"Consortiumnews": الكونغرس الأميركي بيت نتنياهو الثاني
ظهور رئيس الوزراء الإسرائيلي مرة أخرى في الكونغرس يجعل الأمر يبدو كما لو أنه الرئيس الأميركي وأن "إسرائيل" والولايات المتحدة دولة واحدة.
موقع "Consortiumnews" ينشر مقالاً للكاتبة كورينا جي بارنارد تتحدث فيه عن زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، وإلقاء خطاب أمام الكونغرس.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
الرجل الذي يطلب المدعي العام في المحكمة الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب يعود منتصراً إلى واشنطن.
من المقرر أنه عندما يُلقي بنيامين نتنياهو خطابه أمام جلسة مشتركة للكونغرس اليوم الأربعاء للمرة الرابعة، سيقاطع بعض النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الحدث احتجاجاً على الإبادة الجماعية التي ينفذها رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ أشهر في غزة.
بيد أنه من المؤكد أن القاعة التي سيلقي فيها خطابه ستكون مليئة بالمؤيدين، ما يمنحه الشرعية التي يفقدها بسرعة في الداخل الإسرائيلي.
ونظراً إلى الجرائم المقترفة ضد الإنسانية التي ترتكبها قوات نتنياهو المسلحة، والحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الأسبوع الفائت بشأن عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فإن الظهور الشهير لرئيس الوزراء الإسرائيلي في الكابيتول هيل سيستحضر صوراً تليق بفيلم فيديريكو فيليني السريالي "ساتيريكون" (Satyricon).
ولكم أن تتخيلوا التصفيق الحار والتملق والعظمة والبروتوكول، بينما تتعاظم الكارثة في غزة يوماً بعد يوم.
هذا ويصل نتنياهو إلى الولايات المتحدة بالتزامن مع إجراء تصويت تاريخي في البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، في 17 تموز/ يوليو يصوّت في خلاله المشرعون ضد إقامة دولة فلسطينية. ومن خلال هذا الإجراء، يضع البرلمان حداً للنقاش طويل الأمد الذي يجريه صناع السياسة الأميركيون حول حل الدولتين، مع رفض خطط البيت الأبيض لوقف إطلاق النار.
ويمثل تصويت الكنيست رفضاً جريئاً للتأثير الأميركي على الشؤون الإسرائيلية. أمّا في مجلس النواب الأميركي، فإن الأمر على العكس تماماً؛ فكل ما ترغب به "إسرائيل"، في الوقت الحالي وفي المستقبل المنظور، ستحصل عليه.
ومن الصعب أن نجزم ما هو شعور الرأي العام الأميركي، على نطاق واسع، إزاء هذا الأمر. فأعداد الأميركيين الذين لا يوافقون على "إسرائيل" وسلوكها يظهرون في بيانات الاستطلاع، كما يختبئ الخبر اليقين خلف المعلَن من الأخبار.
وفي بعض الأحيان، تدعم أغلبية الناخبين "إسرائيل"، وفي أحيان أخرى، ترفضها. ولكن أياً كان ما يعتقده الرأي العام الأميركي، فإنه لا يبدو مهماً، بقدر ما يستمر موسم الانتخابات.
ولم يقدم أيّ من المرشحين الرئيسيين أي خطة لوقف المذبحة الهمجية التي ترتكبها "إسرائيل". وستسير نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي تتنافس حالياً للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي، على خطى الرئيس جو بايدن، "المعروف أيضاً باسم جو الإبادة الجماعية"، الذي كان المتلقي الرئيس للتمويل التراكمي المؤيد لـ"إسرائيل" على مر السنين والذي يستمر في إمداد "إسرائيل" بالسلاح لمواصلة ارتكابها الإبادة الجماعية.
وقد عملت إدارة بايدن-هاريس على توسيع ما يسمى باتفاقيات أبراهام التي وقعتها إدارة ترامب، والتي كانت تساعد "إسرائيل" على تهميش القضية الفلسطينية عن طريق إزاحتها، باعتبارها حجر عثرة في علاقات "إسرائيل" مع جيرانها الإقليميين. وقد ربط بايدن خوف حماس من تطبيع العلاقات الإسرائيلية-السعودية بالدافع لتنفيذ هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
في غضون ذلك، يبدو أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مرشح الجمهوريين، غارق بالملايين التي تقدمها المتبرعة الصهيونية السخية ميريام أديلسون، التي تأمل أن ترى ترامب يضغط من أجل ضم الضفة الغربية إلى "إسرائيل".
وأثناء وجوده في منصبه، قام ترامب (78 عاماً)، الذي نصح بايدن بالسماح لـ"إسرائيل" بـ"إنهاء المهمة"، بتصعيد التوترات الفلسطينية -الإسرائيلية. فبالإضافة إلى مساعدته "إسرائيل" على تطبيع علاقاتها مع كل من الإمارات والبحرين والسودان، أُفيد بأن البيت الأبيض في عهد ترامب قد نقل السفارة الأميركية في "إسرائيل" من "تل أبيب" إلى القدس إرضاءً لشيلدون أديلسون، قبل وفاته في عام 2021.
علاوة على ذلك، يُعارض المرشح المستقل البارز روبرت إف كينيدي جونيور وقف إطلاق النار في غزة.
وفي مقابل الدعم القوي الذي تحظى به الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة عبر هؤلاء المنافسين الثلاثة، يبرز ثلاثة مرشحين من الطرف الثالث مناهضين بشدة للإبادة الجماعية، وهم المرشحة الرئاسية لحزب الخضر جيل ستاين، والمرشح المستقل كورنيل ويست، والمرشح الليبرالي تشيس أوليفر.
