"Mondoweiss": الولايات المتّحدة لا "تضغط" على إسرائيل لإنهاء حربها
تستمرّ المذبحة الإسرائيلية في غزّة ولبنان، ولا أمل بانحسار الدعم الأميركي للجرائم الإسرائيلية أيّاً كان الفائز في الانتخابات.
موقع "Mondoweiss" المستقل ينشر مقالاً للكاتب ميتشل بليتنيك، يتحدث فيه عن الضغط الأميركي المزعوم على "إسرائيل" لوقف حربها على غزّة ولبنان، مؤكداً أنّ إرسال المنظومة الدفاعية "ثاد" إلى "إسرائيل" دليل على أنّ واشنطن ستستمر في دعمها، وأنّ تهديداتها بقطع السلاح عنها هي مجرد حملة إعلامية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
بعد إعلان مقتل زعيم حركة حماس يحيى السنوار، اعتقد البعض أنّ بنيامين نتنياهو قد يتفاوض أخيراً على تبادل الأسرى واتّفاق لوقف إطلاق النار في حربه على قطاع غزّة. وعزّزت هذا الاعتقاد وهذا الأمل رسالةُ وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن إلى "وزير الأمن" الإسرائيلي يوآف غالانت، وطلبا فيها تخفيف الحظر المفروض على الموادّ الغذائية والضرورية التي تُحافظ على الحياة من دخول شمال غزّة، خشية أن تؤثّر سلباً في إمدادات الأسلحة الأميركية الضخمة إلى "إسرائيل".
ويبدو أنّ أولئك الذين أثاروا مثل هذه الآمال لوقف المذبحة الإسرائيلية في غزّة، لم ينتبهوا، خلال العام الماضي، للانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدوليّ ولانتهاكات حقوق الإنسان، والتي لا مثيل لها في التاريخ الحديث.
مُنذ شرعت "إسرائيل" في الحرب على غزّة تمّ توثيق الإبادة الجماعية بجلاء ولم تخفها "إسرائيل"، وجنودها كانوا يبثّون، في المنصات، جرائمهم الموثقة باستمرار وفخر، ولم يُعوِّق ذلك تدفّق الأسلحة إلى "تلّ أبيب" إطلاقاً. فقط بريطانيا وفرنسا ضيّقتا على عدد قليل من العقود العسكرية مع "إسرائيل". ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وقف شحنات الأسلحة الهجومية إلى "الجيش" الإسرائيلي، لكنّ واشنطن وبرلين تقدَّمتا الجميع في تمويل جرائم "إسرائيل" بغزارة، واستمرّت الأسلحة في التدفّق كأنّ شيئاً لم يكن.
لقد انتهكت إدارة جو بايدن بصورة مُتكرّرة القانون الأميركي، وقام الوزير بلينكن بتضليل الكونغرس بشأن تسهيل "إسرائيل" دخول المواد الغذائية والطبّية والمساعدات لسكّان غزّة المحاصَرين. وربّما تكون إدارة بايدن حكمت على الحزب الديمقراطي بالهزيمة في الانتخابات الأميركية القريبة المقبلة، بسبب إصرارها على دعم أسوأ إبادة جماعية في القرن الجاري.
المزيد من السلاح الأميركي للإبادة الجماعية
رسالة لويد وبلينكن إلى غالانت ليست أكثر من مسرحية سياسية، وهدفت إلى إبلاغ الناخبين الأميركيين كي يمنحوا أصواتهم للديمقراطيين في الانتخابات المقبلة، كونهم يجهدون في وقف أسوأ جرائم "إسرائيل" في غزّة، وهم في الواقع، لا يفعلون شيئاً من هذا القبيل.
والرسالة المذكورة، كالعادة، لم تحمل تهديداً، ولم تلوّح بعواقب جدّية قد تتّخذها واشنطن كي تمتثل "إسرائيل" للقوانين الدولية والإنسانية والحقوقية، فقط اكتفت بالإشارة إلى أنّ استمرار "إسرائيل" في تنفيذ الإبادة الجماعية بحقّ الفلسطينيين، قد يكون له آثار في سياسة الولايات المتّحدة بموجب القوانين ومذكّرة الأمن القومي التي أصدرها بايدن مُنذ أشهر، والتي تفرض "الإبلاغ بشأن امتثال متلقّي المساعدات العسكرية الأميركية للقانون الإنساني الأميركي والقانون الدولي".
