"Counterpunch": العار الأخلاقي للسياسة الخارجية للولايات المتّحدة
لم يمثّل أيّ من مرشّحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تحدّياً حقيقياً لتواطؤ الولايات المتّحدة في حرب "إسرائيل" المروّعة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة.
موقع "Counterpunch" ينشر مقالاً للكاتب مارك هاريس، يتحدث فيه عن ازدواجية المعايير والعار الأخلاقي للسياسة الخارجية الأميركية تجاه القضية الفلسطينية والحرب على غزّة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
تسبّب انتخاب دونالد ترامب لولاية رئاسية أخرى، بمشاعر اليأس العميق بين ملايين الناخبين الأميركيين، وكلّ من يتمسّك بحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، الذين فزعوا لعودة هذا المصاب بجنون العظمة سيئ السمعة إلى البيت الأبيض. والأسوأ من نتائج الانتخابات هو حقيقة أخرى متوارية، إذ لم يمثّل أيّ من مرشّحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تحدّياً لتواطؤ الولايات المتّحدة في حرب "إسرائيل" المروّعة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة. ولقد أظهرت الانتخابات الرئاسية أنّها اختيار بين مرشّحين مختلفين بوضوح، وليس لأيّ منهما قدرة على اتّخاذ موقف مبدئي من جريمة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرّة ضدّ الفلسطينيين.
لقد قدّمت نائبة الرئيس كامالا هاريس ترشّحها كمدافعة عن الديمقراطية، باعتبارها الأمل الوحيد ضدّ الافتراس الفاشي للجمهوري ترامب. لكنها، رفضت النظر في إحداث أدنى تغيير في المسار من الدعم القوي لإدارة بايدن لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزّة. وفي الحقيقة وعلى مدى أكثر من عام، مكّنت إمدادات الأسلحة الأميركية لـ "إسرائيل" من تنفيذ إحدى أكثر الهجمات العسكرية تركيزاً وفتكاً على المدنيين في العصر الحديث.
كلّ ذلك تحت رعاية إدارة بايدن، بأسلوب ليس أقلّ من عرض رعب مواز لرؤية ترامب الفاشية والبائسة للولايات المتّحدة. وما هو نوع الديمقراطية التي مثّلتها حملة هاريس بالضبط، إذا استبعدت أبسط حقوق الشعب الفلسطيني في عدم إبادته.
في نهاية المطاف، لم تكن حملة هاريس أكثر من آلة تسويق برّاقة، وإعلان تجاري مرتفع التكاليف لتغذية الحرب القديمة وسياسات بورصة وول ستريت. وبعد أشهر من الاحتجاجات الطلّابية في الجامعات الأميركية والشوارع، وفي جميع أنحاء البلاد من أجل وقف دائم لإطلاق النار في غزّة، وتزايد عدم شعبية الولايات المتّحدة لدورها كمصدّر رئيسي للأسلحة إلى "إسرائيل"، لم يكن لها صدى يذكر لدى مستشاري حملة كامالا هاريس، الذين يفترض أنّهم أذكياء. وكان من الأفضل بالنسبة إلى هؤلاء تسليط الضوء على دعم الجمهوريين المناهضين لترامب مثل ليز تشيني، عوضاً عن السماح لمؤيّد فلسطيني أميركي للديمقراطيين، بالتحدّث في مؤتمر حزب هاريس لو في 5 دقائق عن محنة غزّة. وكان من المهمّ لهم إظهار الولاء للرئيس بايدن، الزعيم الذي أصبح إرثه ملطّخاً بدماء الشعب الفلسطيني إلى الأبد.
بالنسبة إلى ترامب والحزب الجمهوري، فهم من المشجّعين بلا خجل للإبادة الجماعية، ويتبنّون حرب "إسرائيل" الفاسدة من دون أيّ تحفّظاتٍ أخلاقية، وبالإجماع تقريباً. ومنذ أشهر، انتصب أعضاء الحزب الجمهوري مراراً وتكراراً للتصفيق لخطاب بنيامين نتنياهو العدواني أمام جلسة مشتركة للكونغرس. ولقد كان عرضاً لا يمحى لعبادة الأصنام الوقحة لقاتل جماعي، حيث ندّد نتنياهو بالمتظاهرين الأميركيين على وقف إطلاق النار، ووصفهم بأنّهم "أغبياء مفيدون" وجهد في تبرير جرائم الحرب التي ارتكبها. ويذكر أنّ قرار دعوة نتنياهو إلى الكونغرس صدرت من الحزبين، وهي دعوة كانت حساباتها السياسية سيئة للغاية حيث اختار عشرات الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس مقاطعة الخطاب. لكنّ النائبة رشيدة طليب عن ولاية ميشيغان، اختارت الحضور وجلست بكرامة وهدوء تواجه كلمة نتنياهو بعرض لافتة مكتوب عليها عبارة "مجرم حرب" و "مذنب بارتكاب الإبادة الجماعية"، وقالت: "إنّه لأمر مخز للغاية أن يدعو نتنياهو قادة من كلا الحزبين لمخاطبة الكونغرس، بدل القبض عليه وإرساله إلى المحكمة الجنائية الدولية".