وقد انتقد بعض الجمهوريين خلال المؤتمر الذي عقدوه الأسبوع المنصرم في مدينة ميلووكي، ومن بينهم الرأسمالي المغامر ديفيد ساكس، البيت الأبيض لاستفزازه روسيا للدخول في الحرب في أوكرانيا وتخريب مبادرات السلام هناك.
لكننا لا نجد لدى طرفي المنافسة الحزبية الرئيسة ما يقال كثيراً ضد "إسرائيل" أو جرائم الحرب التي يسعى بسببها كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إلى اعتقال نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وبعض قيادات حماس.
كما أنّ إحجام السياسيين عن إثارة موضوع ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو ليس مفاجئاً. فقد أوضح مجلس النواب الأميركي، قبل بضعة أشهر، أن هذا الموضوع يُعد من المحظورات.
وقد بات العالم بأجمعه على علم بطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية خان إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، إلى جانب ثلاثة من قادة حماس، بعد أن أعطى كريستيان أمانبور من شبكة "سي أن أن" السبق الصحافي في 20 أيار/ مايو.
لكن حلفاء "إسرائيل" الجمهوريين اليقظين في مجلس النواب الأميركي، الذين تنبهوا إلى التقارير الصحافية المطلعة التي صدرت في أواخر نيسان/ أبريل بشأن الخطوة التي كان خان يدرسها، كانوا يتآمرون قبل ظهور الأخبار على شبكة "سي أن أن".
وبحلول السابع من أيار/ مايو، أي قبل أسبوعين تقريباً من صدور إعلان خان الرسمي، كانوا قد قاموا بصياغة قانون مكافحة المحكمة غير الشرعية، الذي يفرض عقوبات على أي شخص يشارك في ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية. وتمت الموافقة على مشروع القانون من قبل مجلس النواب في الرابع من حزيران/ يونيو، بيد أنّ البيت الأبيض عارضه في النهاية وتوقف في مجلس الشيوخ.
لكن هذا المشروع حقق غايته. وكان بمنزلة تنصل الحزبين الجمهوري والديمقراطي من المحكمة الجنائية الدولية وانتقادها لـ"إسرائيل"، بدعم من 42 ديمقراطياً.
ويستهدف مشروع القانون "الأجانب" المرتبطين بمطاردة نتنياهو وغالانت بعدد من القيود. فمنع التأشيرات وألغاها، وكذلك المعاملات العقارية. فكان بمنزلة لافتة كبيرة كُتب عليها "ممنوع دخول" ملاحقي الزعيم الإسرائيلي، وأنّ "هذه الأرض هي أرض نتنياهو" وهو مرحب به في أي وقت.
في كانون الأول/ ديسمبر 2023، قدمت المنظمة الحقوقية "الديمقراطية الآن للعالم العربي" (DAWN)، ومقرها الولايات المتحدة، والتي أسسها الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي اغتيل في عام 2018، ملفاً عن 40 قائداً من قوات الدفاع الإسرائيلية إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وفي حزيران/ يونيو، أصدر رائد جرار، المدير التنفيذي في منظمة DAWN، تحذيراً بشأن عمل المشرعين على تشريعاتهم المناهضة للمحكمة الجنائية الدولية.
وقال جرار في بيان عبر البريد الإلكتروني مُرسل إلى موقع "كونسورتيوم نيوز": "إن مشروع قانون مجلس النواب يعرّض المشرعين الأميركيين أنفسهم لخطر عقوبات المحكمة الجنائية الدولية وأوامر الاعتقال بسبب انتهاك المادة 70 من نظام روما الأساسي الذي يحظر التخويف أو الانتقام أو عرقلة الإجراءات القضائية للمحكمة".
وقبل التصويت على المشروع، روج النائب الأميركي تشيب روي، الجمهوري من تكساس الذي رعى مشروع القانون المناهض للمحكمة الجنائية الدولية، للمشروع باعتباره وسيلة لحماية سيادة الولايات المتحدة.
وقال روي عبر منصة "أكس" للترويج لمشروع القانون: "لنكن واضحين، الأمر لا يتعلق بإسرائيل فحسب، بل يتعلق بضمان حماية سيادة بلادنا وجنودنا".
وكذلك، كرر النائب الأميركي دانييل ويبستر، وهو جمهوري من فلوريدا، مطالبته بالسيادة.
فكتب عبر منصة "أكس": "يرسل مشروع القانون هذا رسالة واضحة إلى المحكمة الجنائية الدولية مفادها أن الولايات المتحدة ستدافع عن سيادة بلادنا وستحمي حلفاءنا من الهجمات غير المشروعة من خلال فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية".
إنّ القول بأن اهتمام المحكمة الجنائية الدولية بنتنياهو وغالانت لارتكابهما جرائم حرب في غزة يشكل بطريقة أو بأخرى تهديداً لسيادة الولايات المتحدة يدل على وجود ارتباك بشأن الخلاف بين "إسرائيل" والولايات المتحدة.
وبطبيعة الحال، تمارس "إسرائيل" نفوذاً غير مبرر على الساسة الأميركيين، كما أوضح الدعم الساحق في الكونغرس لعمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها "الجيش" الإسرائيلي في غزة.
وفوق ذلك كله، يحضر نتنياهو بشكل مستمر جلسات مشتركة للكونغرس على غرار الرئيس الأميركي ويلقي خطبة حالة الاتحاد.
ونتيجة لذلك، يبدو أن "إسرائيل" والولايات المتحدة تندمجان معاً في دولة واحدة بالنسبة إلى الكثيرين في الكونغرس. وهنا تكمن مشكلة السيادة الحقيقية المتمثلة في الدمج بين المصالح الوطنية الإسرائيلية ومصالح الدوائر الانتخابية للمشرعين الأميركيين.
نقلته إلى العربية: زينب منعم