"يديعوت أحرونوت": كل الجنود الإسرائيليون في خطر محاكمة
صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقول إنّ كل الجنود في "جيش" الاحتلال يمكن أن يكونوا عرضة لاعتقال بسبب جرائم حرب، وذلك على خلفية خطة التعديلات القضائية.
تحدثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، في مقال لمحلل الشؤون الاستخبارية والعسكرية والسياسية والأمن القومي، رونن بيرغمان، عن أنّ كل الجنود في "جيش" الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن يكونوا عرضة لاعتقال بسبب جرائم حرب، وذلك على خلفية خطة التعديلات القضائية لحكومة الاحتلال.
وفيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
إذا كانت قد طُرحت لغاية الآن سيناريوهات مفادها أنّ الثورة القضائية ستؤدي إلى محاكمة طيارين وضباط في لاهاي، الآن يزعم قضائيون كبار: كل الجنود يمكن أن يكونوا عرضة لاعتقال بسبب جرائم حرب. المخاوف أُسمعت خلف أبواب مغلقة في الجيش والنيابة العامة وفي إفادات سرية في العليا. كذلك المساعدات من الولايات المتحدة يمكن أن تتضرر.
الثورة القضائية وتهديد مرتدي البزة (العسكرية): في صباح 22 آب / أغسطس، نُشرت على شبكة البريد الداخلية لمكتب محامين معتبر في "تل أبيب" الرسالة الآتية: "لمن يعنيه الأمر – في ظل الإضرار بالمحكمة العليا، توجد اليوم احتمالية عالية لمن سيخدم في المناطق (الفلسطينية المحتلة) وسيُصوّر بوجه مكشوف أن يكون عرضة للاعتقال في أوروبا وفي أماكن أخرى بسبب جرائم حرب. في حالة كهذه، سيكون من الصعب جداً المساعدة. طالما لم تُلغَ كل خطوات إلحاق الضرر بالمحكمة العليا وبجهاز المحاكم، الخطر سيكون قائماً، ملموساً وحقيقياً. يُنصح الجميع بعدم الانصياع لدعوة الالتحاق بالاحتياط".
على هذه الوثيقة توقيع المحامي روني بركمان، الشريك الكبير في المكتب وأحد القانونيين الرائدين في "إسرائيل"، وكان مرافعاً في سلسلة قضايا ومحاكمات دولية وخبير أيضاً بما يجري في موضوع القانون الدولي بما يتصل بإمكانية محاكمة أعضاء في قوات مسلحة لدولة ما في اتهامات بجرائم حرب.
في تتمة رسالته، طرح بركمان مزاعم تستند في جزء منها إلى آرائها كمعارض شديد للثورة القضائية، لكن مستهل كلامه، بما في ذلك دعوته إلى عدم الالتحاق بالخدمة (العسكرية) يتصل بموضوع آخر لا يرتبط بدعم أو معارضة بل بمخاوف من ان هذه الثورة، إذا دُفعت قدماً أو إذا أُبقي على إلغاء حجة المعقولية، إلى جانب أفعال وتصريحات مسؤولين في الحكومة، تنطوي على خطر خطير جداً على كل جنود الجيش الإسرائيلي في الخدمة الإلزامية والاحتياط.
طيارو الاحتياط الذين توقفوا عن التطوع للخدمة برروا خطواتهم، من بين جملة أمور، أيضاً بتزايد الانكشاف والخشية من تحقيقات ودعاوى وإجراءات قضائية في المحكمة الدولية في لاهاي، أو في هيئات قضائية أخرى، وكذلك ببساطة في الدول التي تعتقد أن لديها صلاحية المحاكمة في هذه المجالات. بداهةً الطيارون لا يعتقدون أن العمليات التي يُديرونها أو أداروها على أساسٍ أسبوعي في إطار خدمتهم الاحتياطية تشكّل جرائم حرب، لكن إلحاق ضرر بالمؤسسة القضائية الإسرائيلية يمكن أن يؤدي إلى تحديد الهيئات الدولية بأنها غير موثوقة وغير مستقلة بما يكفي، ولذلك ينبغي التدخل والمبادرة إلى إجراءات منفصلة.
