةِ وفي عموم المنطقة، وفي مُقدّمتها الحصار الجائر الذي تفرضه على غزّةَ والإبادة الجماعية على نطاق واسع في القطاع والفصل العنصري في الضفّةِ الغربية، واستمرار احتلالها للأراضي التي أمرتها قرارات مجلس الأمن الدولي بإخلائها، وتوسيعها غير القانوني للمستوطنات. وما دامت مستمرة بهذه الأعمال، فإنّ الانتفاضات الفلسطينية ستستمر بالوسائل كُلّها، بما فيها المواجهات الحادّة مع القوّات الإسرائيلية والمستوطنين مهما كانت التضحيات كبيرة.
استمرارُ العدوانية الإسرائيلية بلا لجام من حُلفائها في الولايات المتّحدة والمنظومة الغربية قد يُؤدّي إلى ردّ من إيران والجهات الفاعلة في محور المقاومة مثل حزب الله والحوثيّين، وهذا ما تجذبه الدولة الصهيونية التي تدفع المنطقة بشكل مُتزايد إلى شفير الهاوية.
نقله إلى العربية: حسين قطايا