القول إن عدم الامتثال الإسرائيلي "قد يكون له آثار"، هذا استنتاج واضح، لكن لن يكون له أيّ تأثير في شحنات الأسلحة المديدة إلى "إسرائيل"، وهذا أوضح، وخصوصاً في عهد إدارة بايدن، الذي لا يفوت فرصة في إعلان صهيونيته العميقة، ولا يمكن أن يُعاقب "إسرائيل" أبداً. ويعزّز ذلك حقيقة، مفادها أنّ الرسالة المذكورة تمنح "تلّ أبيب" 30 يوماً لتنفيذ توصياتها، مع أنّه في الحقيقة لم تطلب الرسالة أيّ شيء يتطلّب كثيراً من الوقت للتنفيذ. لكن، بالنظر إلى أنّ الرسالة تأتي ردّاً على تهديد إسرائيلي بتجويع سكّان شمالي غزّة لإجبارهم على الخضوع والاستسلام، فإنّ 30 يوماً هي فترة كافية لإلحاق أقصى قدر من الضرر بالفلسطينيين.
وتضع رسالة بلينكن وأوستن قائمة واسعة من المتطلّبات المحدّدة التي يجب على "إسرائيل" الوفاء بها من أجل اجتياز المعايير الأميركية الموضوعة. ومع أيّ كيان آخر، ستتطلّبُ هذه القائمة استيفاء كلّ شرط بصرامة، أو أن يقدّم ذلك الكيان تفسيراً لسبب قُصور التزامه. أمّا بالنسبة إلى "إسرائيل"، فإنّ الغاية من القائمة هي وسيلة للدعاية للمتحدّثين باسم وزارة الخارجية الأميركية، أمثال ماثيو ميلر وفيدانت باتيل وأبواق البيت الأبيض كارين جان بيير وجون كيربي، للادّعاء أنّ إسرائيل تُحاول "الوفاء بالتزاماتها في ظلّ ظروف صعبة للغاية"، وهذه الأحاديث المزدوجة المعايير المعيبة.
في الأسبوع الماضي، سمحت "إسرائيل" بدخول 50 شاحنة مُحمّلة بالمساعدات الإنسانية لشمالي غزّة، بعد أسابيع من عدم السماح بنفاد أيّ شيء إطلاقاً، مع أنّه كان يدخل غزّة قبل عام من الآن 500 شاحنة يومياً ولم تكن كافية. ومع ذلك، لم تهتمّ مصادر إدارة البيت الأبيض إِلّا بالإشارة إلى نجاح جُهودها في فتح محدود للمعابر إلى غزّة، وأنّ "إسرائيل" اتّخذت خطوات نحو بعض الشروط الأميركية الأخرى المنصوص عليها في رسالة لويد وأوستن.
لماذا أُرسل الخطاب؟
عندما يتعلّق الأمر بالدعاية في زمن الحرب، فإنّ وسائل الإعلام البوقيّة تساعد دائماً. لقد عنونت وكالة "أسوشيتد برس"، في تقرير لها عن رسالة الوزيرين، "الولايات المتّحدة تحذّرُ إسرائيل من عدم زيادة المساعدات الإنسانية إلى غزّة أو المخاطرة بفقدان تمويل الأسلحة". بالطبع، لم تفعل الولايات المتّحدة شيئاً من هذا ولم تُفكّر في تنفيذه أصلاً. لكن هذا لا يعني أنّ إدارة بايدن لم تكن تُريد شيئاً من "إسرائيل"، فالرسالة هي ردّ فعل أميركي مُوارب ومُلتبس على ما يُسمّى "خُطّة الجنرال"، ةالتي دبّرها الجنرال الإسرائيلي السابق غيورا آيلاند. ودعت هذه الخطّة إلى تجويع سُكّان شمالي غزّة، وإجبارهم على النزوح إلى الجنوب، وإعلان أنّ أيّ شخص يبقى سيُعَدّ "إرهابيّاً" وهدفاً مشروعاً للجيش الإسرائيلي. لكن خُطّة الجنرال الصهيوني للتطهير العرقي أكبر ممّا تستطيع الولايات المتّحدة تحمله.
من الواضح أنّ بايدن كان يخشى أن تُؤدّي الخطّة الإجرامية، والتي كانت جارية بالفعل مع إغلاق شمال غزّة تماماً، إلى إثارة المزيد من الجدل بين الأميركيين في وقت قريب جداً من الانتخابات، ممّا يُؤثّر في حظوظ حزبه بالفوز. ومن المعبر حقيقة أن تصبح خُطّة إيلاند الإجرامية نقطة نقاش عامّة في الداخل الأميركي قبل أن تنجز بالكامل، في وقت اعتقدت فيه "إسرائيل" في أنّها ستتمكّن من المضيّ قدماً في مُؤامرتها، ليس فقط بالنظر إلى عدم اكتراث المسؤولين الأميركيين، ولكن أيضا المسؤولين الأوروبيّين وقادة الدول الخليجية العربية، شركاء بمستوى ما بصمتهم على الفظائع الإسرائيلية في قطاع غزّة.