الخطر: ليس فقط على الطيارين
الآن يتبين أنه من وراء الأبواب المغلقة ومنتديات سرية في الجيش والنيابة العامة وفي إطار إفادات سرية في المحكمة العليا، يحدد خبراء أن الأمر لا يتعلق بالطيارين فقط بل بكل جنود الجيش الإسرائيلي، وأنّ الخطر على الضباط والجنود، الذين ليسوا جزءاً من سلاح الجو وليسوا تحت ستار أمنٍ ثخين من السرية، أكبر بكثير. ويوضحون أن المقاتلين مكشوفين لكاميرات ليست خاضعة لسيطرة الرقابة العسكرية في المناطق (الفلسطينية المحتلة – الضفة).
الخشية العميقة من انكشاف متزايد وخطير لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي لإجراءات قضائية دولية أدّى في الأشهر الأخيرة إلى إضافة بُعد إضافي للتي أقلقت قيادة الجيش في المقام الأول. في مداولات سرية داخل المستويات القضائية الرفيعة المستوى في النيابة العامة العسكرية مع أعضاء هيئة الأركان ومسؤولي وزارة القضاء والمستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميارة، (المسؤولة المهنية عن المدّعي العام العسكرية وكل الجهاز الذي يخضع له، وهذه تبعية مهمة لحماية جنود الجيش الإسرائيلي من إجراءات قضائية دولية)، تسمّي جهات عسكرية هذه المشكلة باسم "الساعة الرابعة" أو "البُعد الرابع" الذي يجب فحصه في ظل الأزمة السياسية الخطيرة في "إسرائيل" وتداعياتها الداخلية والخارجية.
هذا التوصيف يقف إلى جانب "ساعة الكفاءة" – محاولة الجيش الإسرائيلي تقدير مدى تضرر كفاءته من الاحتياجات اليومية إلى الجهوزية لحرب شاملة متعددة الساحات، و"ساعة التماسك" – التي تفحص الضرر في الأخوة والصداقة بين المقاتلين؛ و"الساعة العملياتية" – التي تفحص وضع أعداء "إسرائيل"، جرأتهم المتزايدة واستعدادهم لأخذ مخاطر إلى حد حرب شاملة، من بين جملة أمور بسبب ما يعتبرونه ضعفا إسرائيلياً.
الآن، كما قلنا، تُكشف أيضاً "الساعة القضائية" – التي حذّر منها رؤساء القسم الدولي في النيابة العامة العسكرية في جلسة سرية في الكنيست في شباط / فبراير الماضي، التي طلب قادة الائتلاف منع وصول مضمونها إلى بقية أعضاء الكنيست.
مصادر عسكرية مطّلعة إلى إجمالي المداولات في الموضوع توضح أن الأمر لا يتعلق فقط بطيارين احتياط أو بالطيارين عموماً، بل "بمجمل جنود وضباط الجيش الإسرائيلي، احتياط ونظامي، الذين يشاركون في أنشطة عملياتية ما، وكذلك جمع معلومات استخبارية أو تنسيق، خلف الخطوط كثيراً، ناهيكم عن الحديث عن جنود الجيش الإسرائيلي الموجودون في احتكاك دائم مع السكان في المناطق (الفلسطينية المحتلة – الضفة) أو على حدود قطاع غزة".
ضرر أيضاً في المساعدات من الولايات المتحدة
مصدر في وزارة الأمن يقول إن الصعوبة يمكن أن تلحق الضرر ليس فقط في مسائل محاكمة أو تحقيق ضد جنود الجيش الإسرائيلي، بل "في مسألة أكبر بكثير هي الشرعية". وفق المصدر، الولايات المتحدة أيضاً تدرس أبعاد استقلالية الجهاز القضائي أمام شبهات ارتكاب مخالفات لقوانين الحرب قبل إعطاء موافقة مساعدة مالية للحليفات. حيال مجلس نواب مع أسس معادية لحكومة "إسرائيل" – إلغاء حجة المعقولية يمكن ان يسبب ضرراً أمنياً خطيراً جداً.