ما هو عدد الضحايا المطلوب؟
منذ احتجاج النائبة طليب حتّى اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكّرات اعتقال رسمية بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، إلى جانب زعيم حماس يحيى السنوار، في حين وصف الرئيس بايدن الموالي بإصرار لـ"الدولة" الصهيونية، قرار المحكمة المذكور باعتقال المسؤولين الإسرائيليين بالقرار "الشائن". والسؤال عمّا هي مشكلة بايدن، وما هو عدد الفلسطينيين الذين يجب أن يتعرّضوا للقصف وإطلاق النار عليهم وذبحهم وتجويعهم وتدمير منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم ومآويهم قبل أن يقول كفى؟
حتّى الآن، قتل "الجيش" الإسرائيلي في الحرب على غزّة نحو 46000 فلسطيني، من ضمنهم نحو 17500 طفل، وأصيب 107000 آخرون، وفقد أكثر من 11,000 شخص. وفي الضفّة الغربية المحتلة، قتل ما لا يقلّ عن 812 فلسطينياً، من بينهم 169 طفلاً، وأصيب 6,250 بجروح خلال العام الماضي على يد الشرطة و"الجيش" والمستوطنين الإسرائيليين.
بالإضافة إلى ذلك، قتل "الجيش" الإسرائيلي 3,823 شخصاً في لبنان من 8 تشرين الأوّل/أكتوبر في العام الماضي إلى 27 تشرين الثاني/نوفمبر هذا العام، وفقاً للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان. وأفادت التقارير بأنّ 15,859 آخرين من اللبنانيين أصيبوا بجروح نتيجة للأعمال العسكرية الإسرائيلية. كما دمّر "الجيش" الإسرائيلي جزئيّاً أو كلّياً أكثر من 100,000 وحدة سكنيّة في جميع أنحاء لبنان.
كلّ هذا لا يهمّ، بالنسبة إلى مؤيّدي نتنياهو في المؤسّسة السياسية الأميركية، ولم يتمّ تعلّم أيّ من الدروس لتجاوز الخطوط الحمر، حتّى مع استمرار تصاعد عنف الحرب الإسرائيلية بلا هوادة. وبدلاً من ذلك، صوّتت أغلبية مجلس الشيوخ مؤخّراً للموافقة على مبيعات أسلحة أخرى بقيمة 20 مليار دولار لـ"الدولة" الصهيونية. وقد صوّت 19 عضواً فقط من ضمنهم بيرني ساندرز بـ "لا".
كذلك استخدمت الولايات المتّحدة أيضاً حقّ النقض "الفيتو" ضدّ 4 قرارات لمجلس الأمن الدولي، تدعو إلى وقف فوريّ ودائم لإطلاق النار في غزّة، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المتبقّين. وزعمت المندوبة الأميركية في الأمم المتّحدة، أنّ قرار وقف إطلاق النار مؤخّراً، لا يربط بقدر كاف بضرورة إطلاق سراح الرهائن، وهو زعم رفضته كلّ الدول الأعضاء في مجلس الأمن. كلّ ذلك، وكامالا هاريس كانت تكرّر خلال حملتها الانتخابية عن عمل البيت الأبيض بلا كلل من أجل وقف إطلاق النار في غزّة.
لكن لماذا لا تزال الولايات المتّحدة حليفاً رئيسياً لـ "إسرائيل"، خاصّةً بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية في بداية العام، قراراً أوّلياً ردّاً على القضية التي رفعتها حكومة جنوب أفريقيا، بأنّ تصرّفات "إسرائيل" في غزّة تشكّل إبادة جماعية "معقولة". وفي تقرير صدر حديثاً، خلصت منظّمَةُ العفو الدولية أيضاً إلى أنّ "إسرائيل" ارتكبت ولا تزال ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزّة. وجاء فيه أنّ "إسرائيل أطلقت العنان للجحيم والدمار على الفلسطينيين في القطاع بصفاقة وبشكل مستمر". لكن لم يتغيّر شيء في السياسة الأميركية، وقتل الآلاف من الأطفال وغيرهم من الأبرياء في حملة إبادة للإرهاب الذي ترعاه الدولة هو مجرّد عمل كالمعتاد، وهو "جدل" جيوسياسي آخر لقادتنا الموقّرين الذين لن يفعلوا شيئاً حياله.
