"Responsible Statecraft": هل بايدن ضعيف جداً أو غير راغب في منع "سراييفو" جديدة؟
إنّ الحرب مع إيران قد تكون وشيكة. ويتلخّص التزام القائد الأعلى للولايات المتحدة الأميركية في وضع مصالحنا أوّلاً، وليس مصالح "إسرائيل".
مجلة "Responsible Statecraft" تنشر مقالاً للكاتب روبرت إي. هنتر، الذي عمل سابقاً سفيراً للولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي، وعضواً في طاقم مجلس الأمن القومي في فترة الرئيس جيمي كارتر حيث كان في البداية مديراً لشؤون أوروبا الغربية ثم مديراً لشؤون الشرق الأوسط.
ويقول هنتر في مقاله إنّه يجب على الرئيس الأميركي عدم الانجرار إلى الحرب الإقليمية التي يريدها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بل وضع مصالح بلاده أولاً.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
تمرّ منطقة الشرق الأوسط في محطّة سياسية مماثلة لأزمة "سراييفو" عاصمة البوسنة، التي انطلقت منها شرارةُ الحرب العالمية الأولى في القرن الماضي. فالتصعيد الساخن بين جمهورية إيران و"إسرائيل" يتزايد نحو صراع سيتجاوز بحجمه الكبير حُدود الإقليم. والقيادة لدى الطرفين تُمسك بقرار الولوج إلى الحرب أو الاتّجاه نحو التهدئة. ولكن، هناك من له دور حاسم في كلا الخيارين، هو الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يستطيع وقف التصعيد والسيطرة عليه، في حال مارس المزيد من الضغط والسلطة على الحليف الإسرائيلي، لا الاكتفاء بدور سلبي كما فعل طوال العام الماضي.
إنّ الحرب مع إيران قد تكون وشيكة. ويتلخّص التزام القائد الأعلى للولايات المتحدة الأميركية في وضع مصالحنا أوّلاً، وليس مصالح "إسرائيل".
يُنذر اتّساع نطاق تبادل النيران بين إيران و"إسرائيل"، بالتحوّل إلى حرب شاملة سيكون لها تأثير استراتيجي وكارثي على العالم كُلّه، وقد يبدو الدمار المروّع الذي نُشاهده مُنذ عام صغيراً إذا ما قُورن بما يمكن أَن يحدث. ولا شكّ في أنّ الولايات المتحدة سوف تتورّطُ في هذا، كما يُريد نتنياهو الذي يُخطّط مُنذ فترة طويلة لجرّها إلى الصراع.
من المؤسف أنّ النقاش داخل فريق بايدن الأعلى لا يدور حول ما إذا كان ينبغي لـ "إسرائيل" أن تشنّ ضربات كبرى ضدّ إيران ردّاً على الهجمات الصاروخية الأخيرة، بل حول أين وكيف، حتّى إنّ الرئيس بايدن قدّم نصائح علنية لـ "تلّ أبيب" حول نيّاتها العدوانية، بدل السعي لكسر حلقة العنف المتصاعد.
وخلال العام الماضي، كانت الولايات المتّحدة تُؤدّي دور دعم "إسرائيل" كمقاتل بالوكالة في عُدوانها على جبهات مُتعدّدة، من خلال مدّها بالسلاح الفتّاك بغزارة مهولة، إضافة إلى حمايتها عسكرياً وأمنياً، كما فعلت لمرّتين باعتراض وابل الصواريخ الإيرانية على "الدولة" الصهيونية. وفي الوقت عينه، حافظت واشنطن على إظهار جهودها الشكلية لخفض العدوان على غزّة والآن على لبنان، لكنّها عملت بدبلوماسية كسولة تتوخّى استمالة أطراف الصراع عوضاً عن العمل على فرض وقف إطلاق النار.
مع ذلك، لا تتطابق مصالح الولايات المتّحدة مع "إسرائيل" بالكامل بما يتعلّق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكن، كلتاهما تجتمعان تحت طُموح إسقاط الدولة في ذلك البلد وتفكيكه وإدخاله في الفوضى كما تُريد "تلّ أبيب" وما عملت عليه خلال عُقود، وتجد فرصة سانحة الآن لتطبيقه، وهذا ما يجب الانتباه إليه من بايدن وفريقه في أنّ هذا الاتّجاه التآمري قد يُطلق فوضى في جميع أنحاء المنطقة وخارجها على الأرجح.
تتركّزُ المصلحة الاستراتيجية الأهمّ للولايات المتّحدة مع إيران، حول تعهّد الأخيرة بعدم إنتاج الأسلحة النووية. لكنّ نتنياهو يُقوّضُ الجهود الأميركية في هذا الصدد. وفي عام 2015، أبرمت الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا والاتّحاد الأوروبي والمملكة المتّحدة والولايات المتحدة اتّفاقاً نووياً مع إيران، أو "خطّة العمل الشاملة المشتركة"، وقد التزمت طهران بالكامل ببنود الاتفاق، الذي عارضته "الدولة" الصهيونية بحجّة أنّه يترك إيران مُحتفظة ببرنامج نووي مدني.
