"ميدل إيست آي": غزّة.. الحياة أقوى من الحرب
النازحون الفلسطينيون يعربون عن تفاؤل حذر بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، ويجمعون على أنّ الحياة ستعود بعد الحرب.
بعد طول انتظار، احتفل الفلسطينيون النازحون في قطاع غزّة بإعلان وقف إطلاق النار هذا الأسبوع، وعبّروا عن سعادتهم، لكنّ، تفاؤلهم اتّسم بالحذر على أمل أن يصمد الاتّفاق الذي سيبدأ تنفيذه يوم الأحد المقبل.
شروق شاهين صحافية فلسطينية في دير البلح قالت إنّ "مشاعرها متضاربة للغاية، والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم. فمن قبل كانت هناك جولات كثيرة من المفاوضات، لكنّها تعود وتفشل ونقع في اليأس بعد الشعور بالأمل. لكن، هذه المرّة نشعر بوجود جدّية في المفاوضات، ولاحظنا ضغوطاً دولية من الأطراف جميعها، ومن المحتمل أننا نتّجه نحو وقف إطلاق النار".
وسينفّذ الاتّفاق على 3 مراحل ابتداء من الأسبوع المقبل، ويؤدّي إلى عودة عدد لا يحصى من الفلسطينيين النازحين إلى مدنهم ومساكنهم، ويجلب المساعدات الإنسانية التي يحتاجونها بشدّة، ويسمح للفلسطينيين الجرحى بتلقّي العلاج خارج القطاع.
وأضافت شروق شاهين: "نحن متحمّسون لأنّنا قادرون على التنفّس بشكل طبيعي، والنوم من دون ضجيج الطائرات الحربية والقصف المتواصل. ومشتاقون لصباح لا يتساقط فيه الشهداء، ومن دون أيّ لحظة وداع وانفصال بين أقارب الضحايا، ومن دون آلام الجرحى الذين أصيبوا بالغارات الجوّية الإسرائيلية".
تنحدر شروق شاهين من بلدة جباليا في الشمال، وقد تتمكّن أخيراً من تقديم التعازي لأقاربها الذين فقدوا أحبّاءهم ورؤية جيرانها مرّة أخرى، وقالت: "أنا متحمّسة للقاء بقية أفراد عائلتي الذين رفضوا المغادرة في أثناء الحرب".
بالنسبة لشروق وسواها من الفلسطينيين، طلب وقف إطلاق النار هو حقّ للشعب الفلسطيني، ومن الواجب على كلّ دول العالم الضغط على "إسرائيل" للتوصّل إلى اتّفاق، "لكن، للأسف بعضها، دعمتها وزوّدتها بكلّ أنواع الأسلحة التي ألقيت علينا، وكانت السبب وراء قتلنا وإبادتنا جماعيّاً"، وفق تعبيرها.
وبينما يحتفل الكثيرون في غزة بوقف إطلاق النار، تقول شاهين إنّها لا تستطيع ذلك، فـ "شعب غزّة شعب عاطفي، وربّما يحتفل بعض الناس، لكنني شخصيّاً لن أحتفل احتراماً لأرواح الشهداء. احتفالنا الوحيد هو بعودتنا إلى عائلاتنا في شمال القطاع".
إيهاب عبد العزيز (27 عاماً) من بيت لاهيا شمال غزّة، نزح الآن إلى دير البلح قال: "أوّل ما سنفعله هو تقديم التعازي لأولئك الذين فقدوا أفراد عائلاتهم، ومحاولة إيجاد جثامين أقاربنا المدفونين تحت الأنقاض، لقد فقدت العديد من أبناء عمومتي وأصدقائي. المباني سيعاد بناؤها، لكنّ الأشخاص الذين فقدناهم لن يعودوا أبداً، ولا شيء يمكن أن يعوّض خسارتهم، وأشكر الله على نعمة السلامة لمن بقوا أحياء من سكّان غزّة. نحن حريصون على العودة إلى شمال القطاع، ولمّ شملنا مع الذين صمدوا هناك، وما زالوا ينتظرون عودتنا. لا أستطيع وصف مدى سعادتي لوجودي على قيد الحياة، لكن في الوقت ذاته، أشعر بحزن شديد على الأحبّة الذين قتلوا".
وقتلت الحرب الإسرائيلية على غزّة أكثر من 46,000 فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية. لكنّ الخبراء يعتقدون أنّ عدد الضحايا أعلى بكثير، حيث جعل تدمير "إسرائيل" للقطاع الصحّي في غزّة من الصعب على السلطات تتبّع الضحايا جميعهم، ويعتقد على نطاق واسع أنّ العديد من الجثث لا تزال تحت الأنقاض.
وائل الذي ذكر اسمه الأوّل فقط، غادر مدينة رفح الجنوبية متوجّهاً إلى دير البلح قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، وكلّ ما يأمله الآن هو رؤية الحياة تُستأنف في جميع أنحاء القطاع. قال: "بمجرّد الإعلان رسمياً عن وقف إطلاق النار وتطبيقه في غزّة، ستبدأ الحياة مجدّداً، على الرغم من المصاعب والحزن على فقدان الشهداء والأحبّة من الأقارب والأصدقاء. لقد أصيبت ابنتي الصغيرة في عينها، وأخي فقد ساقيه".
وعلى الرغم من كلّ هذا الألم، يتمسّك وائل بالأمل والتفاؤل بمستقبل الشعب الفلسطيني، وأضاف: "نحن نعاني الاحتلال منذ أكثر من 70 عاماً، واعتدنا عمليّات القتل والتضحيات هذه، واعتدنا العودة والنهوض رغم القتل والخسائر. وسيقف شعبنا مرّة أخرى حتّى زوال الاحتلال. وأملنا هو العودة إلى الحياة الطبيعية، وأن يعود أطفالنا إلى مدارسهم، وأن تبدأ مستشفياتنا في العمل مرّة أخرى، وأن يتمكّن الموظفون من التنقّل، وأتمنّى أن تكون هذه بداية لتحرير أرضنا بأكملها".
يردّد أحمد المحسن ما قاله وائل في خان يونس جنوب غزّة، وهو يأمل أيضاً في العودة إلى مسقط رأسه رفح، وقال: "سواء دمّر منزلي أم لا، ما يهمّ هو أن تعود الحياة بعيداً عن الحرب"، مضيفاً: "لا يوجد مكان مثل المنزل سيعود قطاع غزّة أجمل من ذي قبل، لكنّه سيستغرق الكثير من الوقت". ومن المتوقّع أن تعود المجموعة الأولى من الأسرى الإسرائيليين مقابل الأسرى الفلسطينيين، ويأمل الوسطاء أن تنجح المرحلة الأولى التي تستمر 42 يوماً في جعل وقف إطلاق النار دائماً.
وأضاف محسن: "لا نريد أن تعود الحرب. لقد خسرنا الكثير. لقد مررنا بالكثير من الألم. لم نشعر بأنّنا على قيد الحياة منذ عام ونصف العام". ومع ذلك، فهو يشعر بالفخر بصمود الفلسطينيين طوال الحرب، مؤكداً: "سيبقى اسم غزّة عنواناً للتغيير واختصاراً لكلّ ما يتعلّق بالنضال والمقاومة على وجه الخصوص".
نقله إلى العربية: حسين قطايا.