غزّة وفوز ترامب
يختلف تواطؤ إدارة بايدن في حرب "إسرائيل" عن إدارة ترامب القادمة فقط في احتضان الأخيرة بلا خجل لجرائم الحرب الإسرائيلية. لننظر فقط إلى اختيار ترامب لمنصب السفير الأميركي القادم لدى "إسرائيل" حاكم ولاية أركنساس السابق مايك هاكابي، وهو رجل يعتقد أنّه لا يوجد شخص أو شعب اسمه فلسطيني. وكان ترامب قد قال مؤخّراً، إنّه سيكون هناك "جحيم يجب دفعه"، إذا لم يُطلق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين ما زالوا في غزّة قبل تنصيبه في الشهر المقبل. وعلينا أن نتساءل عن الجحيم الذي يشير إليه، والذي لم توقعه "إسرائيل" بالفعل على الفلسطينيين. كذلك يتجاهل ترامب أيضاً عرقلة نتنياهو المتكرّرة لجهود التفاوض لإطلاق سراح الأسرى، ما يثير استياء قادة المعارضة والجمهور الإسرائيلي.
كلّ هذا لا يبشّر بالخير لمستقبل سلمي وعادل في منطقة الشرق الأوسط. فحين أغارت حركة "حماس" في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر العام الماضي على المواقع العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية، ما أدّى إلى مقتل مئات الإسرائيليين، وأسر 254 شخصاً آخرين، وصف الرئيس بايدن الهجوم بأنّه "غير مبرر". وهذا يكشف مدى قلّة اهتمام القادة الغربيّين بالتاريخ الحديث لقمع "إسرائيل" للسكّان الفلسطينيين الأصليّين، فالتاريخ لم يبدأ حين شنّت "حماس" هجومها. وبطبيعة الحال الدفاع عن حقوق الإنسان الأساسية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك الحقّ في البقاء على أرضه، لا يمكن احتسابه تأييداً سياسياً لحماس أو أيّ قيادة أو جماعة معَيّنة. وإذا ارتكب أيّ فرد أو جماعة فظائع ضدّ المدنيّين الأبرياء، فيجب محاسبة المسؤولين قانونيّاً عن الجريمة. ومن الضروريّ محاولة فهم الجذور التاريخية الأعمق للعنف، ورؤية ما وراء طبقات الدعاية الغربية والصهيونية المصمّمة لإخفاء الاحتلال الإسرائيلي الطويل واضطهاده للشعب الفلسطيني وسلبه أراضيه، وأنّ كلّ هذا يجري قبل وقت طويل من نشوء حركة "حماس".
ومن الواضح أنّ قادة اليمين المتطرّفِ الإسرائيلي لا ينظرون إلى الفلسطينيين على أنّهم بشر يستحقّون العدالة، وأن يعيشوا معهم بسلام. وفي الحقيقة، لا يمثّل تدمير "إسرائيل" لغزّة على مدى الأشهر ال 14 الماضية انحرافاً بقدر ما هو عملية تسريع لصلة "الدولة" الصهيونية التاريخية منذ عام 1948 مع الشعب الفلسطيني، عن طريق الظلم والاضطهاد.
فشل الديمقراطيين
يبدو أنّ الأصوات التوجيهية للحزب الديمقراطي، كانت واثقة من أنّ معظم الناخبين لن يهتمّوا بأنّ حملة هاريس الانتخابية، ممتلئة بسياسات تدعم الإبادة الجماعية برعاية جو بايدن. لقد كان توجّهاً بمنزلة مقامرة سيّئة، أدّت إلى انخفاض دراماتيكي في إقبال الناخبين الديمقراطيين على التصويت الأمر الذي كان حاسماً في فوز ترامب على هاريس، التي أظهرت عدم رغبتها القيام بحملة كمرشّحة مناهضة للحرب، حتّى لا تبدو وكأنّها تفصل نفسها عن ولاء بايدن الشائن لـ "إسرائيل"، ولم تفعل شيئاً للحصول على تصويت الجمهور الذي يضع حدّاً أخلاقياً، ويرفض دعم الإبادة الجماعية.