لقد أثمرت جُهود نتنياهو بتخريب الاتّفاق المذكور، وانصاعت إدارة الرئيس دونالد ترامب لإرادته وانسحبت من الاتّفاق في العام 2018. وحين تولّى بايدن منصبه في عام 2021، كان بإمكانه ببساطة الانضمام إلى الاتّفاق مُجدّداً، لكنّه فشل أو لم يُرد القيام بذلك. ثمّ انخرطت إدارته في عملية تفاوض طويلة ومُضنية لتحقيق صفقة "أفضل" مع إيران. ولا يمكن لأي مراقب مُنصفٍ أن يحكم على المفاوضات بأنّها كانت جادّةً، لأنّ "الدولة" الصهيونية ومن يُؤيّدها في الولايات المتّحدة أرادوا المحادثات على هذه الصورة.
مع ذلك، أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال الجمعية العامّة للأمم المتّحدة التي عُقِدت في نيويورك الشهر الماضي، استعداد حكومته للانضمام مُجدّداً إلى الاتّفاق النووي، لكن من عجيب المفارقات أنّ فريق بايدن تجاهل مُبادرة إيران.
أكّد الرئيس بايدن علناً مُنذ فترة طويلة الحاجة إلى وقف إطلاق النار في غزّة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من قبل حركة "حماس"، لكنّه فشل في دعم هذا الاتّجاه بقوّة الولايات المتحدة. ومن ثمّ، زار وزير الخارجية أنتوني بلينكن وغيره من كبار المسؤولين الأميركيين المنطقة مرّاتٍ عديدة؛ لكنّ بايدن رفض أيضاً مُطالبة نتنياهو بالمضي في اتّفاق حقيقي، حتّى عندما أظهرت حركة "حماس" بعض المرونة لأجل وقف العدوان، فرض نتنياهو مطالب جديدة على الاتّفاق في سبيل إفشاله، ولم يفعل بايدن أيّ شيء لربط إمدادات الأسلحة إلى "إسرائيل" لو مُؤقّتاً إلى حين إعلان مُوافقتها على وقف إطلاق النار، ولم يشترط أيضاً على استمرار الدعم العسكري بفتح "إسرائيل" للحدود أمام التدفّق الحرّ للإغاثة الإنسانية التي تشتدّ الحاجة إليها في قطاع غزّة.
ومع عدم رغبة بايدن في فعل أكثر من الحديث عن وقف إطلاق النار في غزّة، بالإضافة إلى قبوله الفعلي لرفض "إسرائيل" لأيّ تقدّم في مجال الحقوق الفلسطينية، ناهيك بحلّ الدولتين، لم ير نتنياهو أيّ عقبة أمام اتّخاذ الخطوة التالية في استراتيجيته طويلة الأجل هدفها القضاء على حزب الله والمقاومة في لبنان. وبايدن فعلياً أعطى الضوء الأخضر لحملة العدوان الإسرائيلية المتواصلة التي أدّت إلى نُزوح أكثر من مليون لبناني واستشهاد نحو 2000 شخص من المدنيين الأبرياء بينهم مئات الأطفال. وبينما بايدن يكتفي بالكلام عن الأحداث الدموية، يُحوّل نتنياهو تركيزه العدواني نحو إيران، الجبهة الأكثر أهمّية لمستقبل الشرق الأوسط بأكمله والمصالح الاستراتيجية الأميركية في مُقدّمتها.
وكما هي عادته، أجرى نتنياهو حسابات ذكية بشأن السياسة الداخلية الأميركية، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بعد شهر واحد فقط، فهو يعلم أنّ بايدن لن يفعل أي شيء لمنع "إسرائيل" من المضي في عُدوانها حتّى يوم تنصيب الرئيس الجديد. ولن يُخاطر بايدن بتنفير "الدولة" الصهيونية وجماعات الضغط القوية.
ترتكز مُطالبة واشنطن لنتنياهو بعدم مُهاجمة مواقع حيوية في إيران، لأنّها تُدرك أنّ هذا الأمر سيجعل من اندلاع حرب كبرى أمراً حتمياً، التي قد تنطوي على انخراطها فيها وهي لا تُريد تحقيق حلم نتنياهو مُنذ فترة طويلة في أن تتولّى الولايات المتحدة مُعالجة "مشكلة إيران" الإسرائيلية.
لقد كان الدعم الأميركي لـ"دولة" الاحتلال الإسرائيلي الأساسي راسخاً على الدوام، ولو أنّ واشنطن عارضت في بعض الأحيان عُدوانها وعنفها، مثل ما حصل خلال "العدوان الثلاثي" على مصر في عام 1956، وحصار بيروت في العام 1982. كما شجبت بالكلام وليس بالعمل الجادّ بعض السياسات الإسرائيلية، مثل استيطان مئات الآلاف من اليهود الإسرائيليين في الضفّةِ الغربية في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وباعتبارها الراعي الأبرز لـ "إسرائيل"، يتعيّن على أميركا الآن أن تُوضّح أنّ استمرار الدعم العسكري والدبلوماسي الأميركي لها سوف يكون في خطر إذا فشل نتنياهو وحاشيته في عدم أخذ المصالح الأميركية بعين الاعتبار، ويتعيّن على "تلّ أبيب" أيضاً أن تستوعب الاعتبارات الأميركية، التي تشمل عدم المساهمة في مخاطر اندلاع حريق كبير.
إذا كان بايدن يسعى إلى تجنّب لحظة "سراييفو "، فعليه الآن أن يضع مصالح الولايات المتّحدة في المرتبة الأولى، عوضاً عن الاستمرار في الخضوع لمنظور "إسرائيل" ورغباتها كما تقتضيه وظيفته كقائد أعلى.
نقله إلى العربية: حسين قطايا