مع ذلك، الشيء المريح في الخُطّة بالنسبة لـ "إسرائيل" هو أنّه، حتّى لو تراجعت عنها، فإنّ هذا يعني فقط العودة إلى الإبادة الجماعية الأبطأ قليلاً التي تجري بالفعل. تسمح "إسرائيل" لبعض الشاحنات بالدخول وتفتح بعض المعابر، لكنّ القصف بكلّ أنواعه وإطلاق النار مُستمرّة بلا هوادة، وجميع مشاكل إيصال المساعدات إلى الناس لا تزال قائمة، و"الأونروا" على شفا الانهيار المالي والهيكلي. وبطبيعة الحال، فإن أغلبية المساكن والبنى التحتية في شمالي غزّةَ دُمّرت بالفعل، وظروف الناس هناك مُواتية للأمراض وجميع المخاطر الأخرى بمستوى مُرتفع وأكبر من مناطق جنوبي القطاع.
الرسالة ذات المغزى الحقيقي لـ "إسرائيل" لم تأتِ هذا الأسبوع من أنتوني بلينكن ولويد أوستن، بل جاءت على متن سفينة تحمل نظام الدفاع الجوّي الأميركي "ثاد"، رفقة نحو 100 جندي أميركي. ونظام "ثاد" مُخصّص للارتفاعات العالية وهو مُتطوّر للغاية، وأثبت فعّاليته العالية في إسقاط الصواريخ قصيرة ومتوسّطة المدى قبل بلوغ أهدافها. وسبق أن نشرت الولايات المتّحدة بَطّارية "ثاد" لمصلحة "إسرائيل" عام 2019 لإجراء تدريبات مُشتركة، وهذه هي المرّة الأولى التي تتمركز فيها في فلسطين المحتلّة مع هذا العدد الكبير من القوّات الأميركية لتشغيلها.
إنّ نشر نظام "ثاد" سيمنح "إسرائيل" طبقة إضافية من الإفلات من العقاب في جهودها لإثارة حرب إقليمية مع إيران. إنّ وجود القوات الأميركية يُعزّز فرص أن تتمكّن "إسرائيل" من جرّ واشنطن إلى مثل هذا الصراع.
مع نشر نظام "ثاد"، ومقتل السنوار، والهجوم على اليمن من الولايات المتّحدة في الأسبوع الماضي، يمكن فهم لماذا يعتقد البعض أنّ "إسرائيل" كانت مستعدّة للاتّفاق أخيراً على تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزّة. لكن، ما كان يجري كان مُعاكساً تماماً، فحكومة بنيامين نتنياهو مُنخرطة في استفزاز إيران، وهي تتورّط في حملة إبادة جماعية أخرى في لبنان الآن بعد غزّةـ، التي صارت أنقاضاً بالفعل.
كامالا هاريس تنسخ لعبة بايدن ذاتها. وقالت إن "هذه اللحظة تعطينا فرصة لإنهاء الحرب في غزّة أخيراً. ويجب أن ينتهي بحيث تكون إسرائيل آمنة، ويتمّ إطلاق سراح الأسرى، وتنتهي المعاناة في غزّة، ويتمكّن الشعب الفلسطيني من حقّه في الحرّية والأمن والكرامة وتقرير المصير. لقد حان الوقت لليوم التالي أن يبدأ من دون حماس في السلطة"، وردّد مسؤولون آخرون كلمات مماثلة، مُتَجاهلين الواقع نفسه الذي تجاهله بايدن مدّةَ عام، وهو أنّ نتنياهو وحكومته ليس لديهما مصلحة في إنهاء الحرب على غزّة. حتّى زعيم المعارضة غانتس "المعتدل"، يوضّح أنّه لا يوجد احتمال لذلك، ويقول إنّهم سيستمرّون في غزّة لسنوات مقبلة.
في أثناء ذلك تستمرّ المذبحة الإسرائيلية في غزّة ولبنان، ولا أمل في انحسار الدعم الأميركي للجرائم الإسرائيلية أيّاً كان الفائز في الانتخابات. والرسالة الحقيقية واضحة من إدارة بايدن في تموضع نظام "ثاد" ونشر الجنود الأميركيين لحماية "إسرائيل".
نقله إلى العربية: حسين قطايا