لم يكن البيت الأبيض غافلاً عن مدى عدم شعبية دعمه لـ "إسرائيل". ومنذ أشهر أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي بي إس نيوز"، أنّ 61% من الأميركيين يعارضون إرسال أسلحة إلى "إسرائيل". ومن بين الديمقراطيين والأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، عارض 77% استمرار تزويد "إسرائيل" بالسلاح. وقبل مؤتمر الحزب الديمقراطي، أظهر استطلاع للرأي آخر، أنّ ما يقرب من ثلث الناخبين الأميركيين في ولايات أريزونا وجورجيا وبنسلفانيا من المرجّح أن يصوّتوا لصالح هاريس إذا وافقت على التوقّف عن تسليح "إسرائيل"، أو إذا تمّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزّة قبل يوم الانتخابات. ومع ذلك، ظلّت حملة هاريس تعارض حظر الأسلحة، ما جعل في نهاية الأمر كلّ خطابها لوقف إطلاق النار مسرحية فارغة.
اعترفت إدارة بايدن بأنّ استخدام "إسرائيل" للأسلحة الأميركية ينتهك على الأرجح القانون الإنساني الدولي، لكنّها ادّعت أنّ هذا يفتقر إلى أدلّة "دامغة". ثمّ أوقف تسليم شحنة من القنابل التي تزن 500 و2000 رطل على نحو مؤقّت، حين هدد "الجيش" الإسرائيلي بمهاجمة رفح المكتظّة بالسكان في جنوب غزّة. كذلك وضعت إدارة بايدن خطّاً أحمر لـ "إسرائيل" لعدم مهاجمة المدينة، لكنّ نتنياهو تجاهل ذلك، وسرعان ما اجتاح "الجيش" الإسرائيلي وسط رفح، وأغارت الطائرات على الفلسطينيين في الخيام.
بالنسبة إلى إدارة البيت الأبيض، كلّ هذا لم يشكّل لها سوى "زيادة طفيفة" في العمل العسكري، وليس الهجوم "الشامل" على رفح، الذي كان من المفترض أن يعارضه خطّها الأحمر الخفي. ومن الواضح أنّ الولايات المتّحدة قرّرت آنذاك استئناف شحنات القنابل المذكورة، وظهر أنّ القلق لم يعد يساور المسؤولين الأميركيين بشأن التهديد الذي يتعرّض له السكان المدنيّون من التدمير الضاري والواسع الذي تحدثه هذه القنابل التي تتساقط عليهم من الطائرات الإسرائيلية.
هذا هو المسار لوزارة خارجية بايدن، باستثناء أنّ العديد من موظّفي الوزارة استقالوا من مناصبهم احتجاجاً على تواطؤ الإدارة في جرائم الحرب الإسرائيلية. في المحصّلة، لم يرغب بايدن ولا هاريس ولا ترامب في إنهاء أو تقليل أو وضع أيّ شروط ذات مغزى إطلاقاً على شحنات الأسلحة الأميركية إلى "إسرائيل".
حان الوقت لبروز الحركة الجماهيرية الجديدة
هناك العديد من العوامل التي أدّت دوراً في فوز ترامب في الانتخابات بلا ريب. ومن الواضح أنّ الضغوط الناجمة عن التضخّم الاقتصادي، مع الركود التاريخي في الأجور وعدم المساواة المتزايدة في الثروة، هي عوامل أثّرت أيضاً. لكنّ الأمر أكثر من ذلك، فقد استطاع ترامب التلاعب بسخرية بالشعارات الأساسية للعنصرية. وكان خطابه الشيطاني حول فيضانات المهاجرين "تسمّم دماء أميركا"، مستخدماً سياسة فرق تسدّ الكلاسيكية، ولقد كانت هذه الشعارات العنصرية مقنعة للعديد من المؤمنين به، وهو تكتيك لطالما استعملته النخب الرأسمالية منذ فترة طويلة لإعادة توجيه استياء الطبقة العاملة بعيداً من حكمهم وسلطتهم.
وربّما فاز ترامب أيضاً لمجرّد أنّه لم يكن في السلطة. ومن المحتمل أنّ الكثيرين نظروا إلى التصويت له على أنّه يهزّ النظام بطريقة أو بأخرى. على سبيل المثال، في برونكس التي تمثّلها في الكونغرس النائبة ألكساندريا الديمقراطية أوكاسيو كورتيز، فاز ترامب بنسبة 33% من الأصوات، بزيادة 11 نقطة عن انتخابات العام 2020. ومع ذلك، فازت اليساريّة التقدّمية كورتيز أيضاً بانتصار حاسم، وحافظت على مقعدها في الكونغرس لولاية رابعة بنسبة 68.9% من الأصوات. كذلك منحت أقلّية من الناخبين أصواتها الاحتجاجية لمرشّحَةِ "حزب الخضر" جيل شتاين أو للمرشّح المستقلّ كورنيل ويست، وكلاهما قام بحملته الانتخابية على منصّات مناهضة للحرب تضامناً مع فلسطين.