صدى للمخاوف الثقيلة في الجيش الإسرائيلي موجود في كلام اللواء يفعات تومر يروشالمي، النائبة العامة العسكرية الرئيسية، في مؤتمر المحامين في يوم الاثنين: "خطوات يمكن أن تضر أو تُعتبر مضرة بكون الجهاز القضائي مستقلاً مهنياً وممارسة يمكن أن تقوّض الهالة التي يوفرها الجهاز القضائي للجيش وإلحاق ضرر بالمصالح الأمنية لإسرائيل والجيش الإسرائيلي ولمن يخدمون فيه في الساحة الدولية". وحذرت النائبة العامة العسكرية وأضافت تلميحاً: "في هذا السياق، نحن نعمل مع القادة من أجل أن نعرض على المستوى السياسي آثار الخطوات المدفوعة فيما خص الجيش، في كافة الأبعاد ذات الصلة".
كذلك خبراء مشهورون في القانون الدولي يثيرون مخاوف شديدة في منتديات سرية وفي أحاديث مغلقة. بعضها يجد تعبيرها في ملحقات بعد الالتماسات التي قُدمت للمحكمة العليا ضد إلغاء حجة المعقولية. المحامي عودِد سبوراي يمثّل في هذه الدعوى اللواء احتياط روني نوما، وهذا بعد أن كان الملتمسان الأولان سريان بفعل منصبيهما وقضاة طُلب استبدالهم في التماس علني – كله قلق على جنود الجيش الإسرائيلي – وسعوا لضم سلسلة طويلة من المسؤولين، بينهم رئيسا الشاباك السابقان يوفال ديسكين ونداف إرغمان.
في رأي سري يُكشف لأول مرة من الخبير البروفيسور إيال بنفنيشيتي، الذي شهد عن "إسرائيل" في الماضي في سلسلة إجراءات ضد مسؤولين وساعدت شهادته في وقف تلك الخطوات – يشدد على أنه ليس في كلامه أي اتهام لجنود الجيش بارتكاب جرائم – لكن "غياب اختبارات موضوعية كهذه يمكن أن يؤدي بالذين ينظرون من جانب إلى خلاصة مفادها أن الفحص والتحقيقات التي قامت بها جهات فرض القانون لا تعكس نية تحقيق ناجع هدفه الحقيقة".
ويضيف أن عدم قدرة المحكمة العليا على انتقاد المستوى السياسي في حالة القوانين الجديدة "يمكن أن يُثقل بصورة مهمة على قدرة إسرائيل أو مشبوهين أو متهمين إسرائيليين على الإثبات في محاكم دول أجنبية وجود نية للتحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب. لذلك، يمكن أن يُنتزع من مشبوهين أو متهمين إسرائيليين الزعم في مسألة غياب صلاحية بحث موضوعهم بسبب مبدأ التكامل".
تصريح سري آخر أتى به المحامي سبوراي إلى المحكمة كان لغال لفرطوف الذي عمل على مدى ثماني سنوات مديراً للقسم الدولة في النيابة العامة لـ"إسرائيل". في هذه السنوات عمل بصورة مركزية في الدفاع عن عدد من مسؤولي المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، "الذين شاركوا في صلب العمل التنفيذي" وقُدّمت ضدهم شكاوى في دول أجنبية نُسبت اليهم ارتكاب جرائم حرب، فيما كان بعضهم في خطر ملموس للاعتقال ولإجراءات جنائية في تل الدول.
وكشف في الإعلان أنّ "كل هذه الحالات عالجناها، الزعم المركزي الذي مكّن من إغلاق الملفات أو وقف الإجراءات الجنائية استند إلى استقلالية الجهاز القضائي الإسرائيلي، الذي يمكنه بنفسه اتخاذ إجراءات جنائية ضد أيٍ من مواطني إسرائيل، مهما كان رفيع المستوى، بمن فيهم قادة إسرائيل أو ضابط الجيش، إذا خالف القانون بحسب الظاهر".
لكن الوضع اليوم، كتب لفرطوف، أنه مختلف: "لا شك عندي أن إضعاف استقلالية الجهاز القضائي الإسرائيلي، بما في ذلك بواسطة إلغاء حجة المعقولية، سيُضعف كثيراً بل وسيقضي بصورة كاملة على قدرة إسرائيل على حماية مقاتليها ضد محاولات محاكمتهم في دول أجنبية ضمن استخدام صلاحية القانون الدولي". ويختم بالقول إنّ هنا "خطر قضائي حقيقي وخطير على مقاتلي الجيش الإسرائيلي وبقية أذرع المؤسسة الأمنية والعسكرية العاملين في صلب العمل التنفيذي".