من جانب آخر، قام الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك" لاري فينك، الذي يشرف على إدارة استثمارات لأصول بنحو 11.5 تريليون دولار، بالتقليل من أهمّية الانتخابات بالنسبة إلى مستثمري وول ستريت، "لقد سئمت من سماع أنّ هذه هي أكبر انتخابات في حياتك والحقيقة هي أنّه بمرور الوقت هذا لا يهمّ". بتعبير آخر، ما دام تراكم رأس المال مستمراً من دون عوائق، فلا يهم من يفوز بالسلطة إن كان من الديمقراطيين أو الجمهوريين.
إنّ 4 سنوات جديدة لترامب في البيت الأبيض ستكون قاتمة. لكن، ترامب وفريقه المرافق من المحتالين المتعطّشين للسلطة والمتشدّدين والأيديولوجيين اليمينيين وغيرهم من الانتهازيين الذين يظهرون على أنّهم لا يقهرون، يمكن هزيمتهم من الاشتراكيين الديمقراطيين في أميركا إلى الصوت اليهودي من أجل السلام، ونشاط نقابات عمّال السيارات والعمّال الأخرى، إلى منظّمات الحقوق الإنجابية للمرأة وحقوق الإنسان للمهاجرين، التي تواصل هذه الأصوات التحدّث عن الحقوق الإنسانية. وثمّة حاجة إلى مواصلة تعبئة هذه الأصوات من أجل قضية السلام، وبحاجة إلى عمل سياسي ليس بسبب الوضع الراهن في واشنطن الذي يشهد على تراجع الحزب الديمقراطي، ولكن إلى سياسات تحتضن الرؤية الأكبر المناهضة للرأسمالية لما وصفه الدكتور مارتن لوثر كينغ ذات مرّة بأنّه "إعادة البناء الجذريّ للمجتمع نفسه".
لقد سئمت الشعوب من الحروب التي لا نهاية لها. والحرب المستمرّة بين أوكرانيا وروسيا كلّفت عشرات المليارات من المساعدات العسكرية الأميركية، مع عدم وجود آفاق لتسوية عادلة عن طريق التفاوض. بالنسبة لإدارة بايدن، يبدو أنّ الحرب تهدف إلى إضعاف روسيا استراتيجياً وتوفّر ثروة لمصنعي الأسلحة، أكثر من الدفاع عن السيادة الأوكرانية أو عن الديمقراطية.
في العام الماضي قال نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي نسيم فاتوري، "الآن لدينا جميعاً هدف واحد مشترك هو محو قطاع غزّة من على وجه الأرض". وأعرب قادة إسرائيليون آخرون عن تطلّعات مماثلة للإبادة الجماعية للفلسطينيين، ويا لعار هذا العالم الذي يشاهد هذه الأحداث الكابوسية بلا هوادة لأكثر من عام. ووجدت دراسة جديدة أجراها مركز التدريب المجتمعي لإدارة الأزمات بدعم من تحالف مؤسّسَة أطفال الحرب، أنّ الصدمة النفسية العميقة منتشرة بين أطفال غزّة، حيث يعيش 96% منهم محاطون بالموت والدمار والنزوح الدائم من مكان إلى آخر، ومنازلهم ومدارسهم ومجتمعاتهم دمّرتها الغارات الجوية والهجمات العسكرية الإسرائيلية.
لماذا تلتزم السياسة الخارجية الأميركية بدعم "الدولة" الإسرائيلية المارقة، التي يقودها مجرمو حرب غير نادمين؟ لقد حان الوقت كي نعترف بفلسطين كبلد يتمتع بالعدالة الأساسية وبالديمقراطية العلمانية واحترام حقوق الإنسان للجميع، وليس مشروعاً استعمارياً صهيونياً إقصائياً وعنيفاً مسلحاً بالإمبريالية الغربية. لقد سقط الآن ادعاء "إسرائيل" أنها متحضرة وديمقراطية، وكشف عن عارها كدولة الظالمة وفاسدة. ومن المؤسف أن هذه الدولة الفاشلة تعيث بغزة الخراب والدمار، وأدّت إلى رغبة ما يقرب من نصف عدد الأطفال في غزّة في الموت نتيجة للصدمة التي أجبروا على تحمّلِها. ويحتاج العالم بأسره إلى الانتفاض ضد هذا العنف الإمبريالي الرهيب والنظام الاجتماعي الذي يولده.